بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي والبدء بفرض عقوبات اقتصادية على إيران وعدت إدارة ترامب بأنها ستكون الأقسى في التاريخ .لذا تكتسب الزيارة أهميتها من هذا الظرف الحرج الذي يعصف بالاتفاق الذي سعى الجانبان الإيراني والأوروبي على مدى 12 عاماً من المفاوضات الشاقة إلى التوصل إليه في عام 2015، ففي الوقت الذي تبدو طهران أنها متمسكة بالاتفاق وبالانفتاح على العالم ولا سيما على القارة العجوز إذا حصلت على ضمانات كافية من الأوروبيين لتأمين المصالح الإيرانية تبدو أوروبا أكثر تمسكا بهذا الاتفاق الذي ليس من أجل المكاسب الاقتصادية من الأسواق الإيرانية فقط إنما لأهداف استراتيجية أوروبية تحاول العبور بالاتحاد إلى ضفة التمايز عن السياسات الأميركية ولاحقا الاستقلال عنها كما أن الاتفاق النووي يعتبر باكورة جهود دبلوماسية حثيثة لأوروبا يدفع بها مجددا إلى صدارة المشهد السياسي الدولي بعد تراجع ملحوظ في العقود الأخيرة أمام التغول السياسي الأميركي في العالم وخاصة في منطقة الشرق الاوسط.
سويسرا والنمسا بلدان تربطهما علاقات جيدة مع إيران منذ عقود وقد ترسخت هذه العلاقات أكثر في عهد أول حكومة إصلاحية برئاسة محمد خاتمي. كما أن سويسرا ترعى المصالح الأميركية في إيران وتشكل جسراَ بين واشنطن وطهران في مجالات عدة ومنها المجال الاقتصادي. كما أن هذه الزيارة تشكل فرصة هامة بتوقيت مناسب للتأكيد على الموقف الإيراني حول المفاوضات الراهنة مع الجانب الأوروبي لتقديم الضمانات لطهران قبيل انقضاء المهلة الزمنية التي يبدو أن إيران مددتها مؤخراً لإعطاء الأوروبيين وقتاً كافياً لترتيب أوراقهم الداخلية في ملف يعد من أكثر الملفات تعقيدا حيث أن خسارة الاتفاق النووي تشكل خسارة معنوية كبيرة لأوروبا بينما خسارة العلاقات التجارية تشكل ضربة قاسمة للاقتصاد الأوروبي لذا يسعى الاتحاد إلى إمساك العصا من الوسط وهذا الأمر دونه خرط القتاد.
وقد سعى الرئيس الإيراني في جميع الإطلالات الإعلامية له سواء في المؤتمرات الصحافية أو الملتقى الاقتصادي السويسري الإيراني إلى إظهار مدى التزام إيران بتعهداتها الدولية في مقابل نقض الإدارة الأميركية للمواثيق وعدم التزامها بالقرارات والقوانين الدولية وبهذه المقاربة يقول روحاني إن مصدر القلق الدولي ليس إيران كما تروج الولايات المتحدة بل هي أميركا نفسها التي تضع العالم على حافة الهاوية بقرارات متسرعة أحادية وهنا يدرك روحاني جيدا أنه يتقاطع في هذا الموقف مع غالبية دول الاتحاد الأوروبي ولو لم يجاهر البعض منهم بما أماطت اللثام عنه الصحافة الأوروبية بصراحة .
كما أن الرئيس الإيراني يحاول فصل علاقة بلاده مع أوروبا بنتيجة المفاوضات وبمصير الاتفاق النووي وهذه نقطة هامة تمهد من خلالها إيران الطريق لضمان مواقف أوروبية معتدلة اتجاهها في حال انهيار الاتفاق وربما لإبقاء الأبواب مفتوحة لأي تعاون اقتصادي متاح بعيدا عن رقابة العقوبات الأميركية
وبإنتظار الحزمة الاقتصادية الأوروبية لإيران والمتوقع أن تقدم في فيينا على هامش لقاء وزراء خارجية إيران ومجموعة دول 4+1 بحسب وسائل إعلام إيرانية تأتي هذه الزيارة لتعطي صورة إيجابية حول مضامين تلك الحزمة وحول الموقف الإيراني المرتقب حيالها ورغم أن الوقائع تشير إلى عدم قدرة الاتحاد الاوروبي على تأمين جميع المصالح التي تتوخاها إيران وعدم قدرته على إجبار الشركات العمالقة البقاء في الأسواق الإيرانية لكن هامش المناورة يبقى بالاعتماد على الشركات الأوروبية الصغيرة والمتوسطة وهذا ما تدركه إيران جيدا وتتعامل معه بمنطق...
ملحم ريا