كنا نعلم أن حمد بن جاسم أحد كبار اللاعبين على المسرح السوري. في بدايات الأزمة كتبنا مقالة حول الصفقات التي عقدت، وحول الاتصالات، وحول المعسكرات، وأيضاً حول الأموال التي رصدت لتقويض النظام، دون أن يعلم العرب الأجلاء أن المطلوب، توراتياً، زوال سوريا من الوجود.
العالم - مقالات
ما كتبناه آنذاك كان حديث الأوساط السورية. المعلومات استقيناها من مرجع خليجي يشغل موقعاً حساساً. الجميع كانوا يتوقعون أن يلتقوا في ساحة الأمويين، ومعهم الألعاب النارية، للاحتفال بسقوط النظام، بل وبتغييرات دراماتيكية في قواعد اللعبة في المنطقة.
حمد بن جاسم تكلم. أضاف الكثير من التفاصيل. ازددنا ذهولاً حيال الامكانات الخرافية، وأنشطة أجهزة الاستخبارات، والمشاركات الميدانية، وعمليات البيع والشراء للضباط وغيرهم. قبلاً، هل كان رياض حجاب يساوي ثمن دجاجة؟.
نستعيد ما قاله روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في دمشق، وكان تدخله مباشراً وفظاً في ادارة التظاهرات، في انتهاك عاصف للأعراف الديبلوماسية. أشار الى أن كلاً من الدول التي شاركت في الحرب ضد النظام كانت تعمل لمصالحها الخاصة، دون التوافق لا على هيكلية النظام البديل، ولا على كيفية ادارة هذا النظام.
الأقمار الصناعية التي كانت تزود الفصائل بأدق الاحداثيات للانقضاض على مواقع الجيش السوري، وصولاً الى المراكز الأكثر حساسية في البنية السياسية، والعسكرية، والأمنية، للنظام، بدا وكأنها تعمل لمن احترفوا ثقافة العباءة والخنجر.
ساسة لبنانيون كانوا على دراية بالكثير من التفاصيل. بعضهم شارك، عملانياً، في التمويل أو في التنسيق بعدما خيّل اليهم أن «القصة» ما هي الا قصة أيام، وتتحقق نظرية وليد جنبلاط (النظرية الصينية) بانتظار جثة العدو على ضفة النهر.
لهؤلاء الساسة الذين يرفضون التواصل مع دمشق، حتى في مسائل تتعلق بالوجود اللبناني، أن يعودوا الى تقارير معاهد غربية متخصصة، وتكاد تجمع على أن كميات المتفجرات التي أدخلت الى سوريا (صواريخ وقنابل) عبر الحدود التركية، والأردنية، وحتى اللبنانية، تتخطى، بمفعولها، بأضعاف ما أدت اليه القنبلة الذرية في هيروشيما.
انها الحرب، الحرب الكونية بما تعنيه الكلمة. هل النظام وحده هو الذي دمرّ، وهو وحده الذي قتل ؟ الاحصاءات التي تنشرها مراصد المعارضة تؤكد أن عدد الضحايا من أهل النظام يضاهي ضعفي عدد الضحايا من اولئك المرتزقة الذين تمت تعبئتهم ايديولوجياً لاقامة دولة في سوريا على تخوم تورا بورا.
لا نكتب محاباة أو لنغسل أيدي أياً كان. ولكن ألا يفترض بالمرجعيات السياسية، والطائفية، في لبنان أن تشعر بالهلع حين تتصور ما كان يمكن أن يحصل على الأرض السورية. بالتالي على الأرض اللبنانية، فيما لو سقطت الدولة في سوريا؟.
نعلم ما كان حديث بعض رجال السياسة عندنا، وكيف أن أحدهم كلف وضع لائحة بالمدعوين الى مائدة العشاء في القصر الجمهوري في دمشق للاحتفال بالفتح المبين.
ماذا كان حل بالسادة المدعوين لوضبطهم «الثوار» وهم يحتفون بـ «ليلة الشامبانيا» في القصر. لا نتصور أن أشلاءهم كان يمكن أن تعاد الى ديارهم.
حمد بن جاسم كان بمثابة «الصندوق الأسود» في ذلك السيناريو الرهيب. هو من كان ينثر المال، ومن يفعل ذلك يعرف كل الأسماء، وكل التفاصيل، وأي مهرجان كان بانتظار المكللين بالغار (أم بالعار؟).
لا أحد من العرب الضالعين في السيناريو كان يعلم (يا لسذاجتنا!) أن رجب طيب اردوغان، بالتنسيق مع بنيامين نتنياهو، كان يعدّ العدة لدخول الجامع الأموي على صهوة الحصان العثماني.
ماذا بعد؟ اقامة كوندومينيوم تركي ـ اسرائيلي لادارة سوريا بل لادارة المنطقة العربية. ولكن حتى السلاطين غرقوا، وضاعوا، بين الحرائق. ما بالكم بشيوخ القبائل؟.
كانت معجزة، وأي معجزة، أن تبقى الدولة في سوريا؟!.