القدس والرجعية العربية والاستكبار العالمي في عيد النصر

قيم هذا المقال
(0 صوت)
القدس والرجعية العربية والاستكبار العالمي في عيد النصر

يأتي الأمل في ساعات اليأس، ويكون الضوء في آخر النفق، فلا يتسرّب الشكّ في القلوب، ولكن من المؤكّد أن الانتصار على الصهيونية، يبدأ بوحدة الصف الإسلامي أولاً، وإبعاد المنافقين من حكّام الرجعية العربية، وتلك هي المعركة الكبرى، أو بالمعنى الحقيقي أن تستلم الشعوب قضية القدس، حتى لو سقط شهداء في معارك الشرف، ونختم بمقولة الإمام علي بن أبي طالب: "الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين"، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلّي العظيم..

تحتفل مصر في  يوم 23 كانون أول/ديسمبر من كل عام بعيد النصر، وهو اليوم الذي انتصرت فيه الإرادة المصرية الشعبية الثورية في العام 1956، عندما انهزم العدوان الثلاثي المكوّن من بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني، ومن ثم انتصرت الإرادة المصرية في مدينة بورسعيد مدينة الأبطال، ومعها مدينتا السويس والإسماعيلية، حيث وقف العرب والمسلمون وكل أحرار العالم مع مصر ضد العدوان الثلاثي، الذي كان موجّهاً ضد الموجة الثورية التي تشهدها المنطقة العربية بأسرها، حيث وقفت قيادات دول الرجعية العربية مع دول العدوان ضد مصر وضد الرئيس جمال عبد الناصر، كان هؤلاء القادة مع المُعتدين دوماً وحتى اليوم، ولكن الشعوب بأسرها كانت مع الثورة من أجل فلسطين ومصر، وها هو الزمن يعود لتتشابه فصوله، ربما بكل أبعاده المأساوية منها والظافرة أيضاً .

يأتي الاحتفال بعيد النصر المصري هذا العام الذي يوشك على الانصرام 2017، وقد عادت قضية فلسطين وقضية القدس إلى الساحة العالمية، قام ترامب بقراره الهزلي الطائِش بالاعتراف بالعاصمة المُقدّسة عاصمة موحّدة للكيان الصهيوني الغاصِب، وتدخّل في تفاصيل التاريخ الصهيوني والإسلامي، وزعم أن أورشليم هي عاصمة العدوان منذ قبل الميلاد، وهو زيف من القول لم ينطل على أحد، وهنا تتشابه فصول ما حدث عند العدوان الثلاثي، فالاستكبار العالمي يريد تنفيذ ما يُقال عنها صفقة القرن، والتي بدأت تظهر بوادرها، بقرار الرئيس الأميركي، ووقفت ساحات الرجعيات العربية مع العدوان الأميركي، وقام وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان بالضغط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن من أجل تمرير القرار الأميركي على الداخل الفلسطيني، وهو ما رفضه أبو مازن، وظهرت قيادات المقاومة سواء في حماس أو الجهاد الفلسطيني بجانب رئيس السلطة، ومعهم المقاومة اللبنانية، وبدأت بذور الثورة تنبت من جديد، وبدأت ملامح المقاومة الشعبية في الداخل الفلسطيني، وقد تشهد الأيام القادمة قيام المقاومة بدورها المقاوِم، والملاحظ هنا أن كل أحرار العالم وقفوا بجانب قضية القدس، تحدّوا 14 عضواً في مجلس الأمن الدولي عندما وافقوا على القرار الذي قدّمته مصر للمجلس ضد القرار الأميركي، كما قام أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بجلد الكيان الأميركي الغاصِب، عندما أجمعت 128 دولة ضد أميركا وإسرائيل ومعها 7 دويلات صغيرة.

ولكن الرجعية العربية هي الخنجر الخفيّ وسبب كل المآسي و الصراعات المذهبية من دون رادع من دين أو عروبة، فقد ساعدت صدّام حسين بالمليارات من الدولارات أثناء حربه ضد إيران، ثم حاربته عندما احتل الكويت، ثم عادت ودافعت عنه واعتبره شيوخ الوهّابية شهيداً للإسلام، رغم فتوى ابن باز التي تكّر صدّام حتى لو ادّعى الإسلام، تماماً مثلما فعلت مع علي عبد الله صالح، وما فعلته قبل كل ذلك عندما ساعدت الاستعمار العالمي على هدم الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961، وحرّضت الرئيس الأميركي جونسون على ضرب مصر وعبد الناصر عام 1967، كما قامت بمحاربة كل القوى الثورية ربما في كل دول العالم، من أفغانستان إلى أقصى المغرب الغربي وغرب أفريقيا،.

على أن حديثنا لا يقتصر على ذلك فقط، فقضية مدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى تطفو على سطح الأحداث بعد أن قام الاستعمار الأميركي العالمي بتحدّي الإرادة العربية والإسلامية والدولية والاعتراف بالقدس الشريف الموحّدة عاصمة للكيان الغاصب، رفضه العالم، وأيّده فعلاً وعملاً وسلوكاً قادة الدول الرجعية، فالوفد البحريني يزور الكيان الصهيوني، وتتحالف الوهّابية مع الصهيونية، وكأن مأساة سقوط الأندلس تعود من جديد..

على أننا نرى أن عيد النصر المصري يتواكب مع أيام القدس هذا العام وتتشابه أحداثه، بعد أن وقف العالم بأسره ضد الطغيان الأميركي الخادم للصهيونية، مثلما وقف أحرار العالم ضد العدوان الثلاثي عام 1956.

ولعلّ من فوائد القرار الأميركي أنه وحّد المسلمين، لأن المسلمين يختلفون على كل شيء، ما عدا قضية القدس، الشيعة والسنّة، الإباضية والظاهرية، الأشاعرة والمعتزلة، كل المسلمين يختلفون كثيراً، ولكنهم يتوحّدون عند الحديث عن مدينة القدس، وكل دولة فلسطين، ونحن نتكلّم عن شعوب المسلمين، وليس عن قادتهم، خاصة إذا كانت القيادات من رؤى الرجعية، أو اليمين الديني السلفي المتحالف دوماً مع الاستعمار العالمي، وذلك حتماً يقودنا إلى الحديث عن الإسلام الثوري المقاوِم، وهو الأمل في وحدة الأمّة، والذي يجب أن نستثمره في هذا الوقت بالذات.

ولعلّ من المواقف الشريفة لقضية القدس، هو موقف ورؤية الإمام روح الله الخميني منذ العام 1979 وبعد نجاح الثورة الإسلامية بستة أشهر لا غير، حيث رأى أن القدس تجمع المسلمين، ومن ثم رأى تخصيص يوم عالمي للقدس، يكون يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، وهي أريحيّة معروفة، فيوم الجمعة هو العيد الأسبوعي للمسلمين، والجمعة الأخيرة في شهر رمضان هي الجمعة اليتيمة والتي تشكّل أحد الأيام التي فيها ليلة القدر، فرأى الإمام استثمار عوامل الوحدة للالتفاف حول فلسطين، ومازال يوم القدس العالمي يتم الاحتفال به في آخر جمعة حزينة من كل عام، حيث يتوافد الآلاف من كل المذاهب الإسلامية، ومن أحرار العالم، حتى لا ينسى المسلمون القدس، التي كانت على وشك الانحسار لولا قرار ترامب الصهيوني، وهي كما قلنا من فوائد القرار الطائش.

على كل حال، يأتي الأمل في ساعات اليأس، ويكون الضوء في آخر النفق، فلا يتسرّب الشكّ في القلوب، ولكن من المؤكّد أن الانتصار على الصهيونية، يبدأ بوحدة الصف الإسلامي أولاً، وإبعاد المنافقين من حكّام الرجعية العربية، وتلك هي المعركة الكبرى، أو بالمعنى الحقيقي أن تستلم الشعوب قضية القدس، حتى لو سقط شهداء في معارك الشرف، ونختم بمقولة الإمام علي بن أبي طالب :"الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين".

علي أبو الخير

قراءة 1286 مرة