شهد الميدان العراقي خلال الفترة من أواخر الشهر الماضي، وحتى الآن فعاليات الفصل الأخير من فصول الحرب في مواقع تمركز وسيطرة تنظيم داعش، حيث استكملت خلال هذه الفترة الجزء الأول من المرحلة الثانية لعمليات تحرير الجزيرة والبادية، بتحرير وتطهير نحو 175 قرية في النطاق الصحراوي للجزيرة جنوبي قضاء الحضر وشمالي مدينة راوه، بمساحة تبلغ 14 الف كيلو متر مربع. ثم أطلقت الجزء الثاني من هذه المرحلة بهدف تأمين السيطرة على ما تبقى من قرى في الظهير الصحراوي جنوبي قضائي الحضر والبعاج غربي الموصل.
كان تقدّم القوات المشتركة في هذه المرحلة الأسرع مقارنة بعمليات راوه والقائم ومن قبلها عمليات الحويجة، حيث تقدمت وحدات الفرقة السابعة وفرقة المشاة الميكانيكية الثامنة والفرقة المدرعة التاسعة، بجانب وحدات من قيادة عمليات الجزيرة تعاونها قوات الحشد الشعبي، وتمكنّت خلال أيام قليلة من تحرير 90 قرية جنوبي البعاج وفي عمق الصحراء المحاذية للحدود مع سوريا بمساحة تبلغ 16 الف كيلومتر مربع، منها قرى الخرفان وأم قصب وأطماخيان ودحم وخشم ذبيان وتلول المعيني وذياب وشمر جربة وأصفيان والصخريات والمثاوبة وتل الريم وأبهيري و تل الضبع وأبو راسين وزوبع والدويم ومويخة والصالحية والمشرح والصخريات ونملة والنيلية والراوي والرسالة والمالحات ورجم العيار.
خلال هذه المرحلة، كان التركيز منصبّاً على خط الحدود بصفة أساسية، وحققت القوات الإنجاز الأهم بتحرير ست نقاط حدودية بجانب الشريط الحدودي المتبقي خارج السيطرة والبالغ طوله 55كم، والتقاء الوحدات المتقدمة من جنوبي معبر تل صفوك الحدودي غربي الموصل بالوحدات المتحركة شمالي قضاء القائم، ما جعل الحدود المشتركة والمخافر الحدودية والمعابر مع سوريا محررة بالكامل بطول يبلغ 240كم. وشرعت قوات الحشد الشعبي في تأمين هذا الخط الحدودي، وإنشاء نقاط للمراقبة عليه بالتعاون مع حرس الحدود العراقي، خاصة في المنطقة الواقعة في محيط معبر تل صفوك الحدودي غربي الموصل، الذي تعرّض لهجمات بالصواريخ المضادة للدروع خلال الأيام الماضية من الجانب الأخر من الحدود. بهذه النتيجة لم يعد متبقي لتنظيم داعش في العراق سوى قطاع صحراوي محاصر، يقع في المنطقة جنوبي قضاء الحضر وجنوب شرق قضاء البعاج، وهي منطقة باتت معزولة تماماً عن أي أمداد بعد السيطرة الكاملة على خط الحدود مع سوريا، ولن تستغرق عمليات تطهيرها وقتاً طويلاً.
على الرغم من هذا النجاح الميداني الكبير، لم تتوقف عمليات القوات المشتركة ضد المناطق التي تتواجد فيها خلايا داعش، حيث أطلقت قوات عمليات سامراء وصلاح الدين ودجلة، تعاونها قوات الحشد الشعبي، عمليات تطهير وتأمين في منطقتي مطيبيجة والحاوي الواقعتان شرقي سامراء، هذه المنطقة على الرغم من تطهيرها أبّان العمليات الهجومية شرقي قضاء الحويجة، إلاّ أنه لوحظ نشاط محدود لعناصر داعش فيها، وتنفيذهم عملية هجومية استهدفت نقطة تفتيش بمدخل قرية سموم الواقعة جنوبي تكريت وشمال سامراء، وعملية أخرى فردية في خربة عزيز بقضاء الحويجة، وعملية ثالثة استهدفت فيها سيارة مفخخة منطقة شارع الأطباء بتكريت، لذلك أطلقت القوات هذه العملية الخاطفة التي نتج عنها تطهير 24 قرية من الأنفاق والمواقع التي يتواجد فيها عناصر داعش، منها قرى الرمل وأحمد الجاسم والبوطلحة والحدادية وفرحان عايد وأم العصاري ومهاوش والماضي وداوود سلمان والشهرية وسلمان فاضل وعكلة والخربة الجديدة والعطشانة وجديده والبوطريمش والبورياش والعيف وشيخ احمد وشالخ عيد ويرغي وكرحة خناجير وكرحة غازان وخوايشجة.
أطلقت القوات العسكرية والأمنية أيضاً خلال هذه الفترة، عدة عمليات أمنية تستهدف تأمين وتطهير المناطق التي ربما يكون لتنظيم داعش خلايا بها، منها عمليات في بغداد شملت مناطق أبو غريب والطارمية والبتاويين، وهي عملية هامة جداً تأتي بعد هجوم دامٍ شنه انتحاريين أثنين ينتميان لتنظيم داعش على شارع الشمري الواقع بناحية النهراون التابعة لقضاء المدائن. كذلك تم تنفيذ عمليات تطهير ماثلة في قضاء الدبس وناحية الرشاد في كركوك، واعتقالات في حيّ الميثاق شرقي الموصل، وعملية مستمرة حتى الأن في طوزخرماتو بكركوك لمواجهة عمليات القصف بالهاون التي تنفذها مجموعات انفصالية وأخرى تابعة لداعش انطلاقاً من تلال حمرين ومناطق أخرى.
بالإضافة إلى تحدي "الذئاب المنفردة" الذي تواجهه القوات المشتركة، تواجه هذه القوات تحدي آخر يتعلق بالوضع في كركوك، عمليات القصف المدفعي الذي تشنه مجموعات انفصالية على مواقع الجيش، والهجمات التي طالت عدة مواقع عسكرية منها مقر لجهاز مكافحة الإرهاب، وكذا الوضع السياسي والميداني الحالي في السليمانية، التي تشهد احتجاجات شعبية واسعة، ربما تضغط على الجيش العراقي للدفع ببعض من وحدات شمالاً للسيطرة على الوضع المتدهور، وربما تكون قوات الفرقة 20 المتواجدة في عدة مناطق بكركوك هي القوات الأمثل لهذه المهمة إن اقتضت الضرورة.
محمد منصور