أولوية الشريعة معرفة (الحرام) و(الواجب)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
أولوية الشريعة معرفة (الحرام) و(الواجب)

الأحكام في التشريع الإسلامي خمسة: الحلال، والحرام، والواجب، والمستحب، والمكروه؛ ولكن معرفة الواجب والحرام هي عماد المعرفة الشرعية، لأنّنا إذا عرفنا الحرام، عَلِمنا أنّ ما عداه هو الحلال، إذ يكفي أن نَتعرَّف على قائمة المحرَّمات والممنوعات ليصفو لنا ما تبقّى حلالاً هنيئاً مريئاً مباحاً طيِّباً.. وأمّا الواجب، فهو الفرائض (المسؤوليات التي نُسألُ عنها من قِبَل الله: أدَّينا أم قصَّرنا؟ لبَّينا أم تخلَّفنا؟ وهي في الحقيقة رعاية مصالح الحياة وفق نظام ربّاني لا تصلح حياة الناس إلّا به).

إنّ التحليل والتحريم ليس من مهمّاتنا، بل هي من اختصاص الله تعالى، وحقّه وحده. يقول عزّوجلّ: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ (النحل/ 116)، معتبراً التحليل والتحريم الكيفي غير القائم على دليل، كذباً عليه جلّ جلاله. ولقد فَصَّل تعالى وبَيَّن في كتابه المحرَّمات: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ (الأنعام/ 119)، فقال عزّ مَن قائل: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ (البقرة/ 173)، كما حَرَّم الرِّبا والقتل إلّا بالحقّ، وحَرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ودعا إلى تعظيم حرماته، أي الالتزام بأحكامه لأنّ فيها نظام الخير والسعادة للناس، وبناءً على ذلك قال الإمام عليّ (عليه السلام): «ومَن أشفق من النار اجتنب المحرَّمات»[1].

والحرام، الذي هو كلُّ ما نهت عنه الشريعة بدليل، لا يُقابل الحلال في التكليف، بل يُقابل الفريضة (الواجب) لأنّ الحلال مُباحٌ لا يدخل في التكليف، وإنّما المسؤولية تترتّب على العمل بالحرام وترك الواجب.

وقد يكون التحريم منصوص العلّة، أي تحريم الشيء بسبب خُبثه والمفاسد المترتِّبة عليه، وقد يأتي التحريم ليرى الله تعالى مَن يمتثل ومَن يعصي، وقد يُحرِّم - عزّوجلّ - أُموراً عقوبةً على الظلم ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ (النِّساء/ 160).

مسؤوليتي الأُولى بصفتي مُكلَّفاً ومسؤولاً مسؤولية شرعية أن أتعرَّف على خطوط الحرام لئلّا أدخل فيها فأُعاقب نفسي بتناول أو تعاطي الضارّ، قبل أن أنال عقاب الله على العصيان، ولِمَ الأخذ بالحرام - على ما فيه من خبائث ومفاسد وأضرار - ومساحة الحلال واسعة جدّاً وطيِّبة جدّاً؟ يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «وما أُحلَّ لكم أكثر ممّا حُرَّم عليكم»[2].

وعلى أيّة حال، فإنّ معرفة الحرام تكفي لمعرفة الحلال، فما دون الحرام حلالٌ طيِّبٌ مباحٌ أكله، وشربه، ولبسه، وسُكناه، وتعاطيه.

وأمّا الواجبات في الشريعة فليست الفرائض: الصلاة، الصوم، الحج، والزكاة فقط، بل كلّ ما أوجبه الله تعالى على الإنسان المسلم في كتابه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كقاعدتين تجمعان بين جناحيهما كلّ ما هو (صالح) فيُشجِّعان عليه، وكلّ ما هو (فاسد) فيُحذِّران ويُنفِّران منه.

وكما أنّ إجازة السوق لا تُمنح لسائق إلّا بعد أن يكون قد أحاط علماً بالمحظورات أو الممنوعات في السير، وتَعرَّفَ معرفة تفصيلية على علامات المنع والتوقُّف، وبعد أن يُختبر بها فيُرى كم هو ملتزمٌ بها، فإنّ إجازة الإيمان لا تُمنح للإنسان المسلم إلّا بعد أن يعرف المحرَّمات، فلا يخترقها أو يتجاوزها لأنّها خطوط حمراء، إلّا بعد أن يُلمّ بمعرفة ما يتوجَّب عليه عمله، ولا عملَ في الإسلام إلّا بعِلم 

 

[1]- نهج البلاغة، قصار الحكم، الحكمة30، ص655.

[2]- نهج البلاغة، الخطبة 114، ص274.

المصدر:البلاغ

 

قراءة 625 مرة