أسئلة عدة تُطرح عن الزيارة الأخيرة للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو وسط بحث عن مخارج مقبولة في الملف السوري.
معلقون إسرائيليون لا يخفون قلقهم من اصطفاف "الدول العربية المعتدلة" في طابور دولي يبدأ من أبواب دمشق
تبدو عمليّات "جيش الإسلام" المدعوم من المملكة العربية السعودية في سوريا، أقرب إلى عمليات "تذكيرية" أكثر منها أعمال عسكرية مؤثرة ميدانياً في موازين القوى.
يختصر المديح الذي كاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدور الرياض والقاهرة في توحيد منصات "المعارضة" السورية المصلحة الروسية من الحديث مع السعودية في الملف السوري في الوقت الراهن.
فمنذ أن أبدت الولايات المتحدة الأميركية "برودة" في التعامل مع الملف السوري، بالنسبة لحلفائها في الشرق الأوسط، إنتقلت دول الخليج تدريجيًا؛ كلٌ من موقعه، إلى البحث عن مخارج تحفظ لها موقعًا سياسيًا ممكنًا في تسويةٍ بعيدة المنال لكنها مع ذلك أقرب من أي وقت مضى إلى التحقق.
حتى أن المعلقين الإسرائيليين باتوا لا يخفون قلقهم من اصطفاف "الدول العربية المعتدلة" في طابور دولي يبدأ من أبواب دمشق.
في خضم هذا المشهد، للسعودية حساباتها وأولوياتها أيضًا.
للوهلة الأولى، تثير زيارة الملك سلمان إلى روسيا تساؤلات حول مدى استعداد الرياض للذهاب بعيدًا في إعادة التموضع سوريًا، لكن طبيعة العلاقة السعودية – الأميركية ومئات المليارات التي قطفها دونالد ترامب في زيارته الأخيرة إلى الرياض تؤكد بما لا يدعّ للشك أنّ اي تحرك سعودي محكومٌ بالبقاء تحت السقف الأميركي مهما بلغ في الظاهر إعلاميًا.
تنطبق هذه القاعدة على الخطوة السعودية تجاه موسكو.فالرياض ليست بصدد البحث عن بديل لواشنطن، من دون أن ينفي ذلك إمكانية جس النبض الروسي لتحقيق مكاسب تكتيكية لا تتعارض والسياسة الأميركية العامة في سوريا والمنطقة.
ولكن إن صحّ ذلك، فما هي دوافع اللقاء السعودي الروسي في هذا التوقيت والشكل؟ وما هي الأولويات التي تقود السياسة السعودية حاليًا؟
مجالات الإتفاقيات التي وقعها الملك السعودي في موسكو تشمل : الشراكة في "صندوق الإستثمارات العامة" بقيمة مليار دولار، مذكرة تفاهم لزيادة توطين الصناعات العسكرية، "مبادلةً" للإستثمار في البنية التحتية، مذكرة تفاهم لتأسيس منصة استثمارية في قطاع النفط بالإضافة إلى تفاهم لاستكشاف "الفرص" بين البلدين في هذا القطاع، مذكرة تفاهم في قطاع التقنية، واتفاقيات في قطاع الإتصالات والزراعة والثقافة، فضلًا عن اتفاقية منظومة "اس 400".
قيمة هذه الإتفاقيات جميعها لا تتجاوز العشرة مليارات دولار بأفضل تقدير، من ضمنها ثلاثة مليارات في المجال النفطي. هذه الأرقام لا يمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال بالصفقات السعودية – الأميركية.
العنوان النفطي الذي نال أكبر حصة في الإتفاقيات الموقعة كان محط تركيز خاص من الملك سلمان الذي اعتبر أن "المساهمة مع الأصدقاء الروس محورية للتوصل إلى آفاق نحو إعادة التوازن لأسواق النفط العالمية"، مضيفًا أن "رؤية 2030" للنهوض بالإقتصاد السعودي "تفتح فرصًا عديدةً أمام الشركات الروسية".
وكان لافتًا أن تعليقات الدوريات الروسية المعتبرة لم تعطِ الزيارة أبعادًا تفوق حجمها الحقيقي، فوضعتها ضمن مصلحة مفيدة لمصلحة الطرفين، مع الإشارة إلى أن الرياض تطمح لضمان "حياد" موسكو إزاء الحرب في اليمن والأزمة مع قطر.
أما في ما يخص صفقة "اس 400"، فإنّ الحاجات العسكرية السعودية تخضع عادةً للتقييم الأميركي، وقد أخلّت الرياض أكثر من مرة سابقًا بوعود تنفيذ صفقات عسكرية مع موسكو، ما دفع العديد من الخبراء العسكريين الروس هذه المرة إلى وضع الحديث عن صفقة "أس 400" ضمن سياق حملات الترويج السعودية بهدف جس نبض روسيا من إحتمالات تغيير الموقف من إيران.
ومع أن "الحدّ من النفوذ" الإيراني عنوان حاضر بطبيعة الحال في برامج الدبلوماسية السعودية، إلّا أن الرياض لا تتوقع بالتأكيد إحداث اختراق هام في الموقف الروسي من هذه المسألة بمذكرات تفاهم وبضع مليارات غير مضمون دفعها أصلًا.
لعل الزيارة هي في سياق "الإنفتاح" السعودي، المستجد داخليًا، والمطلوب خارجيًا بهدف إيجاد حلّ للحرب في اليمن والخروج بمكاسب الحد الأدنى في سوريا والحفاظ على دور إقليمي موازٍ لأنقرة وطهران، لكن هذه الأهداف جميعًا ربما لا يمكن ترقبها دفعةً واحدة من زيارة "بروتوكولية" إلى موسكو.