إنضمام "الناتو" إلى التحالف الدّولي ضد داعش، موضوع تكهّنه الكثيرون في الآونة الأخيرة. فقد طرحته الولايات المتحدة الامريكية، وترامب شخصيا بجدّية، لكنّه واجه مخالفة ألمانيا وفرنسا وبعض دول الحلف، إلا أن اجتماع قادته في بروكسل يوم الخميس أسفر عن اتخاذ قرار بالإنضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش والإرهاب.
يمكن القول أن أحد أسباب موافقة أعضاء الناتو على الإنضمام هو الأعمال الإرهابية التي ضربت العمق الأوروبي، وخصوصا الهجوم الأخير الذي استهدف منشستر البريطانية. فقد عززت هذه الهجمات لدى الدول الغربية أهمية مواجهة داعش والمجموعات الإرهابية. لكن من المهم النظر إلى الموضوع من زاوية ثانية، والتفكير في الأهداف الأخرى التي دفعت الناتو إلى الإنضمام تحت قيادة أمريكية إلى تحالف لقتال داعش، لذلك تجدر الإشارة إلى بعض النقاط التي يجب أخذها بعين الإعتبار:
1- إصرار أمريكا على انضمام الناتو هو إعتراف غير مباشر بضعف التحالف الدولي ضد داعش
يوجد في المنطقة مجموعتين لهما نهج وأهداف مختلفة، مجموعة تضمّ الائتلاف الغربي - العربي ضد داعش والإرهاب، وتضمّ أكثر من 60 دولة تعمل تحت قيادة أمريكا، ومجموعة أخرى تضم الدول المعروفة بمحور المقاومة، والتي تشمل إيران والعراق وسوريا وروسيا. كان للائتلاف الغربي إلى جانب محاربة الإرهاب، أهداف معلنة أخرى كتنحية الرئيس بشار الأسد، الذي يرونه عنصرا مهما في محور المقاومة، وأهداف غير معلنة كمحاولة تهميش القضية الفلسطينية، وتحقيق الأمن والإستقرار للكيان الصهيوني في ظل الأزمات التي تعصف بالمنطقة.
على الرغم من الحملة الإعلامية التي يشنها التحالف على الارهاب، إلا أن وسائل الإعلام التابعة له تسعى دائما للترويج بأن محور المقاومة، وخصوصا إيران، هو سبب عدم الإستقرار في المنطقة. ويتزامن ذلك مع تقدم قوات المقاومة في الميدان وإلى جانبهم روسيا، ونجاحهم في تحرير حلب واستعادة أجزاء من المناطق التي كان الإرهابيون قد سيطروا عليها، مما يؤكد أن جهود الائتلاف الغربي - العربي باءت بالفشل، واللافت أن أغلب أعضائه لم يستطيعوا أن يحصدوا أي نتائج إيجابية في أعمالهم ضد الإرهاب.
وإن ضم الناتو إلى التحالف، هو عمل رمزي لإظهاره قويا بعد فشله المتكرر في مواجهة داعش، وبحسب رأي أحد كبار المسؤولين الروس، إن هذا الانضمام جاء بعد فشل أعضاء التحالف في تحقيق اي إنجاز ضد داعش.
في الحقيقة يجب الإذعان أن النجاحات التي تحققها روسيا إلى جانب محور المقاومة في سوريا، أثارت قلق الائتلاف الغربي بقيادة أمريكا، وأشعرته بالضعف، ولهذا السبب جاء الإصرار على حلف الناتو للإنضمام، بغية المحافظة على الائتلاف وترهيب منافسيه.
2- نوايا ترامب الإستغلالية
على مشارف الإنتخابات الأمريكية، توجهت الأنظار إلى مدى تأثير أمريكا ومشاركتها في دول المنطقة، وكان لذلك تأثير على نتائجها، وإن فشل التحالف الغربي - العربي أدى إلى إضعاف جبهة ترامب، لذلك أصر الأخير على انضمام الناتو إلى التحالف، ليظهر عزمه على حل المشاكل في المنطقة، ويعطي المحيطين به أملا بتحقيق مطامعهم.
وإن انضمام منظمة عسكرية كحلف الناتو للتحالف الدولي، هو شكل من أشكال الإستعراض أمام محور المقاومة لتغطية الفشل في تحقيق الأهداف. وإن ترامب أظهر للعالم أنه رئيس يبذل كل جهوده في التنسيق من أجل مواجهة داعش، وبالتالي إن أي فشل في هذا المجال سينسب اليه. ويريد أيضا من خلال ذلك أن يوصل رسالة الى روسيا مفادها أن ظروف انتصارها لم تعد متوفرة كما كانت في السابق.
مع ذلك، يبدو أن ترامب لم يحسبها جيدا في هذا المجال، فإن عدم مشاركة الناتو في المواجهات البرية، هو دليل واضح على عدم تطور قوة الائتلاف. وهو في الوقت نفسه يسعى إلى توريط الدول الاوروبية في نزاعات المنطقة، وقد أعلن مرارا أن أمريكا لن تتحمل لوحدها تكلفة أمن العالم وأوروبا. وإن جلب الناتو الى هذه الأزمات والحديث حول مديونية الدول له ولأمريكا، يعزز ذلك.
3- المواجهة بين الناتو وروسيا
منذ بدء الأزمة الأوكرانية ومسألة شبه جزيرة القرم، باتت العلاقات غير متوازنة بين روسيا والناتو، وتصاعدت الخلافات بينهم. الآن وبعد تطور المنافسة بين روسيا والغرب في منطقة الشرق الأوسط، باتت النجاحات الروسية على حساب الائتلاف الغربي تعد استعراض عضلات روسي أمام أوروبا وحلف الناتو. وإن ذلك ساعد ترامب ومن معه على جلب الناتو إلى الساحة. ومع وجوده اليوم يوجه الائتلاف رسالة مضمونها أنّ على روسيا مواجهتهم مجتمعين في الخلافات الاوروبية، وأن الولايات المتحدة بإمكانها تشكيل هذا التحالف في مواجهة روسيا أيضا.
اللافت أن وزير الخارجية الروسي أظهر قلقه من دخول الناتو إلّا أنه تحدث فقط عن تعميق الخلاف مع أوروبا حول المسائل المتعلقة بأوكرانيا. وهذا لم يكن خارج تصور الناتو، وإن اشتراطهم عدم المشاركة البرية جاء نتيجة الخوف من مواجهة وجها لوجه مع القوات الروسية في الشرق الأوسط.
بالتالي يمكن القول أن تشجيع الولايات المتحدة، بسبب غايات مختلفة، للناتو من أجل الانضمام إلى تحالفها، لا يمكنه أن يحقق مطامعها، وروسيا ستكون الفائزة في المعركة الراهنة.