لقد لعبت الحكومة الأمريكية دورا أساسيا في الأزمة السورية منذ بدايتها، جنبا إلى جنب مع السعودية وقطر، وقدمت الكثير من المساعدات المالية والعسكرية للجماعات الإرهابية المتشددة وقامت بتدريب أعضاء هذه الجماعات في معسكرات خاصة تسمى "غرفة الموك" تقع داخل الأراضي الأردنية، وحول هذا الصدد اقر "حمد بن جاسم آل ثاني" رئيس الوزراء القطري بشكلٍ واضح، بأن بلاده تدعم الجماعات المسلحة في سوريا عبر تركيا وبالتنسيق مع السعودية والقوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة.
على الرغم من أن السعودية والنظام الصهيوني، منذ اندلاع الأزمة في سوريا، قامتا بحث إدارة "أوباما" في ذلك الوقت، للجوء إلى العمل العسكري ضد دمشق، إلا أن التجربة التي مرت بها الإدارة الأمريكية في العمليتين العسكريتين التي قامت بها في العراق وأفغانستان، كانتا سبباً في إرسال عدداً محدود من الجنود الأمريكيين لتدريب وإدارة أعضاء تلك الجماعات الإرهابية وإرسالهم إلى سوريا.
ولكن بعد أن وصلت تهديدات تنظيم داعش الإرهابي إلى البلدان الغربية، قامت الولايات المتحدة بتشكيل تحالف دولي، لمكافحة هذا التنظيم الإرهابي، وقامت بتقديم الكثير من الدعم للقوات المحلية والأحزاب المشبوهة، مما وفر فرصة للجماعات الكردية لتحكم سيطرتها على مدينة "الرقة" السورية التي كانت في وقت سابق عاصمة لخلافة داعش الإرهابية.
الآن، لم تعد مدينة "الرقة" في ايدي تنظيم داعش الإرهابي، فلقد تلقى هذا التنظيم الإرهابي الكثير من الهزائم في سوريا والعراق وفقد الكثير من الأراضي التي كانت تحت سيطرته. ونظرا لهذه النجاحات التي حققتها القوات السورية بمساعدة قوات محور المقاومة ضد تنظيم داعش الإرهابي، فلقد أرسلت الحكومة السورية الكثير من البرقيات إلى مجلس ألامن الدولي، و طالبت فيها بخروج قوات التحالف الأمريكية من الأراضي السورية وإنهاء عملياتها العسكرية ضد هذا التنظيم الإرهابي.
والى جانب مطالب دمشق تلك، فان دول المنطقة بما فيها تركيا لا توافق على استمرار تواجد القوات الأمريكية في سوريا وذلك بسبب دعمها للحركات الانفصالية في سوريا والعراق. وحول هذا السياق يعتقد العديد من الخبراء والسياسيين أيضا بأن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، سيساعد على خلق تقارب بين الأكراد السوريين والحكومة المركزية في دمشق وسيزيد من استقرار الأوضاع في سوريا.
الآن، وفي مثل هذه الأوضاع، أقدمت الولايات المتحدة مرة أخرى، على توجيه اتهامات كاذبة لإدارة "بشار الأسد" وتحميلها المسؤولية الكاملة عن الهجمات الكيماوية التي حدثت في منطقة "خان شيخون"، وفي سياق متصل صرح وزير الخارجية الأمريكي "ريكس تيلرسون" يوم الخميس الماضي، بأن "بشار الأسد" لا يحق له أن يشارك في تحديد مستقبل سوريا. وقال "تيلرسون" يوم الجمعة "20 أكتوبر"، إن سقوط تنظيم داعش الإرهابي في مدينة "الرقة"، لا يعني أن معركتنا ضد المجموعات الإرهابية قد انتهت. وأضاف قائلاً: "إن التحالف الدولي ضد داعش سيواصل عملياته العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية والدبلوماسية وسيقدم الدعم اللازم للقوات العسكرية التي تحارب تنظيم داعش الإرهابي حتى يتم القضاء على هذا التنظيم كلياً وتحرير كافة الأراضي السورية منه.
الجدير بالذكر هنا بأن هذه المطالب تم اقتراحها أيضا من قِبل مسؤولي الكيان الصهيوني، الذين دعوا الحكومة الأمريكية إلى عدم السماح بتحول الأراضي السورية إلى قواعد إيرانية، كما أن "نيكي هالي" ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، صرحت لأكثر من مرة، قائلة بان واشنطن لن تسمح لإيران بالاستيلاء على سوريا وزعمت خلال مقابلة أجرتها مع شبكة "سي أن أن" الأمريكية، بأن الولايات المتحدة سوف تقوم بمساعدة الحكومة السورية بعد أن تقضي على تنظيم داعش الإرهابي في هذا البلد، حيث قال: "عملنا لم ينته بعد". ان هذه التصريحات تؤكد بشكل واضح، بأن أمريكا تريد البقاء في سوريا ومن جهة اُخرى لفتت"نيكي هالي" في مقابلتها هذه التي أجرتها مع شبكة "سي ان ان" الإخبارية فيما يخص استمرار الولايات المتحدة في تواجدها في الأراضي السورية، قائلة: "هذا لا يعني أننا سنقوم بالإطاحة بالرئيس الأسد، ولكننا لن نسمح بشن هجمات كيماوية اُخرى".
يبدو أن هذا النهج يتبعه أيضا الحلفاء الغربيين لأمريكا ولكن ذرائعهم للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا هي زيادة عدد اللاعبين الدوليين في محادثات السلام السورية ولكن هذه الذرائع لن تنجح أبداً. وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى تصريحات الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" التي اطلقها يوم الجمعة "20 أكتوبر / تشرين الأول" والتي أعرب فيها عن ارتياحه بسبب تحرير مدينة "الرقة" السورية من ايدي تنظيم داعش الإرهابي، ودعا إلى ضرورة مشاركة روسيا وإيران وتركيا في مفاوضات "آستانة" التي تعمل على تحديد مستقبل السلام في سوريا. واقترح "ماكرون" بان تتم عملية السلام في سوريا مع أحزاب المعارضة وحكومة دمشق والدول الدائمة العضوية في مجلس ألامن والاتحاد الأوروبي والدول الإقليمية.