كيف نصل إلى الهمة العالية في حياتنا؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كيف نصل إلى الهمة العالية في حياتنا؟

علوّ الهمّة في النص
ورد في الدعاء: "يا محوّل الحول والأحوال حوّل حالنا إلى أحسن حال"([1]). فالمؤمن يطمح أن يتحسّن حاله إلى أفضل حال ولا يغنيه مطلق التحسّن ولو كان بسيطاً.
 
وورد في دعاء كميل بن زياد: "واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك وأقربهم منزلة منك وأخصّهم زلفة لديك"([2]). فطمع المؤمن بأحسن الثواب وأقرب المنازل إلى الله.
 
ونقرأ في دعاء أبي حمزة الثماليّ: "وعليك يا واحدي عكفت همّتي، وفيما عندك بسطت رغبتي".
 
من كلامٍ لأمير المؤمنين لإبنه محمّد بن الحنفيّة لمّا أعطاه الراية يوم الجمل: "تزول الجبال ولا تزل، عضّ على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تدّ في الأرض قدمك، وارم ببصرك أقصى القوم، وغضّ بصرك، واعلم أنّ النصر من عند الله"([3]).
 
وفي هذه الكلمات نقرأ عدّة شرائط لبلوغ الهمّة العاليّة في النفس
1- الثقة بالنفس: أي أن لا يتسرّب للنفس أيّ وهن أو شكّ في أنّه غير قادرٍ على فعل هذا العمل، وهذا ما عاناه أمير المؤمنين عليه السلام من أصحابه الذين كانوا دائمي الخوف من الحرب وجهاد الأعداء وتفوّقهم عليهم.
 
2- الإستعداد للتضحية: والإيمان أنّ التضحية شرط أساس في تحقّق الإنجازات الكبرى، وهذه سنّة من سنن الحياة جرت على كافّة الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين.
 
3- الثبات والإرادة: فالأمور الجسام لا شكّ تستبطن الكثير من التحديّات التي تحتاج إلى عزيمةٍ قويّةٍ لتخطّيها، وعدم اليأس حتّى في حالات الإخفاق والفشل.
 
4- النظر إلى الهدف الأقصى: وعدم الرضا بالأهداف التي تقع في متناول الأيدي ويسهل تحقيقها وإنجازها.
 
5- عدم التلهّي بصغائر الأمور: فإنّها تُغرق الإنسان في تفاصيل تجعله يحيد عن الهدف المنشود أو تُخفّف من سرعة سيره نحوه. فالإنسان ينبغي أن يوائم بين أمرين إبقاء النظر على الأهداف البعيدة ومتابعة الخطوات المرحليّة التي توصله إلى تلك الأهداف.
 
6- التوكّل على الله: أي الإيمان بأنّ الله ينصر عباده وهو معنا أينما كنّا يسمع ويرى ويحفظ عباده ويدافع عنهم. وما يعني ذلك من الإخلاص والنزاهة في العمل والتحلّي بالروح الرساليّة والحذر من السقوط أمام الشهوات.
 
ما ينبغي طلبه بعلوّ الهمّة
فعن الإمام عليّ عليه السلام قال: "ما رفع امرء كهمّته ولا وضعه كشهوته"([4]).
 
وعلوّ الهمّة سيف ذو حدّين إذ يمكن استغلالها في الطاعة والعبادة ويمكن استغلالها في المعصية والبعد عن الله، ولذلك اهتمّت النصوص الشريفة ببيان ما ينبغي طلبه بعلوّ الهمّة.
 
1- طاعة الله: من عبادة ونشر للدين وإعلاء لكلمة الحقّ والجهاد في سبيل الله ومساعدة الناس والفقراء وسوى ذلك ممّا يندرج في دائرة الطاعة والتقرّب الى الله([5]).
فعن الإمام عليّ عليه السلام: "واصرفوا همّتكم بالتقرّب الى الله".وفي دعاء للإمام السجّاد عليه السلام: "فقد انقطعت إليك همتي". وفي دعاء أخر "وهب لي.......همّةً متّصلة بك"([6]).
 
2- النجاة في الآخرة: بطلب العلم ومعرفة عواقب الأمور والتوبة والإنابة، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "ولتكن همّتك لما بعد الموت"([7]).
 
3- إصلاح النفس والمجتمع: إنّ مبدأ التغيير وإصلاح المجتمع على كافّة المستويات من أهمّ ما ينبغي تعويد النفس عليه وحملها على المشاركة في كلّ ما يمكن فعله لخدمة الناس وتلبية حاجاتهم، وعلى المرء أن يبدأ بنفسه أوّلاً ثمّ يتبعه بإصلاح الآخرين.
 
فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إن سمت همّتك لإصلاح الناس فابدأ بنفسك، وإنّ تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد أكبر عيب"([8]).

ومن أهمّ الساحات التي ينبغي أن تتجلّى فيها علوّ الهمّة هي المشاركة الفعّالة في التغيير السياسيّ والإجتماعيّ من إعلاء الصوت والاستنكار الميدانيّ ومواجهة الظلم ورفع الفساد بكافّة الوسائل المتاحة.
 
وعلو الهمّة يتطلّب من الإنسان السعي والمثابرة والجدّ والسهر وعدم الإستسلام للخطأ والإيمان القويّ بما يقوم به، ولعلّ من أبرز الأمثلة والمصاديق اليوم ما استطاعت المقاومة أن تحقّقه من إنجازات وانتصارات بفضل ثبات مجاهديها وعلوّ همّتهم وإصرارهم على إلحاق الهزيمة بالعدوّ رغم كلّ التفاوت في العدّة والعتاد.
 


([1]) شرح الأسماء الحسنى، ج1، ص70..
([2]) نهج السعادة، ج6، ص160.
([3]) مستدرك الوسائل، الميرزا النوريّ، ج11، ص86.
([4]) عيون الحكم والمواعظ، ص484.
([5]) ميزان الحكمة، ج4، ص3469.
([6]) الصحيفة السجّاديّة (ابطحيّ)، الإمام زين العابدين، ص412.
([7]) حاشية مجمع الفائدة والبرهان، الوحيد البهبهانيّ، ص24.
([8]) ميزان الحكمة، ج3، ص2206

قراءة 173 مرة