- يعدّ الهجوم السريع والمفاجئ على الأهداف ذات القيمة العالية، خاصة في الحالات التي يكون فيها الوقت محدوداً وضيقاً، من أهم القضايا الاستراتيجية بالنسبة للخبراء والمصممين العسكريين، وذلك لأنه في كثير من الحالات، يجب ضرب قافلة عسكرية أو اجتماع لقادة سياسيين أو عسكريين أو قيادات رفيعة المستوى أو زورق حربي أو طائرة عسكرية معينة أو شخص معين يعبر من نقطة معينة أو موجود في موقع معين، وتدميره في الوقت المناسب وهذه الهجمات على مثل هذه الأهداف، خاصة في قضايا مكافحة الإرهاب، تعدّ قضية معقدة جداً بالنسبة للخبراء والمصممين العسكريين وكان يعتبر استخدام الطائرات القتالية ذات الطيار الواحد خياراً شائعاً للقيام بهذه الأنواع من الهجمات، ولكن هذه الطريقة كان لها العديد من العيوب والتي من أبرزها عدم الوصول إلى المنطقة المعينة في الوقت المناسب ما قد يؤدي إلى فشل العملية، وإمكانية حدوث تحطّم لتلك الطائرة والقبض على الطيار، وتحوّل ذلك الهجوم إلى فضيحة دولية.
في أعقاب الحرب الباردة، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، واجهت أمريكا ترسانة كبيرة من الأسلحة تمتلكها العديد من الجماعات الإرهابية حول العالم والتي كانت مصممة أصلاً للاستخدام ضد الاتحاد السوفييتي، والآن وفي الفضاء العالمي الجديد، هناك بعض الخطط الجديدة في أذهان المصممين العسكريين الأمريكيين للقضاء على تلك الجماعات الإرهابية ومن أهم تلك الخطط هي "الهجوم العالمي الفوري".
ويذكر العديد من الخبراء العسكريين أن أحد الخيارات الأمريكية خلال الفترة السابقة، كان يتمحور حول استخدام الصواريخ العابرة للقارات " Minuteman" أو الغواصة القاذفة لصواريخ "ترايدنت" النووية والمسلحة ببعض أسلحة الحرب التقليدية، ومن الناحية الفنية، يمكن أن يكون هذا الخيار متاحاً لأمريكا، لكن المشكلة تتمثل في أنه بإطلاق هذا النوع من الصواريخ، فإن الأنظمة التحذيرية في دول مثل الصين وروسيا، قد يتم تنشيطها وهذا قد يسبب نشوب حرب عالمية خاصة وأن تلك الدول لا تملك التكنولوجيا اللازمة لمعرفة طبيعة تلك الصواريخ ولماذا تم إطلاقها ومن أي مصدر انطلقت.
شهدت القوات المسلحة الإيرانية العديد من الحوادث الإرهابية منذ العام الماضي وحتى الآن، ولكنها لم تقف مكتوفة الأيدي بل إنها قامت بالرد ثلاثة مرات، أطلقت خلالها العديد من الصواريخ الباليستية على جماعات داعش الإرهابية في سوريا والانفصاليين الأكراد في شمال العراق ولقد كانت تلك الهجمات أول اختبار عملي للقوات الصاروخية التابعة للحرس الثوري الإيراني وبالطبع، واجه القادة العسكريون الإيرانيون العديد من التحديات عند قيامهم بتلك الهجمات الدقيقة والذكية التي أكدت بما لا يدع مجالاً للشك بأن القوات الإيرانية شهدت تطوراً كبير في مجال التصنيع العسكري.
ومن أبرز التحديات التي واجهت القادة الإيرانيين عند قيامهم بالهجومين الأخيرين على مناطق الإرهابيين في شرق سوريا، كان هناك احتمال وقوع إصابات بين المدنيين، لذا كان من الضروري في البداية تقديم معلومات دقيقة للغاية حول عملية الاستهداف، ومن ثم وجب أن يكون هناك سلاح عالي الدقة، ولهذا تم اختيار استخدام صواريخ من فئة "فاتح 110" فائقة الدقة وبالطبع لقد أثبتت تلك الصواريخ فاعليتها ودقتها العالية عندما تم استخدامها في تلك الهجمات وهنا تذكر العديد من المصادر الإخبارية بأن القوات الإيرانية قامت بشنّ هجومها الأول على أماكن تنظيم داعش الإرهابي القريبة من أماكن تمركز القوات الأمريكية، مستخدمة في ذلك صواريخ من نوع "ذو الفقار" وفي هجومها الثاني قامت القوات الايرانية باستخدام صواريخ من نوع "ذو الفقار" وصواريخ "قيام" المطورة.
وأما بالنسبة للهجمات التي شنتها القوات الإيرانية على الجماعات الإرهابية المتحصنة في مناطق شمال العراق، يجب النظر إلى تلك الهجمات من زاوية أخرى وذلك لأنها أكدت للعالم أجمع بأن الحرس الثوري الإيراني يمتلك في وقتنا الحالي التكنولوجيا الحديثة التي مكنته من تطوير وصناعة صواريخ ذات كفاءة ودقة عالية جداً، حيث إن ذلك الهجوم قد أودى بحياة حوالي 16 من الإرهابيين، وعدد من القادة الكبار في ذلك التنظيم الإرهابي عند عقدهم اجتماعاً في مقر عسكري تابع لهم، وكان من الواضح للحرس الثوري أنه لم يكن هناك سوى القليل من الوقت وفي نفس الوقت، كان المدنيون على مقربة من ذلك المكان، إلا أن الصواريخ الإيرانية "فاتح 100" أثبتت للمرة الثالثة جدارتها ودقتها العالية ولقد أدى جمع القوات الإيرانية بين العمليات الاستخبارات الدقيقة، واستخدامها لصواريخ حربية فائقة الدقة وسريعة وخفيفة الوزن، إلى توجيه ضربات قاتلة ودقيقة للإرهابيين المتمركزين في شمال العراق، ومنعت وقوع أي إصابات بين المدنيين.
بالفعل، من خلال تحليل الثلاث الهجمات التي نفذتها قوات الحرس الثوري الإيراني على الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، يمكن التوصل إلى النتيجة التي تفيد بأن إيران بطريقة ما قامت بإجراء برنامج "الهجوم العالمي الفوري"، الذي لم يستطع الأمريكيون في نهاية المطاف تنفيذه بدرجة تتناسب مع احتياجاتهم الأمنية.