الكرد الذين يجدون أنفسهم وحيدين في مواجهة الهجوم التركي على عفرين، فقد راهنوا خطأ على أنهم باتوا "حلفاء استراتيجيين" لقوات التحالف التي لن تسمح لأردوغان بشنّ حربه عليهم في عفرين، عِلماً أن التحالف كان قد أعلن في وقت سابق أن عفرين ليست في نطاق عملياته، وأنه مسؤول فقط عن القوى المشاركة في محاربة إرهاب داعش.
لم يأتِ الهجوم التركي على عفرين خارج سياق التطوّرات المُتلاحقة في الشمال السوري، خاصة بعد إعلان قيادة التحالف الدولي عن توجّهها لإنشاء قوّة عسكرية دعتها "حرس حدود"، تضم 30 ألف مقاتل ومقاتلة بالتنسيق مع "قوات سوريا الديمقراطية"، ثم مسارعة مصدر كردي إلى الإعلان عن اتجاه إلى تأسيس كونتون كردي مستقل، يحميه الأميركيون الذين "سيبقون في المنطقة لمنع عودة الإرهاب من جديد ومنع دول مثل إيران وتركيا من الهيمنة على سوريا" بحسب المصدر.
وبالرغم من قيام كل من وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون والبنتاغون بنفي تشكيل قوّة حدودية، والادّعاء بأن هذه التدريبات تجري لقوى أمنية هي لأهداف داخلية كردية، إلا أن أردوغان "الملدوغ" من السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ذهب إلى الخيار العسكري الاستباقي، لعدم ثقته بتوجّهات السياسة الأميركية تجاه تركيا، خاصة بعد الانقلاب الفاشل الذي تمّ تدبيره ضده، وحيث يتّهم أردوغان الأميركيين في قاعدة أنجرليك بالتحضير له.
أما الكرد، الذين يجدون أنفسهم وحيدين في مواجهة الهجوم التركي على عفرين، فقد راهنوا خطأ على أنهم باتوا "حلفاء استراتيجيين" لقوات التحالف التي لن تسمح لأردوغان بشنّ حربه عليهم في عفرين، عِلماً أن التحالف كان قد أعلن في وقت سابق أن عفرين ليست في نطاق عملياته، وأنه مسؤول فقط عن القوى المشاركة في محاربة إرهاب داعش.
وهكذا، يسير الكرد مرة أخرى في أوهام الدعم الخارجي خاصة الأميركي لتأسيس دولتهم، ولا يبدو أنهم يتقنون قراءة التاريخ والجغرافيا، ولا يتّعظون من تجاربهم الخاصة، فها هي تجربة الاستفتاء الذي أُجري في كردستان العراق في 25 أيلول 2017 وما تلاها، ماثلة أمامهم كشاهد على مغامرة ذهب إليها مسعود البرزاني فخسر الكرد في 14 يوماً، ما كانوا قد حقّقوه من مكاسب في 14 سنة منذ عام 2003 ولغاية عام 2017. عِلماً أن التجربة الكردية العراقية مع الدعم الأميركي المُتغيّر ليست جديدة، فالملا مصطفى برزاني (والد مسعود) كان يتلقّى دعماً تسليحياً أميركياً، سرعان ما تبيّن أنه نوع من الضغوط الأميركية على صدّام حسين، لدفعه إلى توقيع اتفاقية الجزائر مع شاه إيران عام 1975، فما أن وقّعها حتى انقطع الدعم الأميركي للأكراد.
يُخطئ الكرد باعتقادهم أنهم قد يتحوّلون في الميزان الأميركي إلى "إسرائيل ثانية"، أي أن الأميركيين قد يفرّطون بكل مصالحهم في المنطقة لتكريس دويلة كردية في الشمال السوري، يدافعون عنها بكل ما يمتلكون من قوّة، إذ لا يعرف التاريخ حفظاً أميركياً لمصالح حليف سوى إسرائيل، وذلك لأن السيطرة الإسرائيلية على موازين السياسة الأميركية الداخلية ثابتة عبر اللوبي اليهودي.
من هنا، فإن أي حليفٍ للأميركيين عبر التاريخ (غير إسرائيل) لم يجد ثباتاً في الموقف الأميركي حينما تبدّلت المصالح الأميركية عبر الوقت، نذكر مثالين على سبيل المثال لا الحصر:
ها هي تركيا الحليفة التاريخية في حلف الناتو، والتي تعدّ ذخراً استراتيجياً للأميركيين في أي استراتيجية جديدة لاحتواء الروس والصينيين، انحاز عنها الأميركيون دعماً لميليشيات كردية (مُدرجَة على لوائح الإرهاب الأميركية) لحماية مصالحهم في الشمال السوري وتكريس نفوذ عسكري والسيطرة على حقول النفط في سوريا.
وها هي باكستان، الحليف التاريخي للأميركيين والذي لولاه لما استطاع الأميركيون التخلّص من طالبان في أفغانستان والسيطرة على هذا البلد منذ عام 2001، اتهّمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بـ "الكذب وخداع الولايات المتحدة وأنها تؤوي الإرهابيين في وقت تتلقى فيه مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية".
في المحصّلة، سيندم الكرد هذه المرة أيضاً على المغامرة التي انساقوا وراءها في سعيهم للسيطرة على أراضٍ سورية لتأسيس دولة كردية ليست من ضمن كردستان التاريخية أصلاً، ولا يمتلكون أكثرية كردية في المناطق التي يقولون أنهم سيأسّسون فيها دولة ستحميها طائرات التحالف بالقوّة، وسيندمون على تخلّيهم عن سياسة "مُحاباة" المحورين المُتقاتلين في سوريا، وانحيازهم إلى الأميركيين ودعوتهم لاحتلال أراضِ سورية بالقوة... فالتاريخ أكبر معلّم، وإن لم يتعلّموا أنه لا يمكن لدولة مزروعة في قلب منطقة بقوّة الحديد والنار أن تُعمّر، وإن اعتقدوا أن باستطاعتهم تشكيل إسرائيل ثانية في المنطقة لها نفس الوظيفة والدور، فسيدفعون أثماناً باهظة هم بغنى عنها.
ليلى نقولا