جاء في نهج البلاغة:«عباد الله، زنوا أنفسكم من قبلِ أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا» (1).
يقولون أن قبل المراقبة والمحاسبة هناك شيء، وبعدهما هناك شيء أيضا، فقبلهما يوجد «المشارطة» يعني على الإنسان أولا أن يشرط على نفسه، ويعاهدها، فيعقد معها معاهدة ويوقع عليها، وغالباً ما تكون مكتوبة على ورقة، فيشترط المرء على نفسه شروطا، ويلزمها بعهود محددة، لأن الإنسان بداية إذا لم يتعاهد مع نفسه، ولم يحدد لها العهود والبنود، ويضع لها المقررات والضوابط، فلن يستطيع أن يراقبها بعد ذلك.
فمثلا يحدد لنفسه ضوابط، فيعدها بأن يكون النوم على هذا المنوال، والطعام على ذاك المنوال، والتعامل مع خلق الله على تلك الطريقة، وغير ذلك من الأمور والمسائل، فيحدد كل هذه المسائل في ذهنه، أو يكتبها على ورقة ويوقع على بنودها وشروطها، ويعقد مع نفسه عهداً وميثاقاً حول تلك البنود والشروط، ثم بعد ذلك يبدأ بمراقبة نفسه حول العمل بهذه البنود والمواثيق، يراقبها في الليل والنهار، ثم يأتي الحساب فيحاسب نفسه؛ هل عملت طبق المواثيق والبنود، أم لم تعمل، هل راقبت نفسها أم لم تراقب؟
فإن عملتْ يأتي بعد ذلك الشكر والامتنان لله تعالى، مع سجدة الشكر، وإذا لم تعمل تأتي المعاتبة، أي يعاتب نفسه ويلومها على عدم العمل بالعهد، فإذا تخلفت عن العمل بشيء قليل تأتي «المعاقبة» أي يعاقبها على التخلف، فإن كان التخلف كبيراً عاقبها بالتشديد عليها، كأن يفرض عليها العقوبة الشديدة والأعمال القاسية في الأيام الصعبة، كالصيام مثلاً، هذه المسائل من أصول الأخلاق ومسلماتها في التربية الإسلامية.
يعتقد بعض الأشخاص أن محاسبة النفس هي عمل المتريضين وأرباب السير والسلوك، أما الأفراد العاديون فلا معنى لمحاسبتهم أنفسهم، إن هذا النوع من التفكير خاطىء، فالقرآن الكريم والأنبياء والأولياء هم الذين ابتكروا هذا النوع من العمل، لم يخصّوا هذا الفعل بفئة معينة من الناس، فالمۆمن بالحساب والكتاب في هذا العالم، والمعتقد أن ما من عمل يضيع، يجب أن يحاسب نفسه، فهل كُتِبَ الحساب في الآخرة فقط على المتريضين وأهل السير والسلوك، كلا، الحساب كتب على جميع الخلق، محاسبة الذات في الأصل تكليف عقلاني عام قبل أن يكون تكليفا شرعيا ودينيا. (2).
المصادر:
1- نهج البلاغة: (الخطبة، 90).
2- تعليم وتربيت در اسلام (التعليم والتربية في الاسلام)، حكمتها واندرزها (الحكم والمواعظ)-الشهيد مرتضي مطهري