نهاية حلم السلام في أرض الزيتون

قيم هذا المقال
(0 صوت)
نهاية حلم السلام في أرض الزيتون

تستمر مغامرة إكمال لغز "صفقة القرن" مع وضع القطع الأخيرة في مكانها حيث تتضح مخاطر هذا المخطط المعادي للفلسطينيين أكثر فأكثر، إلا أن أحدث قطعة من هذا اللغز مكّنت من فكّ شيفرة المشروع النهائي بشكل كبير، وهو إقرار قانون "الدولة القومية اليهودية" في الكنيست خلال الأيام الماضية، ولقد تم إقرار القانون الجديد في 19 يوليو 2018 بأغلبية 62 صوتاً ومخالفة 55 صوتاً من إجمالي 120 مقعداً في الكنيست. وكان مشروع القانون الذي تمت الموافقة عليه في 10 مايو 2017 بأغلبية 48 صوتاً من أعضاء التحالف الحكومي ومخالفة 41 صوتاً في البداية، محاولة بدأها الجناح اليميني الصهيوني في عام 2011 من أجل "تكريس اليهودية"، وفي النهاية وبعد مرور 7 سنوات تمكّنوا من تمرير القانون في الكنيست.

في النسخة الأولية لقانون "الدولة اليهودية القومية" كان بإمكان مجالس المستوطنات والمناطق اليهودية منع توطين العرب وغيرهم في هذه المستوطنات من أجل "حفظ وحدتها"، وقد واجه هذا المبدأ والمبادئ الأخرى منذ البداية معارضة قوية حتى من قبل رئيس الجمهورية والمدعي العام للكيان الصهيوني، كما أن العرب الذين يسكنون في المناطق المحتلة الخاضعة لسيطرة هذا الكيان يعارضون بشدة هذا المبدأ ما أدّى إلى إجراء بعض التعديلات في النسخة النهائية للتصديق عليها في الكنيست.

وتعتبر الحكومة توسيع الأجزاء اليهودية في النسخة المُصوّت عليها "قيمة وطنية" يجب تعزيزها كذلك يضمن قانون "الدولة اليهودية القومية" "حق جميع اليهود في العالم بالهجرة إلى إسرائيل والحصول على التبعية الإسرائيلية"، وكذلك "تعزيز علاقات إسرائيل مع يهود العالم" و"الحفاظ على التراث الثقافي واليهودي والتاريخي للأمة اليهودية في العالم".

ومن ناحية أخرى، تعتبر القدس كلها بموجب القانون ملكية يهودية يجب أن تكون بالكامل تحت سيطرة الكيان الصهيوني، وستكون اللغة العبرية هي اللغة الرسمية الوحيدة، وتوضّح البنود المهمة في هذا القانون بداية عهد جديد في الكيان الصهيوني يقوم على إعطاء الأولوية للشعب اليهودي على جميع القيم المُسماة بالديمقراطية، ويبين هذا القانون الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني وسياسييه الذين لبسوا على مرّ السنين نقاب الديمقراطية على وجوههم، ومع ذلك ما يطرح نفسه حالياً هو تأثير قانون "الدولة اليهودية" على وضع الفلسطينيين وكيف سينتهي الأمر بعقود طويلة بين الكيان الصهيوني والمسلمين في الأراضي المحتلة ردّاً على هذا السؤال المهم يمكننا أن نذكر ثلاثة تأثيرات مهمة.

ضياع الآمال الواهية للصلح وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى موطنهم الأساسي

أهم تبعات سنّ قانون "الدولة اليهودية القومية" يمكن مشاهدتها في القضاء على عقود طويلة من الأمل في المصالحة والسلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، وفي الواقع بعد إقرار هذا القانون خاب ظن جميع الحركات السياسية وحتى الشخصيات السياسية العربية في البرلمان والحكومة الصهيونية بمستقبل السلام والتطورات المستقبلية في الكيان الصهيوني، وتحدثوا بصراحة عن عنصرية القانون.

وفي السياق ذاته، اتضح أيضاً أن النواب الفلسطينيين العرب في البرلمان الإسرائيلي الذين كانوا من أشدّ المعارضين لهذا القانون رأوا في التصويت على القانون "موت الديمقراطية وظهور العنصرية ضد غير اليهود"، وقد بادروا في خطوة رمزية بتمزيق مشروع القانون وهددوا بالاستقالة وإسقاط حكومة نتنياهو.

ومن ناحية أخرى، فإن إقرار القانون يضفي الشرعية على عنصرية الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين وسيوقف قضية عودة النازحين التي طُرحت في جميع المفاوضات منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948، بل يمكن القول أيضاً إن مبادئ بعض التيارات المُصلحة ستكون طي النسيان فإذا كان هناك القليل من الأمل في الماضي من أجل عودة النازحين وعملية السلام، فقد أصبحت هذه القضية الآن تحت ظل التمييز العرقي والعنصري للكيان الصهيوني.

تكريس العنصرية في الكيان الصهيوني

من التبعات الأخرى في سنّ قانون "الدولة اليهودية" هو تكريس الفصل العنصري في الأراضي المحتلة، وفي الواقع هناك مليون و800 فلسطيني، بمن في ذلك العرب الفلسطينيون والمسيحيون والدروز والشركس واتباع الأحمدية والعرب في البادية في الأراضي المحتلة، وهم يمثلون 21٪ من مجموع السكان البالغ 9 ملايين نسمة في حين يشكّل العرب الإسرائيليون 17.5٪ من السكان، والآن بموجب القانون الجديد سيتم التخلي عن اللغة العربية التي كانت من قبل واحدة من اللغات الرسمية في الكيان الصهيوني، وستحلّ محلّها اللغة العبرية حصراً، إضافة إلى ذلك، فإن فكرة الأمة والدولة الواحدة القائمة على تفضيل اليهود على الشعوب هي بوضوح تمييز عنصري عظيم في تل أبيب ضد غير اليهود، وفي المستقبل يمكن أن تشكّل ظلماً أكبر للأقليات.

انتهاء مشروع "قيام دولتين" وتجلّي الخيانة في محادثات السلام

إن من عواقب قانون "الدولة اليهودية القومية" الإعلان عن انتهاء مشروع قيام الدولتين بناءً على الاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وبموجب القانون الجديد فإن مدينة القدس بالكامل (غير مقسّمة إلى أجزاء شرقية وغربية) ستكون عاصمة الكيان الصهيوني، وسيكون لليهود الحق في إنشاء أماكن خاصة بهم في المدينة.

في حقيقة الأمر تم تمرير القانون في ظروف جعلت من إنشاء دولتين أمراً مستحيلاً إلى حد كبير بسب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومع إقرار القانون الجديد في الكنيست يمكن التعبير عن نهاية قيام الدولتين، وبعد كل المجريات يمكن الآن التحدث بملء الفم عن خيانة أمريكا وبعض الدول العربية، والتي نتيجة لدعمها تل أبيب، وفّرت الأساس لإقرار مثل هذا القانون المناهض لحقوق الإنسان والمخالف للقوانين الدولية.

قراءة 1229 مرة