من رشحات فضائل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
من رشحات فضائل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

لا يمكن الإحاطة بخصائص الإمام وصفاته وشؤونه الكمالية من قِبل من هو أدنى منه رتبة في مراتب الكمال الإمكاني، وما يتم ذكره هو ما تتلقاه المدارك بحسب وعائها وقابلياتها على المعرفة. وفيما يلي نذكر رشحة من رشحات صفات الإمام العسكري (عليه السلام) في الأمور الشخصية والاجتماعية:
العبادة
1 ـ العبادة
كان الإمام العسكري (عليه السلام) كما آبائه الأطهار (عليه السلام) نموذجاً راقياً لعبادة الله تعالى. وكان لا يشغله شيء عن الصلاة بل كان يترك كل الأعمال إذا حان وقتها. يقول أبو هاشم الجعفري: “دخلت على أبي محمد (عليه السلام) وكان يكتب كتاباً فحان وقت الصلاة الأولى فوضع الكتاب من يده وقام (عليه السلام) إلى الصلاة…”[1].

كانت صلاة الإمام (عليه السلام) تجذب القلوب وتجعلها تتجه نحو ذكر الله تعالى حتى أنها كانت تترك آثارها على الأشخاص المنحرفين فتجعلهم يصححون مسارهم ليكونوا من أهل التهجد والعبادة.

“دخل العباسيون على صالح بن وصيف عندما حبس (عليه السلام) عنده وقالوا له: ضيق عليه ولا توسع فقال صالح: ما أفعل به فقد وكلت به رجلين من أشر ما قدرت عليه، وقد صار إلى العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم، ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما وما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله، لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا، ودخلنا مما لا نملكه على أنفسنا، فلما سمع العباسيون انقلبوا”[2].

2 ـ السخاء
الأئمة المعصومون (عليهم السلام) هم النماذج الرفيعة والقدوة الكاملة في الصفات الإنسانية العالية. ومن جهة أخرى فإن سلوكياتهم هي بمثابة الدروس الحية لاتباعهم. ومن جملة الصفات التي تحلوا السخاء. وحول سخاء الإمام العسكري (عليه السلام) ننقل الرواية التالية: “عن محمد بن علي… قال: ضاق بنا الأمر فقال لي أبي: امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل ـ يعني أبا محمد ـ فإنه قد وصف عنه سماحة، فقلت: تعرفه؟ فقال: ما أعرفه ولا رأيته قط قال: فقصدناه فقال لي [أبي] وهو في طريقه: ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم مائتا درهم للكسوة ومائتا درهم للدين ومائة للنفقة، فقلت في نفسي: ليته أمر لي بثلاثمائة درهم مائة اشتري بها حماراً. ومائة للنفقة ومائة للكسوة وأخرج إلى الجبل، قال: فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه فقال: يدخل علي ابن إبراهيم ومحمد ابنه، فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي: يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت؟

فقال: يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة فقال: هذه خمسمائة درهم مائتان للكسوة، ومائتان للدين، ومائة للنفقة، وأعطاني صرة فقال: هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار ومائة للكسوة ومائة للنفقة ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سوراء…”[3]

3 ـ الزهد وبساطة العيش
يتحدث كامل بن إبراهيم المدني حول زهد الإمام (عليه السلام) وبساطة عيشه: “وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني، إلى أبي محمد (عليه السلام) ليناظره في أمرهم، قال كامل: فقلت في نفسي: أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي، فلما دخلت عليه، نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله وحجته، يلبس الناعم من الثياب، ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان، وينهانها عن لبس مثله، فقال مبتسماً: يا كامل وحسر عن ذراعيه، فإذا مسح أسود خشن رقيق على جلده، فقال هذا لله عزَّ وجلَّ وهذا لكم، فخجلت”[4].

4 ـ تنمية القدرات الفكرية والعقلية عند الأشخاص
عن أبي القاسم الكوفي في كتاب التبديل أن إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تأليف تناقض القرآن، وشغل نفسه، بذلك، وتفرد به في منزله، وإن بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فقال له أبو محمد (عليه السلام): أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي فما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟ فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟ فقال أبو محمد (عليه السلام): أتؤدي إليه ما ألقيه إليك؟ قال: نعم، قال: فصر إليه، وتلطف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها فإنه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم به منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت إليها؟ فإنه سيقول إنه من الجائز لأنه رجل يفهم إذا سمع فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فتكون واضعاً لغير معانيه. فصار الرجل إلى الكندي وتلطف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له: أعد علي! فأعاد عليه، فتفكر في نفسه، ورأى ذلك محتملاً في اللغة، وسائغاً في النظر[5].

5 ـ الترويج لثقافة الترشيد في الاستهلاك
يؤدي التخطيط الصحيح في الحياة إلى وجود نوع من النمو الاقتصادي. ونقرأ في حياة الإمام الحسن العسكري نقاط هامة في هذا الخصوص من جملة ذلك:
وعن محمد بن حمزة السروري قال كتبت على يد أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري وكان لي مواخياً إلى أبي محمد أسأله أن يدعو لي بالغنى وكنت قد أملقت فأوصلها وخرج الجواب على يده ابشر فقد أجلك الله تبارك وتعالى بالغنى مات ابن عمك يحيى بن حمزة وخلف مائة ألف درهم وهي واردة عليك فاشكر الله وعليك بالاقتصاد وإياك والاسراف فإنه من فعل الشيطنة فورد علي بعد ذلك قادم معه سفاتج من حران وإذا ابن عمي قد مات في اليوم الذي رجع إلى أبو هاشم بجواب مولاي أبي محمد فاستغنيت وزال الفقر عني كما قال سيدي فأديت حق الله في مالي وبردت أخواني وتماسكت بعد ذلك وكنت قبل رجلاً مبذراً[6].

 


[1] بحار الأنوار، ج50، ص304.
[2] وفيات الأئمة، من علماء البحرين والقطيف، ص410.
[3] أصول الكافي، كتاب الحجة، باب مولد أبي محمد الحسن بن علي، الحديث 3.
[4] مستدرك الوسائل، ج3، ص243؛ مستدرك سفينة البحار، ج9، ص220.
[5] المناقب، ج4، ص424 و425؛ بحار الأنوار، ج50، ص311 وج 10، ص392.
[6] كشف الغمة، ج2، ص424.

قراءة 267 مرة