بقلم: منير شفيق*
من يتابع قرارات اللجنة الوزارية العربية المعنية بمتابعة الأزمة السورية وتحركاتها، ومن يتابع تصريحات المسؤولين الأتراك والإتجاه العام لحراكهم إزاء الأزمة السورية، سوف يتأكّد بأن الطرفين خرجا عن لعب دور الوساطة، وأصبحا طرفاً في صراع يستهدف المضيّ بالأزمة حتى نهايتها من خلال الحسم والتدويل بدلاً من الوساطة وإيجاد حلّ يتجنب الحسم العسكري والتدويل ومن ثم يجنب سوريا الحرب الأهلية والفتنة.
في ۲۴/۱۱/۲۰۱۱ لوّح مجلس وزراء الخارجية العرب برفع الموضوع إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وذلك تمهيداً لتدخل خارجي، والبعض هنا يلوّح بتدخل الناتو على غرار ما حدث في ليبيا، والبعض يحصره في تركيا بعد تأمين غطاء عربي - دولي لها .
هذان الخياران قد يُشعلان حرباً تتعدّى حدود ما أسموه بتأمين ممرّات آمنة أو منطقة عازلة. فالوضع السوري من هذه الزاوية لا يشبه الوضع الليبي من أوجه أساسية عدّة. فالتدخل الخارجي في ليبيا لم يواجَه بمقاومة عسكرية لا ليبية ولا إقليمية، فلم تطلق قوات القذافي صاروخاً واحداً على طائرة مغيرة، ولا رصاصة مضادّة واحدة على طوافة كانت دائماً في متناول اليد بل أعلنت قيادة التدخل الأطلسي ومسؤولون فرنسيون وبريطانيون وأميركيون أن لا حلّ عسكرياً ممكناً في ليبيا فاستراتيجية التدخل استهدفت السيطرة على الطرفين المتصارعين وصولاً إلى حل سياسي تنفرد به، أو إقامة واقع تقسيمي تمسك بطرفيه. ولكن الرياح هناك ذهبت إلى غير ما تشتهي السفن.
فلو وضعنا جانباً عدم إمكان توفرّ غطاء من مجلس الأمن للتدخل الخارجي ووضعنا جانباً الموانع الداخلية والعسكرية الغربية التي تحول الآن دون التدخل فإن التدخل إذا حصل، ووفقاً للمعطيات السورية والعربية والإيرانية، سوف يجابَه بمقاومة لن تكون حدودها سورية داخلية وهو ما تؤكده تصريحات رسمية متعدّدة متقاطعة ومن قِبّل أطراف عدّة بأن المنطقة كلها ستدخل في حالة حرب. فلا أحد يستطيع أن يفرّق بين تدخل عسكري أميركي عن التدخل العسكري الصهيوني، أو عزله عن المشروع الصهيوني في المنطقة بعامّة والقضية الفلسطينية بخاصة.
على أن المشكل الأخطر سيكون من نصيب تركيا إذا ما دُفِعت لتتولى عملية التدخل العسكري، لأن أضراراً فادحة ستلحق بها معنوية ومادية، داخلية وعربية-إسلامية.
يكفي أن يتصوّر المرء ماذا يمكن أن يحدث إذا ما دخلت تركيا حرباً لا تستطيع حسمها بأيام أو أسابيع، وإذا ما توسّعت الحرب إلى ما يتعدّى حدود <منطقة عازلة> وإذا ما وجدت أن الذين حرّضوها يتباطأون عن التدخل العسكري لنجدتها فهي أيضاً مستهدفة، في نهاية المطاف، من خلال المشروع الصهيوني للمنطقة فسوف يصبح الشعار الخفي <فخار يطقش بعضه> أو فخار يكسّر بعضه البعض.
فهل هنالك أروع للمشروع الصهيوني والمخططات الصهيو-أميركية من حرب تركية - سورية - عربية (ولو جزء من العرب)؟ أو من حرب تركية-إيرانية؟ أو من إشعال فتنة سنية-شيعية على نطاق واسع ناهيك عن حرب أهلية سورية - سورية.
وبالمناسبة الحروب الأهلية الداخلية في أقطارنا العربية تدخل في أغلبها الساحق في إطار الفتنة والفتنة إذا وقعت أعمت الأبصار والبصائر، وتساوت فيها الصغائر والكبائر، وأكلت الأخضر واليابس، ولم تترك بعد خمودها غير الكوارث والندم.
لا بدّ من أن يعجب المرء من الذين ثمنّوا تجربة الطيب رجب أردوغان عالياً، واعتبروا إنجازاته التركية نصراً للعرب والمسلمين وليس لتركيا فقط، وأخذوا يعلقون عليه الآمال ثم تراهم اليوم يدفعونه دفعاً للتدخل العسكري في سوريا فهل فكرّ هؤلاء ماذا سيحدث لتلك التجربة إذا لم تكن تلك الحرب نزهة بل حتى لو كانت نزهة فلن تكون في مصلحة نلك التجربة .
نسِيَ هؤلاء، وقبلهم نسِيَ وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو أن أحد الأسباب الرئيسية في نجاح تجربة أردوغان سياسة <صفر مشاكل> على المستوى الخارجي، ثم سياسة الوقوف إلى جانب قطاع غزة في أثناء العدوان الصهيوني عليه ثم الوقوف القوي ضدّ الحصار. فكيف يُراد لتركيا اليوم أن تتبنى سياسة مشاكل حتى مع الأصدقاء وصولاً إلى التهديد باستخدام القوّة العسكرية على الأرض السورية؟
إن الحريصين على تركيا أردوغان يجب أن يحرصوا عليه من سياسة ارتكاب الأخطاء لا سيما العسكرية منها لأن اللجوء إلى السلاح يتطلب تقديراً صحيحاً للموقف وليس الإعتماد على ما هو حق وواجب فقط فالفشل هنا يذهب بكل ما اعتُبِر حقاً وواجباً، ولا يبقى غير النتائج الوخيمة والعواقب غير المحمودة.
إن دور تركيا كما دور الجامعة العربية ليس الذهاب إلى الحرب أو التدخل الخارجي وإنما الوساطة الفعّالة والخروج بسوريا من الأسوأ وليس الدخول بها في ما هو أسوأ منه.
الجامعة العربية اليوم أصبحت في حالة الميؤوس منه، كما ظهر في طريقة معالجتها لمبادرتها، وقرار تعليق عضوية سوريا ثم في ما أصدرته من بروتوكول، وأخيراً وليس آخراً التلويح برفع القضية إلى أمين عام الأمم المتحدة (الموظف في وزارة الخارجية الأميركية.(
أما تركيا فمن المفترض ألاّ تكون قد وصلت إلى تلك الحالة بعد وهو ما يسمح بقليل جداً من التفاؤل إلى تنبيهها إلى ثلاثة أمور: الأول أن ما من رئيس عربي يُحبّ أن يرى الجيش التركي على أرض سوريا حتى لو وافق على أن تفعل ذلك، فهذه مسألة غير مقبولة في الظروف العربية والإسلامية والعالمية الراهنة، فكل شيء تغيّر عما كان عليه في القرن الخامس عشر.
الأمر الثاني: الوضع الداخلي التركي لا يحتمل حرباً قد تطول، ولا يحتمل عداوات إقليمية تخترق الخطوط الحمر الداخلية.
والأمر الثالث: على تركيا أن تحسب جيداً الحالة الأميركية-الأوروبية العاجزة والمتردّدة الراهنة، وكفى أن تُقرأ جيداً تجربة حلفاء أميركا وأوروبا الذين تُرِكوا ينهارون أمام الثورات العربية فإذا ما تورّطت تركيا فسوف يتركونها تقلع شوكها بيديها .
كاتب اسلامي فلسطيني *