صرحت مندوبة الولايات المتحدة الامريكية في الأمم المتحدة "نيكي هيلي" أن "تحذير ترامب هو من أوقفت الاسد، يمكنني ان أقول لكم بفضل حزم الرئيس ترامب لم نشهد هجوما كيميائيا".
وفي هذا الشأن قال وزير الدفاع الامريكي جيمس ماتيز ، "المسؤولون السوريون يبدو انهم اخذوا التحذير الامريكي على محمل الجد".
جاءت تلك التصريحات بعد ان زعم البيت الابيض انه حصل على ادلة وشواهد تشير الى عزم الحكومة السورية على القيام بهجوم كيماوي جديد في سوريا.
هذه المواقف المتشددة لكبار المسؤولين السياسيين والامنيين الامريكيين تصدرت اخبار وسائل الاعلام العالمية حيث بدأت جميعها بالحديث عن عدوان امريكي جديد على مواقع الجيش السوري، وتذكرنا هذه المواقف بالعدوان الامريكي على العراق في عهد صدام الذي تم تحت ذريعة وجود اسلحة كيماوية ومن ثم تبين على لسان المسؤوليين الامريكين ان الاسلحة الكيماوية كانت مجرد ذريعة لاغير.
وفي المقابل، ردت ايران وروسيا بقوة على مواقف المسؤولين الامريكيين، حيث حذرت ايران على لسان امين المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني من تبعات المغامرات الامريكية وتجاهل مبادىء حقوق الانسان الدولية والسيادة الوطنية السورية، قائلا، دون شك ان تصرفات ومغامرات امريكا الحمقاء في سوريا دليل بارز على "اللعب بالنار"، والميدان السوري ومجرياته كفيل بإنهاء استمرار العدوان الأمريكي الأحادي على سوريا، وإنهاء الإفلات من تلقي الرد المقابل، وتغيير هذه المعادلة".
كما اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان موسكو سترد بشكل مناسب ومكافئ على الاستفزازات الأمريكية الممكنة ضد الجيش السوري.
والان يطرح السؤال التالي، في ظل الظروف الراهنة التي تسيطر فيها الحكومة السورية على الميدان في حربها ضد الارهاب، ما هي حاجتها لاستخدام هكذا اسلحة في الوقت الذي كان سيضرها فيه استخدام هذه الاسلحة وستتوفر الذريعة اللازمة للتدخل العسكري للقوى العظمى في سوريا؟
لذلك، ومن حيث المنطق ان الحكومة السورية ليست بحاجة الى استخدام هكذا اسلحة في ظل الظروف الراهنة، وفي المقابل، الارهابيون الذين يتلقون هزائم كبيرة في الميدان هم من بحاجة الى هكذا اجراءات وذلك لرفع معنوياتهم العسكرية، ومن جهة اخرى قامت الحكومة السورية في خطوة ذكية بإتلاف مخرونها الكيماوي الذي لديه جانب ردعي وذلك تحت اشراف الامم المتحدة من اجل سلب ذريعة الاعتداء عليها من الاعداء.
ويؤكد الكاتب الأميركي الشهير سيمور هيرش في مقالة له هذه المواقف، حيث كتب في مقالة نشرتها صحيفة "دي فيلت" الألمانية، ان الاستخبارات الامريكية اكدت للرئيس ترامب انها لا تملك أي ادلة على ان الحكومة السورية تقف خلف الهجوم الكيماوي في "خان شيخون" قرب مدينة ادلب في نيسان (ابريل) الماضي.
واكد الكاتب هيرش نقلا عن مصادر عسكرية ان الرئيس ترامب اعطى اذنا بإطلاق 59 صاروخا على قاعدة "الشعيرات" العسكرية في حمص رغم هذه التحذيرات من اجهزة مخابراته، الامر الذي أصاب المسؤولين في المؤسسة العسكرية الامريكية بالاسى الشديد.
يرى بعض المحللين السياسيين ان التهديات الامريكية في العدوان على سوريا قبل ان تكون موجهة للحكومة السورية كانت موجهة للروس والهدف منها ممارسة ضغوط اقتصادية وعسكرية على روسيا للحصول على مكاسب ميدانية ومالية وهذا ما صرح به احد المسؤولين الروس، حيث أكدت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن التصريحات الاستفزازية الأمريكية عن تحضير دمشق لـ"هجمة كيميائية"، موجهة ليس فقط ضد سوريا، بل وضد روسيا أيضا.
كما يحكى عن ان امريكا تمارس الضغوط على روسيا من اجل اعادة تنشيط اتفاقها السابق حول التنسيق الجوي في سوريا، حيث كانت وزارة الدفاع الروسية قد اعلنت تعليق قناة الاتصال التي أقامتها مع البنتاغون لمنع حوادث اصطدام جوية في سوريا بعد اسقاط امريكا طائرة سو 22 تابعة للجيش السوري شرق سوريا.
بالتأكيد ان جدول اعمال أمريكا يختلف عن جدول اعمال ايران وروسيا وتركيا الذي يتابع مناطق تخفيض التوتر في سوريا، حيث يحاول البنتاغون عبر الغاء داعش ان يمهد الارضية لقوات سوريا الديمقراطية الكردية في الرقة، الامر الذي لاقى اعتراضا شديدا من قبل تركيا.
القضية واضحة جدا، ان الامريكان لم يكونوا ينوون منذ البداية القيام بهجوم عسكري واسع في سوريا، وفي حال وقوعه لكان محدودا وما تمكن من تغيير الوضع في الميدان، ذلك اضطروا بالاكتفاء بهذا القدر، حيث اعلنوا ان السوريين اخذوا التحذير الامريكي على محمل الجد واضطروا على الامتناع عن استخدام الكيماوي.
وتمكنت امريكا عبر تلك الوسيلة ان تظهر نفسها منتصرا في الميدان، حيث زعمت أولاً ان تهديداتها اجبرت الحكومة السورية على التراجع، وثانياً توجيه رسالة الى المجموعات المسلحة انها لاتزال ملتزمة بدعمهم من أجل مواصلة الحرب في سوريا الامر الذي يمكنه رفع معنويات المجموعات الارهابية عقب هزائمها المستمرة في ساحة الحرب، وثالثاً واخيراً ان امريكا تريد القول انها هي التي لاتزال صاحبة الكلمة الاولى في التطورات السورية وليس الدول الداعمة للحكومة السورية.