بعد يومين على إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية؛ أعلنت لجنة الانتخابات المستقلّة نتائج الانتخابات في 18 محافظة عراقية، ووفقاً للنتائج التي أعلنتها اللجنة فقد حصل ائتلاف "سائرون" الذي يتزعمه مقتدى الصدر على 54 مقعداً، كما حصل تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري على 47 مقعداً، في حين حلّ ائتلاف النصر الذي يتزعمه حيدر العبادي على 43 مقعداً من مقاعد البرلمان العراقي البالغة 328 مقعداً.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الائتلافات والتيارات السياسية حصلت على باقي الأصوات، حيث حصل ائتلاف دولة القانون على 25 مقعداً، والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي على 23 مقعداً، والرابطة الوطنية حصلت على 21 مقعداً، وعلى الرغم من أن هذه النتائج ليست نهائية، إلا أن اللجنة لم تعلن بعد النتائج النهائية، ولكن يمكن القول بأن احتمال تغيير النتائج منخفض للغاية، أو أن أقصى تغيير في المقاعد سيكون مقعدين لكل تيار أو ائتلاف.
وبناءً على النتائج المُعلنة يمكن استنتاج أنّ محور "مناهضة أمريكا" في العراق قد انتصر، وبالنظر إلى أنه وخلال الأشهر التي سبقت الانتخابات، ومع انتصار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الحرب ضد تنظيم داعش ومنع انهيار البلاد، توقّع مُعظم المحللين انتصار تحالف العبادي والمعروف بتحالف "النصر" في الانتخابات، غير أنّ معظم المقاعد فاز بها تحالف "الفتح" الذي يُعتبر أحد أكبر وأهم التيارات السياسية المعادية لأمريكا، الأمر الذي يُعتبر رسالة رئيسية من الشعب العراقي في الجولة الرابعة من الانتخابات البرلمانية.
تقييد تأثير أمريكا وحلفائها على تشكيل الحكومة العراقية المستقبلية
قد يكون التأثير الأول لانتصار التحالفين اللذين يقودهما هادي العامري ومقتدى الصدر على المشهد السياسي العراقي هو تقليل تأثير أمريكا على الشؤون السياسية في العراق، خاصة في مسألة تشكيل حكومة جديدة، وفي الواقع فإنّه وخلال شهر واحد من حملة "سائرون" وتيار "الفتح" الانتخابية، كان التركيز الرئيسي لشعارات الحملة مختصاً بالحفاظ على سيادة العراق وإصلاح الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، والآن وبعد انتصارهم الذي لم يتوقعه المراقبون ولا المحللون، فمن الواضح أن أغلبية العراقيين غير راضين عن الوجود الأمريكي في البلاد.
وبناءً عليه؛ فإنّ الأشهر المقبلة وخلال تشكيل الحكومة، ستشهد زيادة الحكومة الأمريكية من جهودها للتأثير على عملية اختيار أعضاء الحكومة، ويمكن القول إن دور أمريكا خلال التطورات المقبلة في العراق سيكون محدوداً، والآن وأكثر من أيِّ وقتٍ مضى يجب على السياسيين العراقيين أن يكونوا أكثر حذراً في تعاملهم مع واشنطن.
البروز التدريجي للقوى المعادية لأمريكا بعد العام 2003
في تحليل لانتصار القوتين الرئيسيتين المناهضتين لأمريكا في الانتخابات الأخيرة، من الضروري تتبع الموجة المعادية لأمريكا في المجتمع العراقي والذي بدأت بالانتشار وعلى نطاق واسع في السنوات التي تلت العام 2003 بعد الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق، حيث شهدت الفترة التي تلت الاحتلال موجة من التفاؤل بين المجتمع السياسي العراقي تجاه أمريكا على أساس أنها لعبت دوراً رئيسياً في إسقاط صدام حسين، الأمر الذي دفع بعدد كبير من الأحزاب السياسية العراقية نحو إقامة علاقات جيدة مع أمريكا.
وبناءً على ما سبق يمكن ومنذ البداية رؤية دور مقتدى الصدر المخالف للوجود الأمريكي من خلال إنشاء جيش المهدي الذي بدأ المقاومة ضد الغزو الأمريكي – البريطاني، وتركّز نشاطه في مدينتي بغداد والبصرة اللتين كانتا تحتضنان القوات أجنبية وخاصة الأمريكيين، حيث أعلن جيش المهدي أنّ القوّات الأمريكية قوة غير مشروعة ومزعزعة للاستقرار ودعا إلى انسحابها من العراق في أقرب وقت ممكن، واستمر الجيش في مقاومته حتى اتخذ البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية عدة خطوات خلال عامي 2005 و2007 لاغتيال مقتدى الصدر.
وبالإضافة إلى مقتدى الصدر، فإن هادي العامري، رئيس منظمة بدر، وباعتباره شخصية شيعية مستقلة منذ أوائل عام 2003، عبّر عن معارضته الشديدة لوجود القوات الأمريكية في العراق، وفي السنوات التالية لعام 2010 وبصفته رئيس البرلمان ووزيراً للنقل تم الاعتراف به كشخصيّة سياسية مناهضة لأمريكا تعارض أيّ تدخلٍ من جانب واشنطن في شؤون العراق.
باختصار؛ ومن خلال استعراض الأنشطة السياسية لهادي العامري ومقتدى الصدر، يمكن القول إن معارضة هذين الزعيمين السياسيين للأمريكيين في السنوات التالية لعام 2003 كانت في وضع اتخذت فيه أغلبية الفصائل السياسية استراتيجية التسامح مع أمريكا، ولكن انتخابات اليوم أظهرت الوجه الصحيح للعراق، حيث إن المواطنين العراقيين وجدوا طريقهم ونهجهم الصحيح، وهو النهج المعادي للأمريكيين، ويمكن رؤية ذلك من خلال انتخابهم لهاتين الحركتين السياسيتين، وتأكيدهم على الدور السلبي المستمر لواشنطن في العراق.