معنى الرفض شيخ الأزهري وبابا الكنَسي لقاء نائب ترامب

قيم هذا المقال
(0 صوت)
معنى الرفض شيخ الأزهري وبابا الكنَسي لقاء نائب ترامب

الأزهر الشريف يعلن على لسان الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور "أحمد الطيب" عن رفضه استقبال "مايك بنس" نائب الرئيس الأميركي، والكنيسة المصرية الأرثوذكسية تعلن بدورها على لسان البابا "تواضروس الثاني"، بطريرك الأسكندرية ورئيس الكرازة المرقسية، رفضها المُماثل لمقابلة "بنس"، رداً على إعلان الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" اعتبار القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني.

أعلن الأزهر الشريف على لسان الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور "أحمد الطيب" عن رفضه استقبال "مايك بنس" نائب الرئيس الأميركي، خاصة وأنه كان قد تم تحديد موعد اللقاء خلال زيارة "بنس" إلى القاهرة ضمن بلاد أخرى منها فلسطين المحتلة في آخر شهر كانون الأول _ديسمبر 2017، وجاء رفض الأزهر للمقابلة رداً على إعلان الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" باعتبار القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل سفارة أميركا إلى القدس المحتلة، وفي نفس السياق أعلنت الكنيسة المصرية الأرثوذكسية على لسان البابا "تواضروس الثاني"، بطريرك الأسكندرية ورئيس الكرازة المرقسية، رفضها المُماثل لمقابلة "بنس".

هذا الرفض يتّفق تماماً مع الرفض الشعبي المصري بل والإسلامي بأسره، ليس لقرار ترامب فقط، ولكنه رفض عام للكيان الصهيوني بأسره، ويكفي أن السلام بين مصر وإسرائيل لم يتطرّق أبداً للضمير الشعبي في مصر، وظلّ سلاماً باهِتاً على المستوى السياسي حتى اليوم، من دون الوصول إلى ضمير الشعب المصري، كما أن الرفض الأزهر/الكنسي يتّفق مع الرؤية الإسلامية، ومع الرؤية الأرثوذكسية تماماً (كلمة أرثوذكسي تعني الصحيح أو المستقيم)، فالأزهر يمثل العالم الإسلامي السنّي المُعتدل، يرفض الوهّابية وينكر السلفية، والمفترض أنه يحمل على عاتقه التقريب بين المدارس الإسلامية المختلفة، وذلك منذ تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية عام 1946، وهو يتّفق مع الرؤية الشيعية الجعفرية، وجميعها ترى أن الصهيونية خطر على الجنس البشري، وأن الصهيونية تتحالف مع الاستعمار العالمي والاستكبار الدولي ضد المسلمين، ونحن هنا لا نتحدّث برؤية أيديولوجية، فلا نتطرّق إلى رؤية عودة وظهور أو ميلاد الإمام المهدي ليحارب اليهود، ولكننا نكتفي بالنهج السياسي المتمثل في رؤية الأزهر السياسية، وإن كانت الرؤية السياسية مختلطة بالرؤى الدينية، وقد قمنا بتأليف كتاب "الأزهر الشريف والحوزة النجفية ... النشأة والتاريخ والتواصل"، وفيه كتبنا عن بعض التماثل بين الرؤيتين السياسية والدينية بين الحوزتين الإسلاميتين الكبيرتين تجاه الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، ومن هنا جاء قرار شيخ الأزهر بعدم لقاء نائب الرئيس الأميركي متفقاً مع الضمير الشعبي الديني، والوجدان السياسي الإسلامي عموماً، ولقد ظل الكيان الصهيوني يعتبر الأزهر وشيوخه جميعاً ضمن أعداء السامية، ولا ننسى عندما قابل شيخ الأزهر السابق الدكتور محمّد سيّد طنطاوي الحاخام الصهيوني مايكل مليكور عام 1998، وهاجمه الجميع إعلامياً، ولكن الإعلام الصهيوني قال إن شيخ الأزهر سيّد طنطاوي معادٍ للسامية، فلم تنسَ له أنه خصّص رسالته للدكتوراة في عام 1969، لكشف ما يمكن تسميته جذور العنف في التاريخ اليهودى، منذ دخولهم مصر، وخروجهم منها وتأسيس دولتهم، بعد أن أبادوا شعوباً بكاملها في سبيل ذلك، خلاصة القول جاء رفض الأزهر لمقابلة "بنس" صدمة لصانع القرار الأميركي؟.، وهو ما يهدّد زيارة نائب ترامب إلى المنطقة أو إلى مصر على وجه التحديد..

وعلى الجانب الديني الآخر، نجد الكنيسة المصرية الأرثوذكسية تتّخذ نفس القرار الوطني الأزهري، وهو رفض ممتد منذ أن منع البابا السابق "شنودة الثالث" سفر المصريين الأقباط لزيارة القدس المحتلة، طالما ظل الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وقال نصاً "لن نذهب للقدس ونزور كنيسة القيامة وبيت لحم حيث كنيسة المهد، إلا وأيدينا بأيدي إخواننا المسلمين"، هذا القرار البابوي هو اللحمة المصرية للوحدة الوطنية في مصر، والتي أرادت الصهيونية الأميركية بثّ الفرقة بين أبناء الشعب المصري بحجّة عدم حصول الأقلية القبطية على كامل حقوقها، وهو ملف كان سيثيره "مايك بنس"، أثناء زيارته إلى مصر، وأثناء مقابلته لشيخ الأزهر وبابا الكنيسة والقيادة السياسية على السواء.

ويسير البابا تواضروس الثاني على نفس المنهج والرؤية، مع العلم أن الكنيسة المصرية تُعتبر أقدم كنائس العالم بأسره، فلم تبرّئ بني إسرائيل من دم المسيح كما روّجت الكنيسة الكاثوليكية، ونجد في حديث "الأنبا رافائيل" سكرتير المجمع المقدّس وأسقف وسط القاهرة، رؤية الكنيسة المصرية بأسرها، فقد قال "إن نبوءات بناء هيكل سليمان بالقدس فكر صهيوني تم تسريبه لبعض الكنائس، وإن إسرائيل خرّبت وانتهت وفق نبوءات المسيح ولن تقوم، وأن الإسرائيليين يكرهون الأقباط، والإسرائيليون قالوا "دمه علينا وعلى أولادنا"، وهي ليست عبارة بسيطة، فحتى اليوم نرى نتيجة فعلتهم، فهم شعب بلا وطن، ففي عام 70 ميلاده بعد صلب المسيح بـ37 سنة، تنبّأ المسيح بأن أورشاليم ستخرب، ثم جاء قائد روماني إسمه "تيطس" هجم على أورشاليم ودمّرها تماماً، وحرق الهيكل وقتل اليهود المتواجدين وقتئذ، ومنذ هذه الساعة لم تقم قائمة لليهود حتى الآن من الناحية الروحية، فلن يعرفوا أن يبنوا الهيكل، ولن يستمروا في أرض فلسطين، هذه هي رؤية الكنيسة المصرية لبني إسرائيل، تحترم اليهودية، وتكره وتهاجم الصهيونية، مثل المسلمين، الإسلام يعتبر اليهود أهل كتاب، ولكنه ينكر العنصرية الصهيونية، وينكر احتلالهم لأرض فلسطين، وهو ما ألهب الضمير الشعبي الإسلامي والمسيحي المصري، وهو ما فهمناه من الهبّة الأزهرية/الكنسية، وهو ما نقدّره عند الشباب الثائِر في أرض فلسطين في انتفاضته الرابعة، التي ستنتصر بإذن الله، لأن الحق دائماً ما ينتصر، ولو بعد حين.

علي أبو الخير

قراءة 1306 مرة