الولاية والطاعة والمحبة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الولاية والطاعة والمحبة

لم يُعطَ أصل من أصول الدين بعد التوحيد والنبوة أهمية بالغة كما أُعطيت إمامة وولاية الأئمة الطاهرين من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، فقد تصدّى علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام وعلى مرّ الأزمان لبيان الأدلة النقلية والعقلية على أصل إمامتهم وولايتهم، ومن ثم مستلزمات هذه الولاية التي هي بالأصل ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم، وكان مستندهم في كل ذلك كتاب الله المجيد والسنة النبوية المطهرة، ومن ثم أفعال أئمة الهدى وتقريراتهم وحديثهم عليهم السلام الذي هو حديث رسول الله كما قال مولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث، جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ".
 
وإن الله تعالى بهدايته وتوفيقه لعلماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام يسّر لهم ـ وله الحمد ـ المجيء بالحجج الساطعة التي لا تترك خليجة، ولا تدع وليجة، فدحضوا كل إشكال، ودرؤوا كل شبهة حاول إلصاقها مخالفوهم بولاية الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً حتّى أسفر الصبح لذي عينين وحصحص الحق لمن رضي به ديناً، وقد روي عن إمامنا الباقر عليهم السلام صاحب هذه الوصية التي نتشرف بخدمتها "والله، لا يجعل الله من عادانا ومن تولاّنا في دار واحدة".
 
لوازم الولاية
إنّ أهم لوازم الإيمان بهذا الحق هو الحبّ له، والعمل به، فمن المسلَّم به أنّ حبّهم عليهم السلام إيمان وبغضهم والعياذ بالله نـفـاق، وسرّ ذلك يكمن في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم للمسلمين بالتمسّك بالثقلين، واقتران العترة بالقرآن يظهر أن إيجاب محبّتهم لائح من معنى قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾، فإنّه تعالى جعل شكر إنعامه، وإحسانه بالقرآن منوطاً بمحبتهم على سبيل الحصر، ولعلّ أول ما يخطر ببال الأخ المسلم، والأخت المسلمة أنه لا يوجد مسلم أو مسلمة على وجه الأرض، إلا ويُحبّان أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم صحيح، ولكن هل تعلم أيها المسلم أن - (الحب) - أصله الحقيقي هو اللزوم والثبات، كما نص على ذلك فقهاء اللغة العربية، منهم أحمد بن فارس بن زكريا حيث قال: "فالحاء والباء أصول ثلاثة، أحدها اللزوم والثَّبات، والآخر الحَبّة من الشيء ذي الحَبّ، والثالث وصف القِصَر إلى أن يقول:(وهو موضع الشاهد): أمّا اللزوم فالحُبّ والمَحبّة، اشتقاقه من أحَبَّه إذا لزمه. والمُحِبّ: البعير الذي يَحْسِر، فيلزمُ مكانَه".
 
إن المودّة والحبّ الحقيقي يُصاحبه سعي عن إرضاء المحبوب، قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: "ما عرف الله من عصاه"، وأنشد:
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه         هذا لعمرك في الفعال بديع
لو كان حبّك صادقاً لأطعته          إنّ المحبّ لمن أحبّ مطيع

 
فكيف يمكن أن يكون المحبّ لله ولرسوله ولأهل البيت صادقاً في حبّه، وهو يُخالفهم في العمل، ويعمل على خلاف إرشاداتهم وتعاليمهم؟ يقول الشيخ المظفر رحمه الله تعالى: إنّ الأئمة من آل البيت عليهم السلام لم تكن لهم همّة إلا تهذيب المسلمين وتربيتهم تربية صالحة كما يريدها الله تعالى منهم، فكانوا مع كل من يواليهم، ويأتمنونه على سرّهم يبذلون قصارى جهدهم في تعليمه الأحكام الشرعية وتلقينه المعارف المحمدية، ويعرفونه ما له وما عليه، ولا يعتبرون الرجل تابعاً وشيعة لهم إلا إذا كان مطيعاً لأمر الله مجانباً لهواه آخذاً بتعاليمهم وإرشاداتهم، ولا يعتبرون حبّهم وحده كافياً للنجاة كما قد يمنّي نفسه بعض من يسكن إلى الدعة والشهوات ويلتمس عذراً في التمرّد على طاعة الله سبحانه. إنّهم لا يعتبرون حبّهم وولاءهم منجاة إلا إذا اقترن بالأعمال الصالحة، وتحلّى الموالي لهم بالصدق والأمانة والورع والتقوى، وقد روى إمامنا الباقر عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: "إنّه لا يُدرك ما عند الله إلا بطاعته"، ولذلك أكدوا عليهم السلام أن التشيّع لهم وموالاتهم، هو طاعة الله وولايته والتقوى، فمن التزم ذلك، فهو لهم وليّ، ومن كان لله عاصياً ومخالفاً، فهو لهم عدوّ، حتى لو ادّعى مشايعتهم، وحاول أن يصوّر للناس أنّ مجرّد محبّتهم وممارسة بعض الأعمال البسيطة، كفيل بغفران ذنوبهم، وكان من نتاج دعواه الباطلة أن شجَّع الكثير من الموالين على التساهل في أمور الدّين، وغرّر بهم وأوقعهم في متاهات لا نهاية لها، وأبعدهم كل البعد عن أهداف الأئمة المعصومين عليهم السلام.

المبصرون، من وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) لتلميذه جابر، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

 

قراءة 812 مرة