جاء كلام مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، جون بولتون قبل يومين لافتاً وحمّالاً للأوجه في ظل ظروف يعيشها الشرق الأوسط لم تعد كسابق عهدها، والأسباب كثيرة في هذا الإطار لكن ما ظهر في كلام بولتون يوحي بأن واشنطن تتجه نحو مغازلة موسكو عبر حليف الأخيرة في دمشق.
أجرى كبير صقور إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الأحد مقابلة مع قناة "CBS" الأمريكية، أظهر فيها بوادر حسن نية تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، إذ لم يعد بالنسبة لهم مشكلة استراتيجية، ومقابل ذلك صبّ بولتون جام غضبه على إيران، التي تعدّ حالياً الشغل الشاغل لإدارة الرئيس الأمريكي وصقوره التي تتجول شرق المنطقة وغربها على أمل محاصرة إيران، وثنيها عن مواقفها وسياستها في المنطقة، ولكن حتى اللحظة كل هذه التحركات وهذا الغليان وهذا الاستنفار الأمريكي لم يؤتِ أُكله، فهل سيكون مفتاح الحل بالنسبة لواشنطن في الكرملين أم سيعود السيد بولتون خالي الوفاض كما كان يحدث سابقاً؟!.
تمهيد الطريق لـ"ترامب"
في المقابلة الأخيرة التي أجراها بولتون مع قناة "CBS" الأمريكية، وردّاً على سؤال حول ما إذا كان الرئيس السوري حقق انتصاراً بالحرب الدائرة في بلاده قال بولتون: "بصراحة، لا نعتقد أن الأسد يمثل مشكلة استراتيجية".
وشدد بولتون على أن "المشكلة الاستراتيجية تتمثل بإيران"، موضحاً: "الحديث لا يدور فقط عن برنامجها المستمر لتطوير الأسلحة النووية، وإنما كذلك عن دعمها الكبير والمتواصل للإرهاب الدولي، وكذلك عن وجود قواتها الدورية في الشرق الأوسط".
في ظاهر الأمر يبدو أن كلام بولتون يعدّ بمثابة تمهيد الطريق لرئيسه في البيت الأبيض دونالد ترامب قبل القمة التي ستجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الـ16 من يوليو الحالي بالعاصمة الفنلندية هلسنكي، حيث أكد بولتون تصريحات ترامب التي أعلن فيها تأييده لعودة روسيا إلى مجموعة “السبع الكبرى” واستئناف عمل مجموعة G8، كما أعرب مستشار الرئيس الأمريكي عن اعتقاده بأن روسيا وأمريكا قد تحققان تقدّماً ما في العلاقات في أعقاب القمة التي ستعقد في هلسنكى.
حتى يمكننا اعتبار كلام بولتون بمثابة تنازل ضمني للجانب الروسي قبل القمّة المزمع عقدها بين ترامب وبوتين، والهدف من ذلك هو تأليب الموقف الروسي ضد إيران والالتفاف عليها من بوابة الكرملين لكونها عجزت عن إرضاخ إيران عبر الضغوط الاقتصادية لذلك تحاول اليوم ممارسة الدبلوماسية مع روسيا علّها تساعدها في هذا الملف.
هذا الكلام أكده بولتون في المقابلة الأخيرة حيث قال إن مستقبل سوريا ومقترح تجنيد روسيا كشريك لطرد إيران من ساحة المعركة في سوريا، سيكونان محور القمة القادمة، وأضاف بولتون، إن القمة ستستغرق يوماً واحداً فقط لكنها ستوفر فرصة لمناقشة أزمة سوريا إلى جانب مجموعة كاملة من المشكلات.
أما كلام بولتون عن سوريا فيعدّ هزيمة واضحة للإدارة الأمريكية وسياستها المتهالكة إزاء سوريا، فقد حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إسقاط النظام في سوريا مراراً وتكراراً لكنها عجزت عن ذلك عبر الوكلاء ومن ثم اتجهت إلى العدوان المباشر، وحدث ذلك مرتين في أبريل 2017 وأبريل 2018، بذريعة استخدام الجيش السوري سلاحاً كيميائياً، وفي المرتين فشلت واشنطن بإحداث أي فارق في مصير الأزمة السورية، وبقيت تتجه الأمور لمصلحة الحكومة السورية حتى باتت اليوم تسيطر على 80% من مساحة سوريا، لذاك بدأت واشنطن تغيّر مسير سياستها وقررت العمل على إخراج إيران من سوريا بجميع السبل الممكنة على اعتبار أنها الحليف الأقرب للحكومة السورية وساندتها على مدار عمر الأزمة.
الكرة اليوم في ملعب بوتين وهو من سيقرر ما إذا كان سيتحالف مع واشنطن أم سيردّها على أعقابها عبر حنكته وذكائه السياسي.
دعم لـ "إسرائيل"
يجب ألّا ننسى حليف واشنطن المدلل "الكيان الإسرائيلي" الذي تحرك من أجله جميع أساطيلها وبوارجها، وما تحدث به بولتون لا يعدو كونه سوى استكمال للسياسة الإسرائيلية المعتمدة مؤخراً في سوريا، والمتمثلة بمحاولة إيجاد شرخ بين الحليفين السوري والإيراني، ففي السابق انطلقت دعوات إسرائيلية سابقةً بضرورة استهداف مقرّات رئيسية للجيش السوري عند أي حضور إيراني جنوب البلاد بغية توجيه رسالة للأسد بأنه يتحمّل تبعات الحضور الإيراني ويدفع تكاليفه.
بصرف النظر عن دقّة هذا الكلام من عدمه، ولو وضعنا جانباً أبعاد هذا الكلام وتبعاته في السياسة، ولكن ماذا عن الضرابات المتتالية التي تعرّض لها الجيش السوري من القوات الأمريكية في سوريا؟ ماذا عن مئات الشهداء والمصابين في قصف أمريكا لجبل الأثر في دير الزور؟ ماذا عن الضربات المتتالية تحت ذرائع كيميائية تعي واشنطن قبل أي طرف آخر عدم دقّتها؟.
سيكون لهذه القمة أثر كبير في المرحلة المقبلة وهذا يعتمد كما ذكرنا سابقاً على موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكيفية تعاطيه مع الموقف الأمريكي تجاه إيران والمنطقة ككل، ولكن بالمختصر لا نعتقد بأن الرئيس الروسي سيسمح لترامب بتمرير سياساته على حساب حلفاء موسكو.