الحِصار الصهيوني الأميركي الخليجي على إيران... مفروض مرفوض

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الحِصار الصهيوني الأميركي الخليجي على إيران... مفروض مرفوض

حصار الجمهورية الإسلامية اليوم يختلف عن المرات العديدة الممتدة، فالدولة ثابتة الأركان، واثقة من قدراتها، لديها أسلحة تردّ العدوان، والأهم لها رصيد من الحصار الظالم في الزمن القريب، وانتصرت عليه، بالتعامل العلمي البحت، وكذلك بوحدة الشعب الإيراني.

يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن ينفّذ وعده الانتخابي بحِصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وزعزعة استقرارها تمهيداً لإسقاط النظام الثوري الإيراني، وهو وَعدٌ أعطاه للوبي الصهيوني، فنال أصواتهم، وهم يهدّدوه بالسقوط لو تخلّى عن وعوده، وهو سقوط ميسور عندما يتم فتح التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية التي فاز فيها ترامب، ولذا فقد بدأ بالخروج من الاتفاق النووي، ويقوم حالياً بعملية استنفار قصوى لفرضِ حظر تصدير النفط الإيراني اعتباراً من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وأخذ موافقة بديهية متوقّعة من النظام السعودي بتعويض النقص من تصدير النفط الإيراني، وهو ما جعل الرئيس حسن روحاني يُهدّد بالرد من خلال غلق مضيق هرمز أمام تصدير أيّ نفط من دول المنطقة للعالم الخارجي، وهو تهديد مشروع، وربما تشهد الشهور القادمة تصميماً أميركياً صهيونياً سعودياً على جرّ إيران للحرب، لخدمة الأطماع الصهيونية، فيتم التمهيد شعبياً لتنفيذ صفقة القرن، من أجل التفرّغ للدولة الإيرانية على وجه التحديد، وهذا هو السرّ الخفيّ في محاولة الإسراع بالصفقة..

على أننا لا نستغرب تلك القرارات الأميركية، فما يفعله ترامب هو ما فعله رؤساء أميركا السابقون، وكل ما في الأمر، أن دونالد ترامب يتّخذ قراراته علانيّة من دون خوف، طالما أن العالمَين العربي والإسلامي راضخين للقرارات الصهيونية، فهو ينفّذ خططاً مرسومة في المخابرات المركزية ومن خلال ضغوط لوبي السلاح واللوبي الصهيوني، وذلك لسببٍ بسيطٍ جداً، هو أن إيران دولة مقاوِمة خارجة تماماً عن النفوذ الغربي الأميركي الصهيوني، التي كانت تعيش تحته في زمن الشاه المخلوع محمّد رضا بهلوي، ولا يريد الاستكبار أن يخرج دولة عن الطوع الأميركي، ورغم محبتنا واحترامنا لنظام جمهورية كوريا الشمالية، إلا أن الصراع الأميركي معها لا يقوم على أسس عدائية، كوريا الشمالية مثلاً لا تهدّد وجود إسرائيل، ولكن إيران تحاربها بمنظورٍ ديني سياسي جغرافي تاريخي في آن واحد، ومن هنا الإصرار الأميركي على أن تصبح إيران في مواجهة كل مَن يدور في فلك الصهيونية العالمية.

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والدولة الأميركية تُحاصِر إيران، فقد صادرت الأرصدة الإيرانية في الولايات المتحدة، وصادرت قصوراً إيرانية، وهي مليارات الدولارات، وفرضت حظراً على النفط الإيراني، وتدخّلت في الشؤون الداخلية الإيرانية، فساعدت منظمة مجاهدي خلق الشيوعية، وتوقّع أميركا أن سقوط النظام الثوري سيكون في عامه الأول، وعندما فشل التوقّع، تمّ الدّفع بصدّام حسين لشنّ حرب الثماني سنوات ضد الجمهورية الإسلامية (1980 – 1988).

ويمكن القول بيقين إن إيران حاربت كل العالم خلال حرب الثمان سنوات، قام الاتحاد السوفياتي السابق بدعم صدّام حسين بالسلاح حسب معاهدة الصداقة السوفياتية العراقية التي تم توقيعها عام 1972، ومعه أعضاء الكتلة الشيوعية العالمية، وقامت الولايات المتحدة الأميركية بدعم صدّام حسين بالصوَر الفضائية للحشود الإيرانية على الجبهات جميعها، أما دول الخليج فحدّث ولا حرَج، فقد قامت الدول الخليجية الخمس (باستثناء عُمان) بتمويل آلة الحرب العسكرية، تدفع ثمن الأسلحة التي يشتريها صدّام حسين من أميركا والغرب الأوربي، كما قام رجال الدين الوهاّبيين السعوديين وغير السعوديين بإطلاق الفتاوى التكفيرية ضد الشيعة عموماً، وجعلوا الحرب الإيرانية العراقية حرباً طائفية، ولا ننسى فتاوى إبن باز والعثيمين وإبن جبرين ومحمّد حسان وعبد الملك الزغبي وغيرهم يفوقون الحصر، يفتون بأن الشيعة كفّار وأن الأميركان أهل كتاب، فمن ثم يجب مساندة أهل الكتاب ضد الكفر، وهي نفس الفتوى التي أطلقها عبد الله بن جبرين في عام 2006، عندما انتصر حزب الله في لبنان على الكيان الصهيوني، مثلما صرخ نفس الشيوخ نصرة لأفغانستان ضد الروس الكَفَرة، فكان الصراخ من فوق المنابر يجُاهر ويزعق "واأفغانستاه"، ولكن عندما احتل الأميركان أفغانستان لم يخرج أحد ينادي بصراخ "واأفغانستاه"، لماذا ؟؟ لأن اليمين الديني النفطي دائماً ما يتعاون في الدول الرأسمالية التي تحمي شرعيه حّكامهم...

ولذا نعتبر إيران حاربت العالم بأسره، وخرجت من الحرب غير مدينة لأية دولة أو بنك في العالم بدولار واحد، رغم أنها وخلال الحرب أسّست المقاومة الإسلامية في لبنان، وساعدت المقاومة في فلسطين، وساعدت أهل البوسنة والهرسك، ثم ثبّتت أركان الدولة الإيرانية، ولكن صدّام حسين خرج منها مديناً للجميع، وعندها احتلّ الكويت في كارثة جديدة تُضاف لمآسيه ومآسي المنطقية كلها.

وبعد حرب الثمان سنوات ظلّ الحصار مفروضاً حتى اليوم على إيران، وخلال الفترة من عام 1990 – 2015 تمكّنت إيران من الاكتفاء الذاتي اقتصادياً، رغم كل الضغوط والحصار، كما أسّست صناعة تكنولوجية عالية المستوى، أسّست لصناعة عسكرية مُتمرّسة، وأنتجت قطع الغيار بإمكانيات محلية، وطائرات من دون طيّار وأسطولاً يجوب بحار العالم، هذا بالإضافة للبرنامج النووي الإيراني، وقد حدث هذا خلال فترة وجيزة في عُمر الشعوب، رغم الحصار الدائم الممتد .

لنا أن نذكر أن أميركا والصهيونية والسعودية جاهدوا من أجل إسقاط النظام الشرعي السوري المتمثّل بالرئيس بشّار الأسد، فساعدت السعودية داعش بالمال، والأميركان ساعدوها بالسلاح، ومعهم مال يقولون عنها معارضة مسلحة، كما تدخّلت الفتوى الدينية في التمهيد للحرب الطائفية في سوريا، فظهرت فتاوى تصف الحرب بأنها بين أهل السنّة وبين العلويين الروافض، كل هذا من أجل إسقاط سوريا ومعها إيران، وهو نفس ما يحدث من عدوان سعودي أميركي صهيوني على اليمن، كله من أجل حصار إيران وإشعال نار الفتنة في المنطقة، رغم أن أكثر ما تتهدّد هي الدول الخليجية، التي لا تُعتبر دولاً راسِخة، فيمكن سقوطها لو حدثت حرب في المنطقة، هي حرب مفروضة ولكنها مرفوضة، مرفوضة في ضمائر العالم الحيّة، ولكنها مفروضة من قوى الشر الاستكباري الصهيوني..

وفي كل الحالات لو حدثت حرب مفروضة على إيران، أعتقد أن النصر سيكون لإيران، أولاً لجاهزيّتها العسكرية والروحية في النصر على العالم الذي يريد راحة سلم واحدة في أتون عواصف الأسلحة والصواريخ ضدنا، وسوف يعارض بعض نشطاء أوروبيين، ولكنه مثل صياح الدِيَكة.... وخلاصة القول إن حصار الجمهورية الإسلامية اليوم يختلف عن المرات العديدة الممتدة، فالدولة ثابتة الأركان، واثقة من قدراتها، لديها أسلحة تردّ العدوان، والأهم لها رصيد من الحصار الظالم في الزمن القريب، وانتصرت عليه، بالتعامل العلمي البحت، وكذلك بوحدة الشعب الإيراني، الذين يحاولون تفرقته، فشلوا من قبل وسيفشلون من بعد، وتلك حقائق وليست أمنيات بطبيعة الحال، فالنصر للمؤمن القوي الذي يأخذ بالأسباب، وإن غداً لناظره قريب..

لي أبو الخير كاتب مصري.

قراءة 1123 مرة