نتنياهو يفعل أموراً جيدة. فزيارة رئيس الحكومة إلى الهند كانت ناجحة جداً، والزيارات المتلاحقة إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية هي زيارات مهمة وقيِّمة. إلا أن مجابهة الهيمنة الإيرانية هو حجر الزاوية في سياسة نتنياهو، وبالذات هو قد فشل فيها. ففي عمر الـ 68، وبعد أربع ولايات قضاها في رئاسة الحكومة، فإن نتنياهو قد أثبت منذ زمن طويل أنه ليس "سيد أمن". وفي السياق الإيراني، وضع إسرائيل اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه الحال في الوقت الذي استلم فيه نتنياهو الحكم عام 2009. ووضع إيران، في مقابل ذلك، أفضل بما لا يقاس.
"ليس هناك تسونامي سياسي، وليست هناك عزلة سياسية"، قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من على منصة الكنيست، وأضاف: "هناك نهضة سياسية". إلا أن هذا التصريح غير مدعوم في الواقع. والحقيقة البسيطة هي أن نتنياهو قد فشل في تحقيق هدفه الأسمى – ألا وهو مجابهة إيران – فشلاً ذريعاً. وقد بدأ هذا الأمر بفشله في إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. فبعد انتخاب دونالد ترامب بث نتنياهو في أوساط المحيطين به أنه سينجح في إقناع الرئيس الجديد بـ "تمزيق الاتفاق إرباً إرباً". إلا أن ذلك لم يحدث. فقد أغلق خطاب ترامب الفرصة الأخيرة أمام هذا الاحتمال. كما أن نتنياهو غيّر، دون أن يكون لديه أي خيار، الشعار المحبب عليه Fix it or nix it (عدلوه أو الغوه)، غيّره بقول آخر ضبابي جداً عن ضرورة الإشراف الصارم جداً على تنفيذ الاتفاق.
ويبدو أن هذا الأمر لن يحدث. فالاتحاد الأوروبي قد أعلن منذ فترة أنه سيمنع أية محاولة لنسف الاتفاق أو المس به. والدولة التي تقود هذا النهج هي ألمانيا بالذات، صديقتنا الأكثر قرباً لنا في الاتحاد، والتي تجاهلت برسمية باردة كل محاولات نتنياهو تغيير نهجها هذا. والصين أيضاً، وهي واحدة من الدول الأخرى التي تفاخر نتنياهو بعلاقاته معها، تفعل كل ما في وسعها من أجل المحافظة على الاتفاق النووي. والصين اليوم هي الشريك التجاري الأكبر لإيران، وحجم العلاقات الاقتصادية بينهما في ازدياد مضطرد. وقسم كبير من "طريق الحرير الجديد" الصيني يعتمد على العلاقة مع طهران، بما في ذلك السكك الحديدية التي ستمر عبر إيران باتجاه أوروبا.
أما الفشل الثاني، الراهن أكثر، في سياسة نتياهو فهو فشله في محاولة منع تعزيز التواجد الإيراني في سوريا. فعلى المستوى الإستراتيجي، إسرائيل تفاجأت. فهي لم تستعد لبروز المحور الروسي – الإيراني – السوري، وحتى أنها لم تتوقع الانسحاب الأمريكي الكامل من تدخلها في المنطقة. ونتنياهو، الذي تفاخر دائماً بقدرته على أن يكون "الأول في تمييز الأمور"، كان هذه المرة الأخير في الرد (عليها). وعندما بدأ في محاولته لتخيف الأضرار، كان ذلك أقل من اللازم، ومتأخراً أكثر من اللازم.
وعلى الرغم من رحلاته المتكررة للقاء فلاديمير بوتين في موسكو وفي سوتشي، وعلى الرغم من القرب المعلن من إدارة ترامب، فإن الروس والأمريكيين لم يكترثوا باحتجاجات رئيس الحكومة في لحظة الحقيقة. فوزير الدفاع الأمريكي، الجنرال جيمس ماتيس، قد أعلن بنفسه أنه لا توجد للولايات المتحدة الأمريكية سياسة مناهضة لإيران في سوريا. كما أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد قال: "إن التواجد الإيراني في سوريا شرعي"، وهو بذلك قد وصف المباحثات مع إسرائيل حول الموضوع بأنها "مشاورات غير رسمية". وقد اكتملت الخطوة الروسية عندما دعا بوتين إليه، إلى سوتشي، بداية [الرئيس] بشار الأسد، وبعد ذلك روحاني واردوغان، واستكمل أمامهما الخطة التي ستمكن الإيرانيين في المستقبل من الاحتفاظ بتواجد عسكري دائم في سوريا إلى الجنوب من دمشق.
وعندما لا تكون هناك سياسة فإن كل ما يتبقى هو التهديد. فإسرائيل تهدد منذ شهور طويلة باستخدام القوة العسكرية ضد الإيرانيين في سوريا، بدون أن توضح ما هي هذه القوة، وفي أية ظروف. إن وضع الخطوط الحمراء هو أمر هام، ولكن إذا كان الجميع يدركون أين تمر هذه الخطوط، وفقط إذا كنتَ مقتنعاً أنك ستتصرف إذا ما قام أحدهم بتجاوزها. وإذا ما استمر الإيرانيون بتعزيز تواجدهم في سوريا ولم ترد إسرائيل على ذلك فإن الضرر الذي سيلحق بقدرتنا على الردع سيكون بليغاً.
في الظروف العادية، كل عمل ضد تعزيز التواجد الإيراني في سوريا كان يجب أن يبدأ في واشنطن. وفي حالات مشابهة في السابق كانت إسرائيل تعرف كيف تجند الأمريكيين عن طريق الدبلوماسية الذكية، وبخاصة عبر يهود الولايات المتحدة الأمريكية. فقد كان اليهود دائماً وأبداً الأداة الأنجع للحكومات الإسرائيلية أمام مختلف الإدارات الأمريكية. وفي كل ما يتعلق بالأمن القومي هم يشكلون ذخراً لا مثيل له. أما هذه المرة فلم يحرك اليهود الأمريكيون ساكناً. ومن الصعب أن نقول هنا إنهم لم يحذرونا. فإلغاء خطة حائط المبكى وقوانين التهويد دفعهم إلى قطع الصلة بنتنياهو. وهم سبق وأن قالوا له مراراً وتكراراً "لن يكون بوسعك الاستمرار في إهانتنا وتأتي بعد ذلك لتطالبنا بتقديم العون لك". إلا أن هذا الأمر لم يساعد وذلك لأن التحالف مع ليتسمان وغيفني أهم بكثير بالنسبة لنتنياهو، إلا أننا الآن ندفع الثمن مقابل الأمريكيين.
أما العنوان الثاني للمواجهة التي يخوضها نتنياهو ضد تعزيز التواجد الإيراني في سوريا فهو دول المحور السني. إذ يقود ولي العهد السعودي خطاً عدائياً ضد إيران، وترى إسرائيل فيه شريكاً محتملاً. والمشكلة تكمن في أن هذه الشراكة أحادية الاتجاه. فابن سلمان مستعد، بكل سرور، للحصول على العون الاستخباراتي من إسرائيل، ولكن "بالمجان"، أي بدون أن يعترف بأنه يحصل عليه. والثمن السعودي للتعاون المعلن كان ولا يزال تحقيق تقدم، حتى لو كان محدوداً، على الصعيد الفلسطيني. وليس بوسع نتنياهو أن يقدم هذه البضاعة. ومرة أخرى نجد أن السياسة الداخلية الإسرائيلية تهزم احتياجات الأمن القومي.
إن ما يتوجب على إسرائيل فعله قبل كل شيء هو أن توضح من ناحيتها أنه إذا كان [الرئيس] الأسد هو صاحب السيادة على الأرض فعندها تقع مسؤولية منع تعزيز التواجد الإيراني على عاتقه. وهذا الأمر يخلق رافعة ضغط على الروس، المعنيين باستقرار [الدولة السورية] نظام الأسد. وطالما أن الأخير يمنع الإيرانيين من إقامة قاعدة بحرية وقاعدة جوية، فإن علينا أن نوضح له إن هذا هو الطريق الصواب. وعلينا أن نضع لأنفسنا، كهدف إستراتيجي، إعادة التدخل الأمريكي، وأكثر من ذلك، إعادة السياسة الأمريكية التي كانت متشددة لكبح الهيمنة الإيرانية. وعلينا أن نوضح للروس، المعنيين باستقرار سوريا حتى يستطيعوا إخراج قواتهم منها، أن إسرائيل لن تسمح لسوريا بأن تكون مستقرة طالما يوجد على أرضها جنود إيرانيون.
وعلى المدى الأبعد، لا تستطيع إسرائيل الاستمرار في أدائها بدون خدمة (وزارة) خارجية قوية وفعالة. ووزارة الخارجية تعاني في هذه الأيام من ضائقة حقيقية. ويقولون في الوزارة إن عدم القدرة على تمييز الخطوات الإستراتيجية إنما هو نتيجة مباشرة لتآكل الأدوات المهنية. ولأسباب أيديولوجية صغيرة جداً تم توزيع صلاحيات وزارة الخارجية على ستة وزراء مختلفين حيث لا يعرف أي منهم ما يفعله الباقون. كما أن مهمة الإعلام الإسرائيلية جرى توزيعها بين خمسة وزراء. ونتيجة ذلك هي الفوضى المطلقة. ليست هناك سياسة، وليست هناك إدارة، ولا يوجد تفكير إستراتيجي منظم.
كما أن نتنياهو يفعل أموراً جيدة. فزيارة رئيس الحكومة إلى الهند كانت ناجحة جداً، والزيارات المتلاحقة إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية هي زيارات مهمة وقيِّمة. إلا أن مجابهة الهيمنة الإيرانية هو حجر الزاوية في سياسة نتنياهو، وبالذات هو قد فشل فيها. ففي عمر الـ 68، وبعد أربع ولايات قضاها في رئاسة الحكومة، فإن نتنياهو قد أثبت منذ زمن طويل أنه ليس "سيد أمن". وفي السياق الإيراني، وضع إسرائيل اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه الحال في الوقت الذي استلم فيه نتنياهو الحكم عام 2009. ووضع إيران، في مقابل ذلك، أفضل بما لا يقاس.