مما شك فيه أن محور المقاومة الممتد من موسكو إلى بيروت مروراً ببغداد و دمشق قد انتصر؛ على الأقل في المواجهات العسكرية الكبرى، و في إنهاء دور تنظيم داعش، و لن تخاض بعد اليوم – كما يرى أكثر المراقبين- حروباً كبرى شبيهة بما كان يجري خلال السنوات السبع الماضية منذ بدء المؤامرة على سوريا في آذار/ مارس 2011.
صحيح، لن ينتهي الخطر الإرهابي، وصحيح أيضاً أنه سيتحول إلى قنابل متفجرة، ومتنقلة لإرهاب المنتصرين، على شاكلة ما يجري من تفجيرات في دمشق وبغداد، و ربما غدا في بيروت وموسكو، وصحيح أنه سيتبدل كخطر إرهابي ديني؛ بخطر آخر (عرقي و إنفصالي: قضية كردستان).
كل هذا صحيح، لكنه لن يغير من النتيجة التي انتهت إليها المؤامرة على سوريا، و هي انتصار محور المقاومة استراتيجياً، و هو الانتصار الذي سيواجه بتحديات جديدة مهمة، نراها غائبة عن الفاعلين الكبار في محور المقاومة، ونرى أهمية الالتفات الجدي لها، والتي يمكننا أن نمحورها في تحديات عشرة على النحو التالي:
1- إعادة توجيه البوصلة والطاقات ناحية العدو الاستراتيجي للأمة (العدو الصهيوني).
2- محاصرة وإنهاء ما تبقي من جيوب داعش و أخواتها في سوريا والعراق (وإن أمكن في مصر). وهذا يحتاج إلى تنسيق أمني وسياسي جديد بين أركان حلف المقاومة.
3- العمل في ذات الوقت على إعادة إعمار ما هدمه الإرهاب الداعشي من عمارة للبشر ونفوسهم وجروحهم و"للحجر"؛ وهي معركتنا طويلة الأمد متعددة المستويات، التي تحتاج إلى جهاد أقوى من الجهاد المسلح.
4- مواصلة تجفيف المنابع الفكرية والعقائدية للإرهاب الداعشي وخاصة في البيئات السلفية والقبلية الحاضنة، سواء في لبنان، أو سوريا، أو العراق، (وأيضاً سيناء المصرية).
5- استخدام سلاح الإعلام لإعادة التفرقة الواضحة بين (الإرهاب) و"المقاومة"، خاصة على المستوى العالمي، الذي يلصق الآن بالمقاومة، و خاصة حزب الله، كل الصفات الإرهابية التي لا تخص سوى تلك التنظيمات الداعشية التي صنعها الغرب ذاته والتى قاتلها وانتصر عليها حزب الله ومن يتحلف معه داخل محور المقاومة ..هنا لابد أن يسأل (الإعلام) المقاوم وأن يسلط الضوء بقوة على أنه كيف يستقيم عقلاً أن يتساوى صانع الارهاب بالذى يقاتله وينتصر عليه؟؟
6- إعادة الاعتبار للإسلام الذي شُوه، وقُدم باعتباره دين الإرهاب الداعشي، و هي أيضاً معركة طويلة ومعقدة، يلعب الإعلام والعلاقات الدولية، على مستوى منظمات المجتمع المدني، دوراً فيها، و في هذا السياق؛ من المهم، الانفتاح على الجاليات المسلمة؛ في أوروبا و العالم، واستثمار طاقاتها المجتمعية في الاتجاه الصحيح، لتصحيح صورة الإسلام و المسلمين في الغرب، مع إعادة الاعتبار، لصورة المقاومة، المشروعة، ضد الاحتلال الإسرائيلي.
7- التواصل بحذر ووعي مع ملف المصالحة الفلسطينية، والعمل على جعله قائماً على أساس المقاومة وليس اتفاقات أوسلو؛ و خياراتها البائسة، وفي الوقت نفسه؛ التواصل مع عرب 1948، الصامدين في فلسطين، وتقويه صمودهم، اقتصادياً وتعليمياً واجتماعياً، وعدم تركهم وحدهم أمام آلة التهويد الجبارة.
8- رفض التطبيع الثقافي والسياسي والاقتصادي والديني، مع العدو الصهيوني، وفق استراتيجية واضحة تستفيد من تراكم الخبرة المصرية والأردنية وغيرها من البلدان التى ابتليت باتفاقات هذا التطبيع. خاصةً في المرحلة المقبلة، التي يتردد فيها الحديث عما يسمى بـ "صفقة القرن"، الاسم السري لتصفية القضية الفلسطينية، و التي أحد أخطر بنودها؛ التطبيع العربى الشامل مع العدو الصهيوني.
9- المساهمة في توحيد صفوف القوى والفصائل الفلسطينية، داخل وخارج فلسطين، لكن على أساس خيار المقاومة، و هذا ملف مهم للغاية، يحتاج إلى تفاعل وتنسيق استراتيجي مع الفصائل المقاومة الـ 13 وإلى برنامج عمل مشترك بينهم.
10- التصدي بقوة وعلم وإعلام، للفتاوى التكفيرية الوهابية، التي حرفت البوصلة القومية و الإسلامية، خلال السنوات السبع الماضية بعيداً عن فلسطين، وهي – أي هذه الفتاوى- أشد خطراً من المدفع لأنها تساهم في صناعة آلاف المدافع والانتحاريين، وتلك مهمة المؤسسات الدينية الرشيدة (الأزهر-النجف-قم-الزيتونة وغيرها) والإعلامية على اختلافها وتنوعها.
خلاصة القول، إذاً...إن المعركة .. طويلة، وممتدة، وآليات ووسائل المقاومة والمواجهة للمخططات الغربية، أمام محور المقاومة متنوعة، فقط يحتاج الأمر إلى وقفة تأمل؛ وإرادة عمل، وعمق رؤية للواقع والمستقبل.
إن (محور المقاومة) انتصر، هذه حقيقة استراتيجية، أَقر بها حتى العدو الصهيوني (تصريحات وزير الدفاع الصهيوني قبل أيام تؤكد ذلك)، لكن مرحلة ما بعد الانتصار، وتساؤلاتها كمرحلة انتقالية كُبرى، هي الأهم والأخطر وهو ما ينبغي أن يلتفت إليها ويعمل لها محور المقاومة ومن ينتسب إليه من حركات، وإعلام ومفكرين. وفى ذلك فليتنافس المتنافسون.
و الله أعلم.
رفعت سيد أحمد