“الإمام الثاني عشر إمام منتظر، ونحن ننتظر ظهوره لكي “يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً”. والفكرة، بصورة موجزة، لا تختصّ بهذه الطائفة، بل في كتب أحاديث المسلمين، بجميع مذاهبهم، مئات وألوف من الروايات، تدلّ وتثبت أنّ النبيّ الكريم عليه الصلاة والسلام قال: “لو لم يبق من العالم إلّا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يأتي رجل من أهل بيتي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً”[1].
فالحديث متواتر عند جميع فرق المسلمين، فالرأي لا يختصّ بطائفة. ثمّ الفكرة، كانت ولا تزال عامة، تشمل مفاهيم جميع الأديان، فانتظار المخلّص، وانتظار المنقذ، وانتظار الروح الحق المعزّي، وانتظار أمر ما، موجود عند جميع الفرق والأديان، وعند جميع المتشرّعين بالشرائع”[2].
“المهدويّة” فلسفة عالميّة كبرى
إنّ مسألة ظهور المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، لا تختصّ بطائفة من البشر ولا بمنطقة معيّنة من الأرض، بل هي مسألة عامّة تستوعب كلّ الأرض وكلّ البشر. ذلك لأنّ الدّين الإسلاميّ – والذي تعتبر المهدويّة واحدة من مسائله – دين عالميّ، وقد أرسل الله تعالى خاتم أنبيائه للناس كافّة، ووعده أن يظهر دينه على سائر الأديان الأخرى.
ولذلك فإنّ الآيات القرآنية التي تبشّر بمجيء دولة الحقّ والعدل هي من قبيل هذه الآية الشريفة: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾[3]. هذه الآية وأمثالها تشير:
أولاً: إلى الأمل بمستقبل البشرية، وأنّ الدنيا لن تدمّر وتفنى، كما هي الفكرة السائدة اليوم في أوروبا، بأنّ البشرية في تمدّنها وحضارتها قد وصلت إلى مرحلة بحيث لم يبق أمامها إلّا خطوة واحدة لتسقط في القبر الذي حفرته لنفسها بيدها! والواقع أنّ ظواهر الأمور تؤيّد هذه الفكرة بشدّة، إلا أن أصول ديننا ومذهبنا تؤكّد أنّ ما هو موجود الآن من الفساد والاضطراب شيء مؤقّت، وأنّ هناك حياة سعيدة مستقرّة تنتظر البشريّة في المستقبل.
وثانياً: إلى أن عهد المستقبل هو عهد العقل والعدالة، فكما أنّ الفرد يمرّ في حياته بثلاث مراحل: مرحلة الطفولة وهي تتّسم باللّعب والأفكار الصبيانية، ومرحلة الشباب التي تتّسم بالغضب والشهوة، ومرحلة الرجولة، التي تتّسم بالعقل والنضج والاستفادة من التجارب السابقة.
كذلك المجتمع البشريّ لا بدّ أن يطوي مراحله الثلاث. وإلى الآن مرّ هذا المجتمع بمرحلتين من مراحله:
مرحلة الأساطير والخرافات، وبتعبير القرآن مرحلة “الجاهلية الأولى”، ثمّ مرحلة العلم، ولكنّه الممزوج بالشباب، أي مرحلة حكومة الغضب والشهوة، فعصرنا الحاضر هو قبل أيّ شيء، عصر “القنبلة” أي الغضب، وعصر “الميني جوب” أي الشهوة.
فهل يا ترى من المعقول أن لا تأتي على البشريّة مرحلة تكون الحكومة فيها ليست حكومة جهالة وأساطير، ولا حكومة قنبلة وميني جوب؟ مرحلة تتّسم بالعلم والمعرفة في ظل العدالة والسلام والإنسانية، حيث تكون المعنويّات الساميّة هي الحاكمة في العالم لا الماديّات المنحطّة؟
وهل من المعقول أنّ الله تبارك وتعالى خلق هذه الدنيا، وخلق الإنسان فيها بعنوان أشرف المخلوقات، ثمّ إنّه يقوم بعد ذلك بإفناء الحياة قبل أن تصل البشريّة إلى مرحلة رشدها وبلوغها؟
كلّا، فمضامين الآيات القرآنية والروايات الإسلاميّة تفيد بصورة لا لبس فيها، بأنّ البشرية لا بدّ أن تصل إلى مرحلة كمالها ونضجها، ولا بدّ أن يحكم فيها الدّين والعقل، ويكون الإنسان الذي يعمر الأرض حينذاك، “إنساناً” كما أراده الله سبحانه يوم خلقه ونفخ فيه من روحه.
وإن كان معذوراً وقلبه معنا وعزمه أن يلحق بنا لو استطاع فهو معنا. فأجاب الرجل إنّه كذلك يا أمير المؤمنين فأجابه الإمام عليه السلام: إنّ ليس أخوك وحده كان معنا بل ورجال آخرون ما زالوا في أرحام أُمّهاتهم بل وفي أصلاب آبائهم، فهذا حكم ثابت فكلّ شخص وحتّى يوم القيامة إذا وجد وكان في قلبه عزم صادق أنّه لو أدرك علياً في صفين لنصره فهو مع عليّ ويعتبر من أنصار عليّ وجيش عليّ في صفّين وإن لم يحضر صفّين بل ولم يعاصرها”[4].
أمل الإنسان: الإمام المهدي (عج) في الفكر الإسلامي الأصيل، جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية
[1] الشيخ الصدوق، إكمال الدين، ص511.
[2] كلمة الإمام السيد موسى الصّدر في مناسبة 15 شعبان ولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
[3] سورة الأنبياء: الآية 105.
[4] العلامة الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، أصالة الروح، ص220-239.