على الرغم من النمو الكبير والذي بلغ 5.4٪ في عام 2017 والتصنيف الجيد الذي حظي به بين الاقتصادات الإفريقية، غير أنّ الاقتصاد المصري يواجه استياء عاماً متزايداً من السياسات النقدية والمالية التي تُنفذها الحكومة الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع التضخم بنسبة 14٪ في يوليو، ففي يونيو من العام الحالي 2018 زادت الحكومة من سعر مياه الشرب للاستخدام المنزلي ما نسبته 44.4 في المئة، كما ارتفع متوسط أسعار الكهرباء بنسبة 26 في المئة، وفي العاشر من أيار/ مايو 2018 ارتفعت أسعار تذاكر مترو الأنفاق في العاصمة القاهرة بنسبة تتراوح من 50 إلى 150 في المئة، ومع ذلك يؤكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مصر تسير في مسار اقتصادي صحيح.
مصر التي واجهت العديد من التوترات السياسية والاقتصادية والأمنية منذ سقوط الرئيس السابق محمد حسني مبارك، يبلغ إجمالي ناتجها المحلي أكثر من 336 مليار دولار، فيما يبلغ عدد سكانها حوالي 100 مليون نسمة وتتمتع بدور معروف ومنذ زمن بعيد في وساطة السلام في الشرق الأوسط.
ومنذ أن وصل عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2013 كان يحاول حلّ مشكلات البنية التحتية في البلاد وتحسين سبل عيش الناس، وعلى هذا الأساس بدأت الحكومة التخطيط الاقتصادي الطموح عام 2015 في محاولة لتشجيع النمو الاقتصادي في البلاد، ومن هذه التدابير محاولة السيسي معالجة نقص الكهرباء التي تُعدُّ مشكلةً أساسية في مجال الاقتصاد من جهة وحياة الناس من جهةٍ أخرى.
وفي هذا السياق يحاول مسؤولو القاهرة خفض معدل البطالة في البلاد عن طريق زيادة الاستثمار الأجنبي، الأمر الذي يُعتبر في غاية الأهمية حيث إنّه ووفقاً للمحللين يُعدُّ النمو السكاني أحد العوامل التي ستتسبب بعدم الاستقرار في مصر بالعقود القادمة الأمر الذي يستوجب على الحكومة البحث عن استثمار خارجي لتحسين حياة الناس.
ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة سيصل عدد سكان مصر إلى 150 مليوناً بحلول عام 2050، وعلى هذا الأساس فإن النمو السكاني الكبير في ظل غياب نظام تعليم عالٍ لإعداد الشباب للدخول إلى سوق العمل بالإضافة لنقص المساكن وضعف القطاع الصحي وارتفاع معدلات البطالة سيجعل من مصر قنبلة موقوتة، وذلك نظراً لموقعها الاستراتيجي وقربها من الحدود الأوروبية الأمر الذي يمكن أن يسبب تأثيرات مدمّرة واسعة النطاق.
المشكلات الاقتصادية الرئيسية في مصر
على الرغم من أنّ بعض المؤسسات المالية والأبحاث الخاصة متفائلة بالاقتصاد المصري، غير أنّ البلاد تواجه بعض العقبات أمام تنميتها، حيث إنّ النمو السكاني السريع وعدم فعالية سياسات تنظيم الأسرة بالإضافة لعدم وجود بنية تحتية مناسبة يمكن أن يكون مصدر قلق كبير لقادة مصر.
فمن ناحية يدفع النهج السلطوي للرئيس السيسي وسياساته الخاصة بالقضاء على المعارضة وتقليص وسائل الإعلام مصر نحو استبدادية جديدة فيها يصفها الاقتصاديون بأنها أسوأ بكثير من استبدادية مبارك، حيث إنّ سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام لن تسمح بانتقاد أو تحديد المشكلات وملفات الفساد الاقتصادية.
وبالإضافة إلى ما سبق فقد أثار التدخل العسكري الواسع في المشاريع والاستثمارات المخاوف بشأن مستقبل القطاع الخاص في مصر، كما أنّ تمكّن الحكومة من الوصول إلى عائدات النفط والغاز المُكتشف سيعطي دفعة قوية للحكومة الأمر الذي سيُحوّلها إلى نظام حكومي استبدادي كما سيكون الاقتصاد بيد الدولة بشكلٍ كامل.
ومن العقبات الرئيسية لنمو الاقتصاد المصري استمرار انعدام الأمن، فمنذ العام 2011، أدّى انهيار النظام السياسي إلى تحوّل شبه جزيرة سيناء لمركز لنمو الجماعات الإرهابية، حيث ستضطر القاهرة إلى إنفاق جزء كبير من ميزانيتها كل عام للحيلولة دون انتشار حالة انعدام الأمن في شبه جزيرة سيناء، وإلى جانب زيادة القوة العسكرية لإرساء الأمن، كما ستضطر الحكومة إلى دفع تكاليف كبيرة لتطوير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية في شبه الجزيرة.
وبالإضافة إلى ما سبق يواجه الاقتصاد المصري معضلةً أخرى تتعلق بقيمة الجنيه المصري، حيث تسببت سياسة تعويم سعر الصرف بانخفاض الدولار بنسبة 50 في المئة مقابل الدولار في عام 2016، وفي الوقت ذاته أصدرت الحكومة أيضاً سندات لزيادة الاستثمارات الأجنبية، استناداً إلى اليورو والدولار وليس الجنيه المصري، الأمر الذي شكّل مصدر قلق للمستثمرين المصريين حول قيمة أموالهم واستثماراتهم في البلاد.
وأخير فإنّ الاقتصاد المصري يواجه مشكلة الدين العام، حيث أعلن صندوق النقد الدولي أنه وبنهاية العام 2017 ستكون نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر والتي تشمل الدين الداخلي والخارجي ما نسبته 101.2 في المئة.
ووفقاً لأحدث البيانات من البنك المركزي المصري فقد ارتفعت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2016 / 17 من 16.6 بالمئة إلى 33.6 بالمئة، ويرجع ذلك إلى ديون القاهرة للمنظمات متعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وبالرغم من كل ما سبق فإن عملية إدارة السيسي للدولة تظهر أن مصر في طريقها إلى الانتعاش الاقتصادي، فوفقاً للبنك المركزي فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.3 في المئة في الربع الثاني من العام 2017، وذلك بارتفاع من 2.1 في المئة في العام 2012، كما أنّ معدّل البطالة في مصر في الربع الأول من هذا العام وصل إلى 10.60، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة واحد في المئة عن العام 2017، كما توقّع مركز هارفارد للتطوير والتنمية الدولي أنه بحلول العام 2026 من المتوقع أن يبلغ النمو في مصر نسبة 6.63٪.