حسب الدراسات لا يمكن اعتبار أن الإرهابيات هن دائماً من الفقيرات مادياً أو الأمّيات بل هن من مستويات تعليمية واقتصادية مختلفة، وكانت النسبة الأكبر من العمليات الإرهابية خصوصاً بالمتعلّمات، كما تشير العرفاوي إلى أنه لا توجد أية أدلّة موثوقة على انتشار ما عُرِف بظاهرة «جهاد النكاح» الذي ذاع عن بعض التونسيات.
تغيّر المشهد العربي عموماً منذ سنة 2011، وتغيّرت معه السياسات والتحالفات وتراجع الأمن وتغيّرت حتى التنظيمات الإرهابية، ذهبت القديمة التي كانت تتّبع أسلوباً كلاسيكياً يقتضي التمركز في دولٍ تعيش فشلاً أمنياً وإقتصادياً واتّخاذها قواعد لمهاجمة دولٍ أخرى، و أتت تنظيمات جديدة أكثر جُرأة مثل ما يُعرَف بتنظيم الدولة الإسلامية والذي سعى إلى إقامة دولة بين العراق وسوريا قبل أن يندثر. قدوم هذه المجموعات الإرهابية الجديدة أحدث تغيّرات كبيرة في العمل الإرهابي، أهمّها الاعتماد على شريحةٍ مجتمعيةٍ جديدةٍ وهي النساء. آخر ضحايا الاستراتيجية الجديدة 20 جريحاً وسط العاصمة تونس بعدما تمكّنت فتاة تبلغ من العُمر 30 سنة من تفجير نفسها قرب حاجز للشرطة، وبغضّ النظر عما شاب هذه العملية من غموضٍ إضافة إلى أنها لاتزال في طور التحقيق، يفيد هذا المعطى بأن التنظيمات الإرهابية لا تزال تعتمد على النساء كعاملٍ مهمٍ لتنفيذ الهجمات الإرهابية إضافة إلى عدّة مهام أخرى.
صباح 29 من تشرين الأول/ أكتوبر تمكّنت فتاة تُدعى "منى قبلة" تبلغ من العُمر 30 عاماً من تفجير نفسها بالقُرب من حاجز للشرطة، خلَّف التفجير 20 جريحاً ومقتل المنفذّة. تفجير إرهابي لأول مرة في الشارع الأكثر رمزيّة لدى التونسيين "شارع الحبيب بورقيبة"، أثار استغراب الجميع حتى أن بعض وسائل الإعلام المحلية قد اختارت التريّث قليلاً قبل نَشْرِ الخبر بعد اكتشاف أن المنفذّ من جنس النساء. أعاد الحادث إلى أذهان الخبراء والمتابعين العلاقة الجديدة التي تطوّرت كثيراً بعد التطوّرات التي عصفت بالمنطقة العربية منذ 8 سنوات بين النساء والإرهاب. لكن ليست هذه المرة الأولى التي تُشارك فيها النساء في عملٍ إرهابي، فقبلها أكثر من 8 نساء كنّ ينتمين لخلية وادي الليل التي خطّطت لعددٍ من العمليات قبل أن يتم الإيقاع بها من قِبَل القوات الخاصة للحرس الوطني.
لم يقتصر التحاق النساء بالجماعات الإرهابية على تونس فقط، بل أن الظاهرة أخذت بُعداً دولياً ليس آخرها ما أثير حول حسناء داعش ذات الـ16 ربيعاً والتي استقطبتها داعشيّة عبر الأنترنت، ومُغنّية الراب البريطانية سالي جونز التي انضمت إلى داعش والتي قُتِلَت بقصفٍ لطائرة أميركية من دون طيّار. أسماء وأمثلة كثيرة عن نساء شاركنا بطُرقٍ مختلفة إما بالدعم أو الإسناد أو جمع التبرّعات أو المشاركة الميدانية في العمليات، أو ما بات يُعرَف بجهاد النكاح وقد صدرت فتاوى من بعض مُنظّري التطرّف في ذلك، ولكن لا توجد وثائق تثبته. هذا التواتر في انضمام النساء أثار شهيّة البحث لدى عددٍ من الخبراء والمتابعين لتسليط الضوء على هذه الظاهرة.
أهم هذه الدراسات دراسة خرجت للنور بعنوان "النساء والإرهاب: دراسة جندرية" للمؤلّفتين الدكتورة أمال القرامي والصحافية منية العرفاوي، والكتاب جاء نتيجة 5 سنوات من البحث والتمحيص. تقول منية العرفاوي في تصريحها "الجزء الذي اشتغلت عليه في الكتاب هو دراسة ميدانية لبورتريهات لتونسيات تورّطن في أعمال إرهابية في تونس أو خارج تونس، دور المرأة في الكتاب لم يقتصر على الفعل الإرهابي فقط أو مَن تورَّطن في هذا الفعل، بل كانت هناك قصص وشهادات لأمّهات وشقيقات وزوجات رجال تورّطوا في الإرهاب وقادوا خلايا وتنظيمات داخل وخارج تونس. شهادات من نساء كن ضحايا للفعل الإرهابي ونظرتهن لهذه القضية ". تصنّف النساء في التنظيمات الإرهابية إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: زوجات العناصر المتطرّفة اللاتي وُجدن قسراً داخل التنظيم وأُجبِرن على تقديم الولاء والطاعة وتقديم خدمات كإيصال الأموال أو نقل الأغراض أو إيجاد ملاذ للمُلاحقين أمنياً. ويُذكَر أن منهنّ مَن لم تكُنّ على عِلم بانتماء أزواجهن.
الصنف الثاني: المقتنعات بالفكر المتطرّف ممَن سعين اختياراً للانتماء للتنظيم، ونَشرْ أفكاره، مثل أسماء البخاري زعيمة مجموعة «شباو» الإرهابية التي نسيت مشاعر الأمومة، ورفضت الاستسلام وتبادلت إطلاق النار مع قوات الأمن، ولم تكتفِ بذلك بل كفرّت زوجها وقائد المجموعة، وأصرّت على القتال إلى آخر رصاصة.
الصنف الثالث: المتعاطفات والمتحمّسات للتنظيم وأفكاره وفي غالب الأحيان تُسند لهن مهمة الاستقطاب وجمع الأموال، وتكمن خطورتهن في صعوبة الكشف عنهُنّ لقدرتهن على نَشْرِ الفكر المتطرّف من دون لفت الانتباه.
تُعتَبر بلاد الرافدين نقطة البداية حيث كانت النساء من منطق "المفعول به" كآلة لإنجاب المقاتلين أو رفيقات المخادِع وشدّ أزر الإرهابيين في المعركة، بعد ذلك خرجت النساء من المخادِع لتقوم بأدوار الإسناد في المرحلة الأولى، ثم تحوّل هذا الإسناد إلى نوعٍ من العمليات الصغيرة كتهريب متفجّرات أو أعمال تجسّس إلى عمليات انتحارية -انغماسية نفّذتها نساء في العراق استعان بهن الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي للتضليل ولنقْص الرجال، ليفتح بذلك باب النفير إلى الجنسين، بعد ذلك أتت مرحلة داعش التي غضّت الطّرف على التأصيل الفكري لمسالة جهاد النساء بالنفس. وأصبحت المرأة مع هذا التنظيم وصلب تنظيمات أخرى مثل أنصار الشريعة المنتشرة في عدّة بلدان وخاصة في تونس، يقمن بأعمال مواجهة مسلّحة أو عمليات انغماسية. وحول كيفية الاستقطاب تقول منية العرفاوي "إن الاستقطاب كان أولاً بالأنترنت كوسيلةٍ أوّليةٍ ورئيسيةٍ ثم الخيمات الدَعوية التي كان يقوم بها تنظيم أنصار الشريعة في سنتي 2011 و2012 هذا من دون إغفال العلاقات الأسرية كعاملٍ مهمٍ في الاستقطاب".
من وجهة نظر أخرى تقول براون كاثرين دكتورة مُتخصّصة في الشؤون الجنسية والجهاد ومكافحة الإرهاب، لصحيفة "ديلي بيست" "إن النساء تنضم إلى الجماعات الإرهابية من أجل مجموعة من الأسباب الشخصية أهمها الشعور بالقوّة وإمكانية التأثير وتغيير الواقع المرير الذي تعيشه المرأة، ومن خلال هذه الأعمال تفكّر إنها قادرة على تغيير الواقع. أما بالنسبة للمنظّمات الإرهابية نفسها، فإن استخدامها للمرأة يعود إلى عدّة أسباب أهمها قدرة المرأة التهرّب بسهولة من إجراءات الكشف والأمن، بالإضافة إلى العامل الإعلامي الذي سيقوم بتضخيم الخبر في حال اكتشاف أن المرأة هي المسؤولة عن العملية والمشاركة فيها. في المقابل وحسب العيّنة التي تناولتها الدراسة والتي تتراوح فيها الأعمار بين 16 و35 سنة من النساء المهاجرات لتنظيم داعش وغيره، كانت العاطفة وابتزاز المشاعر حافِزاً رئيساً لهن، ولم يركّزن أو يسألن أو يتساءلن عن تأصيل شرعي أو ما شابه.
حسب الدراسات لا يمكن اعتبار أن الإرهابيات هن دائماً من الفقيرات مادياً أو الأمّيات بل هن من مستويات تعليمية واقتصادية مختلفة، وكانت النسبة الأكبر من العمليات الإرهابية خصوصاً بالمتعلّمات، كما تشير العرفاوي إلى أنه لا توجد أية أدلّة موثوقة على انتشار ما عُرِف بظاهرة «جهاد النكاح» الذي ذاع عن بعض التونسيات.
لم تكتف داعش باستقطاب النساء فحسب، بل إنها نجحت في تكوين كتائب من الأطفال سمّتهم "أشبال الخلافة" والذين وصفتهم وسائل الإعلام الدولية بالقنابل الموقوتة، وهو ما يعني أن الإرهاب لا يفرّق بين الجنس أو الفئة العُمرية، وتقول العرفاوي إنها من خلال هذه الدراسة تُدافع عن فكرة معيّنة لحماية المجتمع ككل وليس المرأة فحسب، وهو عدم الإطمئنان للحل الأمني الذي يمنحنا مسافة أمان مؤقتة والاشتغال على مشروع وطني يرتكز على إصلاحات تروية في المناهج الدينية والخطاب الديني وله صبغة سوسيولوجية نفسية حضارية.
عبد السلام هرشي، كاتب وصحافي تونسي