من المؤكد ان ارساء الامن والسلم العالميين، هو مسؤولية دولية يتعين ان تتضافر لأجل توفيره جميع الطاقات والامكانات والفرص لاسيما في راهننا المعاصر. لكن وحسب ما يقول علماء السياسة والاجتماع فانه (ليس هنالك انجاز انساني مالم تتضح الاهداف،كما ان الفعل البشري لن يتحقق على ارض الواقع الا حين يتم في ضوء بصيرة واعية ).
نقول هذا في معرض الاشارة الى ما يمكن وصفه مؤقتا ب "الانفراج الايراني- الاميركي" الذي شد اليه اهتمام الامم والشعوب والاوساط الدولية، وبخاصة في اعقاب المحادثة الهاتفية بين الرئيسين الشيخ حسن روحاني والسيد باراك اوباما يوم الجمعة 27-9-2013 ، وذلك عندما كان السيد رئيس الجمهورية الاسلامية يغادر مقر اقامته بنيويورك عائدا الى طهران بعد مشاركته في اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة.
فمن المعروف ان الاتصال المباشر بين الرئيسين الاميركي والايراني - وان كان تلفونيا- له ابعاد ايجابية كثيرة على مستوى كسر الكثيرمن الحواجز النفسية القائمة بين الغريمين اللدودين طهران وواشنطن منذ اكثر من 34 عاما. كما ان فحوى هذه المحادثات ، ربما يوحي هو الآخر بوجود رغبة متبادلة لتجاوز الخلافات التقليدية بين البلدين وفتح صفحة جديدة لاستئناف التعاون في مختلف المجالات ، على اساس الاحترام المتبادل ومبدأ تكافؤ السيادات.
فقد ذكرت المصادر الرسمية الايرانية ( ان الرئيسين بحثا في هذا الاتصال الهاتفي مختلف القضايا . كما اكدا عزمهما على التوصل الى حل سريع للموضوع النووي وتوفير الارضية لتسوية باقي القضايا بالاضافة الى التعاون في اطار القضايا الاقليمية .
واثناء هذه المكالمة، قال اوباما لروحاني انه يأمل في حل "شامل" مع طهران التي بدات يوم الخميس 27-9- 2013 اتصالات مع القوى الكبرى لبحث الملف النووي الايراني . كما طلب الرئيسان في هذا الاتصال الهاتفي من وزيري خارجية البلدين توفير ارضية التعاون باسرع وقت ممكن)- انتهى الخبر.
وبرأي الخبراء والمراقبين الدوليين فان هذا التطور ، ملفت للنظر والشك في آن معا، لانه يعبر عن انعطافة مفصلية في التعامل البيني للجمهورية الاسلامية والولايات المتحدة ، والذي طغى عليه روح التناحر والاحتراب والتنابذ منذ انتصار الثورة الاسلامية المباركة عام 1979، والتزام طهران مبدأ الاستقلال الذاتي وتبنيها استرايجية مكافحة السياسات الاميركية السطوية ووقوفها سدا منيعا بوجه سلوكيات العربدة والاستكبار التي تمارسها "ثنائية واشنطن-تل ابيب" في الشرق الاوسط خصوصا وفي العالم الاسلامي عموما.
وازاء ذلك من الطبيعي ان يبدو قبول فكرة التبدل الفجائي في التوجهات والسلوكيات الاميركية ، امرا غير مقنع عند الاناس العاديين، فما بالك بالاستراتيجيين. اذ من المعلوم ان واشنطن محكومة بشبكة معقدة من القواعد السياسية والاقتصادية والعسكرية والايديولوجية تجعلها تتعامل مع حلفائها - فضلا عن اعدائها - بلغة الهيمنة والاملاء المحض .
فحسب العقيدة السياسية الاميركية فان ايران"دولة مارقة" ومن "محورالشر" ، كما انها السبب الرئيسي وراء كل الاخفاقات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في افغانستان والعراق ، وهي المسؤولة عن جميع الهزائم التي منيت بها "اسرائيل" في الاعوام 1996 و 2000 و 2006 و 2008 و2012 .
كما ان الاستراتيجية الاميركية فشلت فشلا ذريعا في منع الجمهورية الاسلامية عن تحقيق التنمية المستدامة ، وامتلاك التقانة النووية للاغراض السلمية، ودخول عالم الفضاء،وفي الحد من تنامي قدرات طهران التسليحية الدفاعية ، وتحقيق منجزات اسطورية بهذا الصدد.
في الطرف المقابل فان السياسيين المعتدلين الايرانيين بزعامة الرئيس الدكتور حسن روحاني لايداخلهم ادنى شك ، في مسؤولية السياسات الاميركية عن ممارسة كم هائل من الضغوط والحصارات واشكال الحظر على الجمهورية الاسلامية طيلة العقود الماضية ، اضافة الى دورها البغيض في انتاج الجماعات الارهابية التكفيرية بأموال البترودولار، من اجل وضع "هذا الانحراف العقائدي" في مواجهة الاسلام المحمدي الاصيل والاساءة الى المسلمين والعرب ، بعدما صاروا يذوقون حلاوة الانتصارات المتتالية على ايدي ابنائهم المجاهدين في لبنان وفلسطين ، لاسيما من خلال الهزيمة المنكرة التي الحقها ابطال حزب الله بالعدو الصهيوني في حرب تموز2006.
واضح ان "اسرائيل" باعتبارها الرابح الاكبر من وراء اشاعة الجماعات التكفيرية - الطائفية ، والتي تعترف الجهات الغربية ذاتها بضلوعها الصريح هي وتل ابيب في صناعتها وتوجيهها ، وفي مساعدة الارهابيين على تأمين جبهات اسناد واسعة ومفتوحة لهم على امتداد العراق وسوريا ولبنان واليمن ومصروافريقيا ، لن توفر اية وسيلة دنيئة للاخلال باي تحول جوهري يمكن ان يطرأ على العلاقات المضطربة اساسا بين ايران واميركا.
السؤال المطروح هنا هو : هل ستكون ادارة الرئيس باراك اوباما على استعداد للتفريط بورقة " الارهاب التكفيري" ، ، باعتباره تحديا مصيريا بالغ الخطورة تسعى ايران وشعوب العالم الاسلامي الى وضع حد له وحشد العمل الجماعي في سبيل اجتثاث جذوره و تجفيف مصادر تغذيته فكريا وماليا وتسليحيا ولوجستيا؟
قد تكون لدى السلطات الاميركية "رغبة ما" في اعادة النظر في حساباتها الاستراتيجية وفي الصميم منها" مشروع الفوضى الخلاقة" الذي اخذ يعود بنتائج رهيبة على مستوى الشرق الاوسط ، بشكل شوه الى حد كبير ما يمكن اعتباره "مصداقية لواشنطن امام المجتمع الدولي" . بيد انها لن تقدم -طبعا- على اية خطوة يمكن ان تؤدي الى اضعاف موقف الكيان الصهيوني الغاصب بشكل او بآخر.
على ان المؤكد في هذا المضمار هو ان (الحكمة الايرانية) كانت وما فتئت تأخذ التلازم المصيري بين واشنطن وتل ابيب بعين الحسبان في كل موقف وتقييم وتحرك ، الامر الذي تعرفه الولايات المتحدة ايضا، وهي الواثقة تماما بأن ابناء الامام الخميني الرساليين لم ولن ينسوا كلمته التاريخية عندما قال: ان اية علاقة بين ايران واميركا سوف تكون كالعلاقة بين الحمل والذئب.
*حميد حلمي زادة