بدأت مصر منذ مطلع الشهر الجاري، تطبيق ما تصفها الحكومة الحالية بـ "أكبر موازنة عامة" في تاريخ البلاد للعام المالي الجديد، بمستهدفات طموحة وتفاؤل حكومي، رغم وجود تحديات ومخاطر قد تعيق تحقيق معدلات النمو المرجوة.
ورغم تفاؤل مسؤولي الدولة، بأن تحقق الموازنة مستهدفاتها في العام المالي 2018/2019، لكن ثمة عديد المخاطر قد تواجه البلاد عند التنفيذ الفعلي، وفقا للبيان المالي الصادر عن المالية المصرية ومحللين اقتصاديين،.
ويبدأ العام المالي في مصر مطلع يوليو/ تموز، ويستمر حتى نهاية يونيو/ حزيران من العام التالي، وفقا لقانون الموازنة العامة.
وتطمح الحكومة المصرية بقيادة رئيس وزرائها الحالي مصطفى مدبولي، إلى تحقيق معدلات نمو تصل إلى 8 بالمائة بحلول العام المالي 2021/2022.
وتسعى الحكومة أيضا لزيادة الإيرادات بنسبة 22 بالمائة، إلى 989 مليار جنيه (55.5 مليار دولار)، وخفض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي إلى 91-92 بالمائة في الفترة نفسها، مقابل 97 بالمائة في العام المالي 2017/2018.
** خطر النمو
يقول المحلل الاقتصادي مصطفى نمرة، إن مشروع الموازنة المصرية يواجه خطر معدل النمو، الذي يعد أهم أحد الافتراضات الرئيسة، التي تبنى عليها العديد من بنود الموازنة العامة، مثل تقديرات الإيرادات الضريبية والجمركية والاستثمارات.
ويستهدف مشروع الموازنة المصرية رفع معدل النمو الحقيقي السنوي إلى 5.8 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في 2018/2019 مقابل 5.4 بالمائة في العام المالي 2017/201.
ويشير نمرة إلى أن خطر تباطؤ النمو عن المعدلات المقدرة في الموازنة العامة، سواء لأسباب محلية أو تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، "قد يؤثر سلبا على الأداء الاقتصادي، ليؤثر على تغيير المستهدفات المالية مثل العجز الكلي والدين العام".
ومن المتوقع أن يحقق الاقتصاد العالمي، معدل نمو 3.9 بالمائة في 2018، إلا أن هذه المعدلات ما تزال منخفضة نسبيا، مما قد يشكل خطرا على أداء الموازنة العامة، وفقا لوزارة المالية المصرية.
وبحسب "نمرة"، فإن تباطؤ التجارة العالمية، أحد المخاطر المحتملة، حيث يؤدي إلى التأثير سلبيا على الإيرادات المتوقعة من قناة السويس والضرائب الجمركية والضرائب على الواردات.
ومن المتوقع تباطؤ نمو التجارة العالمية إلى ما بين 4 و3.9 بالمائة في عامي 2018 و2019، على التوالي، مقارنة بنحو 4.2 بالمائة في عام 2017.
** سعر الصرف
ويشكل سعر صرف الدولار أمام الجنيه، خطرا محتملا على مستهدفات مشروع الموازنة المصرية، إذ يؤدي أي تحرك في سعر الصرف، أثناء التنفيذ، مقارنة بفترة إعداد الموازنة، للتأثير سلبيا على جانب الإيرادات والمصروفات.
ويقدر مشروع الموازنة المصرية سعر صرف الدولار عند 17.25 جنيها في العام 2018/2019، مقابل 16 جنيها في العام المالي 2017/2018، في حين يبلغ سعر صرف شراء الدولار نحو 17.80 جنيها حاليا.
** أسعار الفائدة
ويرى المحلل الاقتصادي، أن الخطر الرابع، يتمثل في أسعار الفائدة، حيث أنه في حال اتجاه عدد من الدول إلى تبني سياسات نقدية انكماشية لخفض التضخم، "سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد المصري، عبر نقص حجم المعروض من النقد الأجنبي وارتفاع تكلفة الاقتراض".
يقدر مشروع الموازنة المصرية، أن تؤدي زيادة متوسط أسعار الفائدة 1 بالمائة إلى زيادة فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة العامة بنحو 5 مليارات جنيه (280.8 مليون دولار) خلال العام المالي.
وأعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي (المركزي الأمريكي) مؤخرا، رفع أسعار الفائدة على الأموال الاتحادية بنسبة 0.25 بالمائة (25 نقطة أساس)، إلى 2 بالمائة للمرة الثانية خلال 2018.
ويرى نمرة أن السعر العالمي للنفط، يشكل الخطر الخامس، حيث تم إعداد الموازنة بافتراض 67 دولارا للبرميل، مقابل 73 دولارا حاليا، وفي حال زيادة سعر البرميل بنحو دولار للبرميل، فيحد من الموارد المتاحة لتعزيز الانفاق الرأسمالي والاجتماعي.
ويشير نمرة، إلى أن الأمر ينطبق أيضا على زيادة أسعار القمح، والمواد الغذائية، في ضوء الارتفاعات التي تشهدها الأسعار العالمية.
وتعتزم الحكومة المصرية استيراد 7 ملايين طن قمح خلال العام المالي 2018/2019.
** الالتزامات المحتملة
ويقول المحلل الاقتصادي فوزي النبراوي، إن الالتزامات المالية المحتملة تعد من مصادر المخاطر المالية للموازنة العامة، وهي تتمثل في التزامات مالية غير مؤكدة الحدوث، وغير محددة القيمة والتوقيت.
ويشير البيان المالي لوزارة المالية، إلى أن المخاطر تشمل أيضا التعويضات المحتمل سدادها نتيجة الفصل في قضايا التحكيم المرفوعة على الحكومة المصرية، أو تسويتها وديا.
وفي نهاية أبريل / نيسان 2017، قضت المحكمة الفيدرالية العليا السويسرية، أن تدفع مصر غرامة قدرها مليارا دولار لمصلحة شركة الكهرباء في إسرائيل بسبب "خرق العقود السابقة".
وهناك عدد من قضايا التحكيم الدولي مقامة ضد مصر، متداولة حاليا طرف عدد من الجهات المختلفة، إلا أنه خلال الخمس سنوات الماضية، قد انتهى النزاع في معظمها لصالح الدولة المصرية، وفق وزارة المالية.
** ارتفاع المديوينية
ويوضح النبراوي أن المخاطر تتضمن ارتفاع حجم المديونية من الأدوات المالية قصيرة الأجل، لحتمية إعادة التمويل في المدى المتوسط، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، "ما سيكون له أثر على مدفوعات الفوائد واستدامة الدين."
وتقول الحكومة المصرية، إنها تعمل على الاستمرار في تنويع مصادر التمويل ومكونات محفظة الدين العام، ما بين المحلي والخارجي، وإطالة عمر الدين المحلي القابل للتداول وتطوير منحنى العائد على الأوراق المالية المحلية.
وتنوي مصر إصدار أذون وسندات خزانة محليا بقيمة 511 مليار جنيه (28.7 مليار دولار) في العام المالي 2018/2019.
ويتوقع مشروع الموازنة المصرية أن يبلغ متوسط سعر الفائدة المستهدف على أدوات الدين الحكومية في العام المالي 2018-2019، 14.7 بالمائة، مقابل 18.5 بالمائة في العام المالي 2017-2018.