أجرت شركة لوكهيد مارتن المصنعة للمقاتلة إف-35 جملة تجارب عليها بمشاركة أطقم البنتاغون العسكرية، ليس لاختبار قدراتها "النظرية" فحسب، بل بهدف توسيع مروحة مبيعات سوق السلاح الأميركي وإقناع "الحلفاء" بالاستثمار في شراء أغلى مقاتلة حربية في العالم، الأمر الذي لم يلق النتائج والترحيب المرجو، ما دفع بالرئيس ترامب ممارسة ضغوط عالية على بعض الدول، من بينها اليابان وكوريا الشمالية، لإبرام صفقات شرائها.
أصاب إسقاط سوريا لمقاتلة "إسرائيلية" متطورة من طراز إف-16 الدوائر العسكرية الأميركية و"الإسرائيلية" بالذهول والحيرة، ليس في البُعد العسكري الصرف فحسب، بل للتداعيات السياسية المترتبة عليه، وتشكيله نقطة تحوّل مفصلية في مجمل الصراع الدائر على وفي سوريا؛ إذ أتت المواجهة الأخيرة في سياق التدخل العسكري المباشر لواشنطن وتل أبيب في سوريا كدليل على انتفاء حاجتهما الاعتماد على القوى التكفيرية من كافة بقاع الأرض بعد سلسلة هزائم تلقتها من الجيش السوري وحلفائه.
وتكهنت آفياشن أناليسيز وينغ باستخدام الجيش السوري صواريخ أرض-جو من طراز سام-5 التي "هي نتاج تقنية تعود إلى عقد الستينات" من القرن الماضي، لإسقاط الإف-16 آي "حصلت إسرائيل على نسخ الطائرة المعدلة عام 2004 .. وتحمل خزانات وقود إضافية تتيح لها التحليق الإضافي بنسبة 40%".
التعويل على الإف-35
عكفت البنتاغون على بدء العمل لإنتاج طائرة مقاتلة متطوّرة ومتعدّدة المهام منذ أواخر عقد ثمانينات القرن الماضي، وبوشر العمل بشكل رسمي عام 2001؛ واكبتها سلسلة عقبات تقنية وفنية منذ الإعلان عن نموذج إف-35 الشبح "رغم مليارات الدولارات التي أنفقت وتأجيل الإنتاج لما يزيد عن عقد من الزمن المفترض". الكلفة الباهظة لبرنامج إنتاج المقاتلة بلغت لمنتصف العام الماضي نحو 1500 مليار دولار، سعر الطائرة الواحدة نحو 95 مليون دولار.
الميزة الكبرى للمقاتلة، وفق مواصفات البنتاغون، هي قدرتها على التخفّي عن شبكات الرادار مع سرعة تحليق تبلغ نحو 1900 كلم/الساعة (1.6 ماخ)؛ تنتج منها عدّة نماذج، إحداها نسخة خاصة بسلاح البحرية الأميركية، إف-35 بي، تتمتع بالقدرة على الإقلاع القصير والهبوط العامودي على متن السفن الحربية، ستدخل الخدمة العملياتية في وقت لاحق من العام الجاري.
مع نهاية شهر آب/أغسطس العام الماضي أعلنت "إسرائيل" عن صفقة لشراء "17 مقاتلة أميركية من طراز إف-35، تضاف إلى 33 مقاتلة أخرى" كانت قد طلبتها، شريطة تعديلات تخصّ طبيعة المهام المنوطة بها من إضافة خزانات وقود احتياطية وتسليحها بصواريخ وقنابل من صناعاتها العسكرية. نموذج المقاتلة الخاص بتل أبيب أطلق عليه (اف-35 آ).
وذهبت الأسبوعية الأميركية، ناشيونال إنترست، نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2017، إلى إبراز مزايا مقاتلة الجيل الخامس، إف-35، بأنها ".. تختلف عن نظيراتها الأخرى؛ كون اشتراط إسرائيل للحصول عليها أن تتم تهيئتها لمهام محدّدة .. على متنها معدات إدارة ومراقبة واتصال مزودة بتقنية C4I"، أضافة لخصائص أخرى أبرزها تزويدها بخزانات وقود إضافية.
الهدف الرئيس للصفقة وفق ما أوردته الوكالة الفرنسية للأنباء، 27 آب 2017، هو لتعزيز "الرد الإسرائيلي على التهديد الإيراني لأن الدفاعات الجوية لا تستطيع رصدها... خصوصاً بطاريات صواريخ إس-300 التي تسلمتها إيران من روسيا".
ونقلت على لسان وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان قوله أن تلك القاذفات "ستشكل عنصراً مركزياً لضمان الدفاع عن إسرائيل على طول حدودنا، وما بعد هذه الحدود".
تجارب أميركية على أيهما الأفضل
أجرت شركة لوكهيد مارتن المصنعة للمقاتلة إف-35 جملة تجارب عليها بمشاركة أطقم البنتاغون العسكرية، ليس لاختبار قدراتها "النظرية" فحسب، بل بهدف توسيع مروحة مبيعات سوق السلاح الأميركي وإقناع "الحلفاء" بالاستثمار في شراء أغلى مقاتلة حربية في العالم، الأمر الذي لم يلق النتائج والترحيب المرجو، ما دفع بالرئيس ترامب ممارسة ضغوط عالية على بعض الدول، من بينها اليابان وكوريا الجنوبية، لإبرام صفقات شرائها.
وعوّلت البنتاغون على معرض باريس العسكري، حزيران 2017، لإبراز أحدث انتاجاتها وأجراء تجارب عليها "مدروسة بعناية" أمام الزوار، وفق تصريح قبطان المقاتلة بيلي فلين لأسبوعية آفياشن ويك.
كما أشرفت البنتاغون على تجارب مقارنة بين مقاتلتي إف-35 و إف-16، مطلع عام 2015، نقلت نتائجها شهرية ساينتيفيك أميركان Scientific American المرموقة تحت عنوان مثير "ماذا حصل من خطأ مع الإف-35".
واستطردت أن التجربة شملت نموذج إف-35 أيه F-35A، حلقت من دون حمولة أسلحة أو ذخيرة أو خزانات وقود إضافية؛ مقابل أداء (إف-16دي) شملت حمولتها خزاني وقود إضافيين سعة كل منهما 370 غالوناً.
النتيجة، وفق تقرير الشهرية العلمية، أنه بالرغم من "المزايا المتعدّدة" للمقاتلة الجديدة فإن قبطان التجربة أوضح أن الإف-35 أيه عانت من "قلة المرونة بل كانت أدنى وأقل شأناً من مثيلتها إف-16 دي في عملية قتالية حية".
وكشفت النشرة العلمية النقاب أيضاً عن خطل مزاعم قدرة المقاتلة على التخفي بالقول أنها "تظهر على شبكات الرادار أصغر حجماً من المعتاد، ربما أشبه بطائر بدل طائرة، لكنها غير مخفية" عن الرصد لبعض موجات الرادار المتعدّدة، ما يجعلها "عرضة للرصد والتتبع وإصابتها باستخدام أسلحة حديثة بل قديمة أيضاً".
وأضافت أن تقنية التخفي – الشبح للمقاتلة الحديثة سبق وأن استخدمت عام 1999 من قبل سلاح الجو الأميركي في عمليات قتالية في كوسوفو شنتها مقاتلات مسلحة بها من طراز إف-117، والتي تمت مراقبتها وإسقاطها بصاروخ أرض-جو ورادار سوفياتي قديم.
بناء على ما تقدّم من حقائق وتقييمات علمية، يمكننا القول إن الترويج الأميركي لميزات أحدث وأغلى مقاتلة في ترسانته لا تقارب الحقيقة العملياتية ولم يتم التغلب على التحديات والعقبات التقنية البارزة بشكل مريح؛ فضلاً عن التذكير بإصابة أحداها فوق الأجواء السورية بصواريخ قديمة نسبياً.
يمكن الاستنتاج أن العمليات الجوية وفرق الاغتيال في عمليات استخباراتية تشكلان الادوات الثابتة في النهج "الإسرائيلي" لضمان صورة معنوية متفوّقة في ذهنية الرأي العام الإسرائيلي والغربي المؤيّد، وأي اختلال يهدّد هذه الصورة له تداعيات خطيرة وحاسمة على ميزان القوى وعلى مسار الصراع.
وعليه نستطيع التكهّن بأن عمل "إسرائيلي" نشط سيتركّز على محاولة إزالة الخلل عبر رزمة من الخطوات الهادفة إلى ترميم ثقة متهوّرة، منها استخدام الصواريخ البعيدة المدى أرض - أرض و أرض - بحر في استهداف مكوّنات الدفاع الجوي السورية مضافة إلى عمليات خاصة، وكذلك تكثيف الاستطلاع بالتعاون مع الأميركي من خلال الأقمار الإصطناعية وطائرات التجسس التي تحلّق عالياً بعيداً عن مدى صواريخ الدفاع الجوي، وطائرات من دون طيّار.