تكتسب العمليات العسكرية الجارية في منطقة عفرين طابعاً شديد الخطورة والتعقيد حيث تتداخل المصالح بشكل يأخذ الأمور أكثر نحو الضبابية لجهة المواقف المُعلنَة والمُبطّنة، بحيث يصعب حتى اللحظة إبداء رأي جازِم حول النتائج لتنحصر المسألة في التوقّعات ما يحتاج الكثير من الإحاطة بدقائق الأمور وتفاصيلها.
لليوم التاسع تستمر العملية العسكرية التركية التي انتقلت إلى مرحلة التمهيد الناري الكثيف بالطائرات والمدفعية، حيث تحاول القيادة التركية من خلال استخدام حوالى 75 طائرة وعشرات المدافع تحقيق عامِل الصدمة النارية الذي على ما يبدو لم يتحقّق لناحية كسر خطوط الدفاع الأولى للفصائل الكردية التي تُبدي صلابة واضحة في التمسّك بمواقعها واستعادة بعض ما خسرته بعد الاندفاعات الأولى لقوات "درع الفرات" المدعومة بقوات خاصة ومُدرّعات تركية.
عسكرياً: من المؤكّد أن القوات التركية وقوات "درع الفرات" ستندفع من ستة اتجاهات والهدف هو الوصول إلى مدينة عفرين التي تقع في قلب منطقة سيطرة الفصائل الكردية، وهو هدف صعب التحقّق بشكل سريع إذا ما قاربنا الاندفاعات التركية حتى اللحظة بنتائج السيطرة التي لا تزال على حالها، وهو أمر يمكن إذا ما استمر أن يغيّر في شكل الخطّة التركية ومضمونها.
حالياً تشير الحشود التركية إلى نيّة القادة الأتراك على الاندفاع من سبعة اتجاهات اقتراب تراعي الجغرافيا وتضاريسها وطرقات الاقتراب الإجبارية التي يجب على القوات التركية سلوكها.
- الاتجاه الأول: اتجاه جنديرس – عفرين من الجنوب الغربي يبدأ من قرية حمام ويمر بقرى وبلدات حاج إسكندر وجنديرس خريبة وكعن كورك، طوله حوالى 30 كلم ويمتاز بوجود غطاء نباتي من أشجار الزيتون على مسافة ال 10 كلم الأولى، ما يعني إمكانية تحقيق خسائر كبيرة بالقوات المُتقدّمة من خلال الإعاقة بالدفاع المُتتالي والكمائن، مع الإشارة إلى أن خط الاقتراب الأول يقع على الطريق السريع 217 وهو ما تراهن القوات التركية عليه لتحقيق اندفاعة سريعة إذا ما تمكّنت من كسر خطوط الدفاع الأولى للكرد.
- الاتجاه الثاني: اتجاه راجو – عمر أوشاغي من الشمال الغربي نحو الجنوب، وهو اتجاه ربط وإغلاق للالتفاف على خطوط دفاع الفصائل الكردية، وهدف هذا الاتجاه السيطرة على خط الدفاع الغربي عبر مناورة التفاف من الداخل بعمق حوالى 5 كلم لعزل المنطقة الممتدة من جنوب راجو حتى جنديرس مروراً بالشيخ حديد.
- الاتجاه الثالث: من أدمَنلي – راجو باتجاه عفرين على طريق طوله حوالى 35 كلم تحيط الـ 14 كلم الأولى منه سلسلة هضاب سيستخدمها المقاتلون الكرد بالتأكيد لنصب الكمائن وتحقيق خسائر عالية في الممرات الإجبارية على خط اقتراب القوات التركية.
- الاتجاه الرابع: من شنكل – بلبل في الشمال نحو الشيخ خرّوس وصولاً حتى عفرين على طريق طوله 45 كلم، وهو مليء بالممّرات الإجبارية ستسير فيه القوات التركية بشكل بطيء وتستعين بالحوّامات الهجومية، وسيكون الاعتماد فيه على القوات الخاصة أكثر من الاعتماد على المُدرّعات.
- الاتجاه الخامس: من هاي أوغلو جنوب غرب نحو الشيخ خرّوس للالتقاء بالقوات المُتقدّمة من شنكل – بلبل، وطول الطريق 8 كلم، ومن هاي أوغلو جنوب شرق نحو جبل برصايا وطول الطريق 20 كلم.
- الاتجاه السادس: من إعزاز نحو جبل برصايا وطول الطريق 6 كلم وهو الطريق الذي اعتمدته قوات "درع الفرات" للسيطرة على جبل برصايا، وهي سيطرة لم تستمر طويلاً حيث استعادت الفصائل الكردية الجبل بعد ساعات من القوات المُهاجِمة.
- الاتجاه السابع من جبل سمعان في الجنوب وهو اتجاه هجوم سيتم تفعيله مع اتجاه ثامن من مارع نحو عفرين لتحقيق عملية عزْل عبر وصْل القوات التركية ببعضها من اتجاه جبل سمعان جنوباً باتجاه مارع شرقاً لإغلاق الطريق إلى كامل منطقة عفرين.
انطلاقاً من الخطّة التركية باعتماد سبعة اتجاهات اندفاع نلاحظ أن الاندفاع نحو مطار منغ وتل رفعت غير ملحوظ في الخطّة حتى اللحظة نظراً لوجود قوات روسية في المنطقتين، وهو ما ينتظر انسحاباً محتملاً للقوات الروسية باتجاه مناطق سيطرة الجيش السوري في نبل والزهراء، مع الإشارة إلى أن الاندفاع نحو عفرين من مارع باتجاه تل رفعت ومطار منغ هو أسهل الطرقات للوصول إلى عفرين حيث المنطقة المنبسطة والتي تساعد القوات التركية بتحقيق اندفاعة سريعة إذا ما تم استخدام تمهيد ناري جوّي ومدفعي كثيف، بالتزامن مع اندفاع القوات المُدرّعة وهو الأمر المُتعذِّر مع وجود القوات الروسية في المنطقة.
وبالنظر إلى طبيعة الموقف الميداني لن تكون العملية العسكرية التركية مجرّد نزهة، لهذا من المُرجَّح أن تعمد القوات التركية إلى اعتماد الحصار كبديل عن الاجتياح وهو أمر تحقّقه القوات التركية حالياً من كافة الاتجاهات، ما عدا الممّر الواصل بين منطقة عفرين ومناطق سيطرة الجيش السوري في الجنوب، ولا يمكن أن يتم إلا باتفاق يقضي بانسحاب القوات الروسية من مناطق تموضعها الحالية.
حتى اللحظة لم يتأكّد الوصول إلى اتفاقية تقضي بدخول الجيش السوري إلى منطقة عفرين، وهو ما تم تناقله عن مصدر كردي، رغم أن الاتصالات لا تزال قائمة لتحقيق الأمر، وهو إذا ما تمّ سيلغي مفاعيل الخطّة التركية برمّتها ويوجّه ضربة للأطماع التركية ويُنزل الأكراد عن شجرة العناد التي ستوفِّر عليهم الكثير من الوبال والدمار في حال استمرت العمليات بشكلها الحالي.