الاتحاد الأوراسي: نحو عالم متعدد الأقطاب

قيم هذا المقال
(0 صوت)

الاتحاد الأوراسي: نحو عالم متعدد الأقطاب

وقّعت روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان اتفاقية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، لتنشئ بذلك أكبر سوق موحدة في فضاء رابطة الدول المستقلة، التي تملك إمكانات صناعية وعلمية وتكنولوجية ضخمة وموارد طبيعية هائلة، على أن تفتح امكانية نحو انضمام أرمينيا وقرغيزيا في المستقبل القريب. وسيعمل هذا الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بمبادئ شفافة وواضحة للجميع، بما فيها أحكام ومبادئ منظمة التجارة العالمية، على ما يقول منشئوه.

وأهم ما في هذه الاتفاقية، التزام الدول الثلاث الموقعة ضمان حرية البضائع والخدمات ورأس المال والقوة العاملة في حدود الاتحاد، وأن تعمل على تنسيق سياساتها في القطاعات الحيوية للاقتصاد، مثل الطاقة والصناعة والزراعة والنقل.

لا شك أن فكرة الاتحاد الأوراسي قد تطورت كثيراً منذ أن طرحها الرئيس الكازاخي نزار باييف عام 1994، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وإنشاء رابطة الدول المستقلة، كتجمع سياسي اقتصادي يعمل في فضاء الجمهوريات السوفياتية السابقة، إلا أن تطور الأحداث بعدها على المستوى الدولي في ضوء التحديات الجديدة، فرض تطوير الفكرة الأساسية للمشروع.

جوبه طرح الاتحاد الأوراسي منذ البداية بمقاومة من أطراف متعددة، أولها الجمهوريات السوفياتية السابقة، التي خشيت من محاولات الهيمنة الروسية، والخوف من خسارة استقلالها الوطني بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وطموحات الطبقات السياسية الناشئة حديثاً في هذه الجمهوريات، التي كانت في مجملها ذات طبيعة أوليغارشية ومافيوية، استولت على مقدرات دولها الاقتصادية وفككت مجتمعاتها بتغطية من الولايات المتحدة والغرب، عبر تساهل هذه القوى مع الطبقة السياسية الناشئة في هذه البلدان، في نهب وإفقار مجتمعاتها، تحت حجج الديموقراطية والحرية وإشاعة الخوف من روسيا كقوة استعمارية.

ثاني هذه الأطراف هما الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، اللتان طرحتا «خطة وسط آسيا الأميركية»، وهدفها استعادة التوازن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ويكمن مغزاها في سيطرة أميركا على أفغانستان دون أن توظف أموالاً لغرض تطوير هذا البلد، فضلا عن استغلال مشاكل باكستان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومشاكلها مع جيرانها بغرض تعزيز النفوذ الأميركي ومنع إقامة قاعدة اقتصادية مشتركة لبلدان وسط آسيا، ووضعها في مجابهة روسيا والصين واستكمال حصار إيران.

أما ثالث هذه الأطراف فهي الصين، عبر مشروع طريق الحرير والذي يشمل الدول القائمة على خط الحرير التاريخي. اعتبرت الصين أن مشروعها أوسع وأشمل من الاتحاد الأوراسي، الذي يمكن أن ينخرط فيه أكثر من نصف البشرية وبمقدرات اقتصادية هائلة، تستطيع أن تقف في مواجهة السيطرة الأميركية والأوروبية.

لعل العامل الرئيسي في تطوير الاتحاد الأوراسي واقترابه من المشروع الصيني، جرى تحت تأثير وضغط الأحداث السياسية، التي وضعت الصين وروسيا في خندق واحد في مواجهة المخططات الأميركية والأوروبية.

ويسعى الطرفان الروسي والصيني إلى تطوير مفهوم مشترك بينهما، يدمج ما بين الفكرتين المتعارضتين بما يضمن لروسيا أن تكون قادرة على بث الطمأنينة في دول الفضاء السوفياتي السابق من جهة، ومن جهة أخرى أن تتعزز علاقاتها بالصين على المستويات الاقتصادية والتوافق السياسي وحدود المجابهة مع الغرب الاستعماري، وتضمن توسيع الاستثمارات الصينية الهائلة في مدى هذا الاتحاد الجيوسياسي الواسع. ومن هنا يمكن أن نفهم إعلان بوتين أن هذا الاتحاد مفتوح للتوسع، ومهتم بضم دول مثل الصين والهند وفيتنام ودول أخرى.

وبالانتقال إلى كلمة الرئيس البيلاروسي في حفل التوقيع، فقد تطرّق إلى نقطة مهمة قد تحمل دلالات كثيرة، حيث ذكر أن أوكرانيا لن تكون خارج هذا الاتحاد في القريب العاجل. ما يعني أن أوكرانيا قد تجد مكانها في الاتحاد خلال ثلاث إلى خمس سنوات، بعد التخلص من آثار المعركة الحالية.

من جهة أخرى تسربت أنباء عن تفكير إيران وسوريا في طلب الانضمام إلى هذا الاتحاد، ما يدل على تفكير هذا التحالف في بناء قاعدة اقتصادية وسياسية مشتركة، أساسها مقاومة الإمبريالية الأميركية والأوروبية الغربية، وذلك بالعمل على خلق عالم متعدد الأقطاب، قادر على تجريد الغرب من مصادر قوته الاقتصادية والسياسية والمالية والعسكرية.

وتبقى مسألة أثيرت حول انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأوراسي، ويجب التفكير في سبب طرح هذه الفكرة. هنا يظهر احتمال أن تكون روسيا تفكر بطريقة تكون فيها قادرة على دمج إسرائيل في هذا التحالف، لإضعاف التأثير الأميركي والأوروبي على السياسات الاسرائيلية. أما من جهة إسرائيل، فإن مسارعتها للحديث عن رغبتها في الانضمام لهذا الاتحاد، ناتج عن فهمها العميق للانكفاء الأميركي التاريخي عن المنطقة، وبالتالي فإنها تسعى إلى أن تضمن روسيا لها أن تعمل على كبح جماح حلف المقاومة في المنطقة من تدمير دولة إسرائيل.

ويبقى السؤال: هل ستكون روسيا قادرة على أخذ هذا الالتزام دون أن تخذل أصدقاءها وحلفاءها في المنطقة ؟؟؟

أحمد فاخر - الاخبار

قراءة 1732 مرة