دعم مساعي النظام السوري للعودة إلى الجامعة العربية، وبحث الأزمة الليبية، ونزاع الصحراء، أبرز ثلاث ملفات حملتها جولة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى كل من الجزائر والمغرب وتونس، نهاية الأسبوع الماضي، ضمن جهود موسكو للتموقع على الساحة المغاربية.
عشية الجولة، التي بدأها لافروف في الجزائر، الأربعاء الماضي، قالت الخارجية الروسية، في بيان: "نولي أهمية للتحقق المنتظم من مقارباتنا لحل المشاكل الموجودة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء".
وشددت موسكو، على أن "تعميق التنسيق مناسب تماما للمصالح الروسية".
وبلغت المبادلات بين موسكو والجزائر، في 2018، أكثر من 4.5 مليار دولار.
ومقارنة بـ2017، ارتفعت مبادلات روسيا التجارية مع المغرب، في 2018، 17 بالمائة، لتبلغ 1.4 مليار دولار، بحسب البيان.
بينما بلغت مبادلات روسيا مع تونس نحو 760 مليون دولار، في 2018، مقارنة بـ511 مليون دولار، في العام السابق.
** نزاع الصحراء
خلال مؤتمر صحفي مع نظيره المغربي، ناصر بوريطة، في الرباط الجمعة، قال لافروف إن حل نزاع إقليم الصحراء ينبغي أن يتم في إطار قرارات الأمم المتحدة.
وأضاف: "نريد أن نحرز تقدما لحل النزاع الذي طال على أساس التوافق بين الأطراف".
ورأى أن استقرار شمال إفريقيا "لا يمكن أن يتحقق من دون حل نزاع الصحراء سريعا، وتنفيذ كل قرارات مجلس الأمن".
بدأ النزاع حول إقليم الصحراء في 1975، بعد انتهاء الاحتلال الإسباني للمنطقة، ثم تحول إلى حرب بين المغرب وجبهة "البوليساريو" توقفت في 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.
** القمة العربية
في الجزائر، قال لافروف، خلال مؤتمر مع وزير الخارجية عبد القادر مساهل، إن "روسيا والجزائر لهما مواقف متطابقة حول التسوية السياسية وفقا للوائح الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن 2254 (لعام 2015)، واحترام وحدة وسيادة سوريا".
وعبر مساهل، الخميس، عن "مساندة الجزائر لمسار أستانة"، الذي يبحث عن حل سياسي للنزاع السوري، بمشاركة أطراف في مقدمتها روسيا وتركيا وإيران.
أما في تونس، فشدد لافروف، على "ضرورة" عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، مع اقتراب القمة العربية في تونس، مارس/ آذار المقبل.
وقال خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التونسي، خميس الجهيناوي، السبت: "أنا متأكد أن أصدقاءنا التونسيين مهتمين بعودة اللاجئين السوريين الموجودين في تونس إلى بلادهم قريبًا، في إطار تعزيز الموقف الروسي من الأزمة في سوريا".
لكن الجهيناوي، رد بأن قرار "عودة سوريا إلى الجامعة العربية ليس قرارا تونسيا.. هو يهم الجامعة العربية، التي ارتأت في 2011، تعليق عضوية سوريا"؛ احتجاجا على اعتماد النظام السوري الخيار الأمني لقمع احتجاجات شعبية مناهضة له.
وتابع: "وزراء الخارجية العرب سيجتمعون ويقررون ما يريدونه بالنسبة لسوريا، وما يهمنا في تونس؛ أمن سوريا واستقرارها ووحدتها الوطنية".
** الوضع الليبي
نقطة أخرى كانت بارزة في جولة لافروف المغاربية، وهي الأوضاع في ليبيا.
فقبيل الجولة، شدت الخارجية الروسية، في بيان، على أهمية "التعاون مع تونس في السياسة الخارجية، وخاصة للوصول إلى تسوية للوضع الليبي".
وقال لافروف، في تونس، إنه "تم الاتفاق مع الجانب التونسي على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب في ليبيا، سواء على المستوى الثنائي أو مع الأمم المتحدة".
وتعاني ليبيا، منذ سنوات، من صراع على الشرعية والسلطة واقتتال بين كتائب عديدة مسلحة في البلد الغني بالنفط.
** 3 أهداف رئيسية
وفقا للدبلوماسي التونسي السابق، توفيق ونّاس، فإن "الأهداف الثلاث الرئيسية لزيارة لافروف هي طرح المقاربة الروسية لأوضاع ليبيا وسوريا، وكذلك دعم المبادلات الثنائية".
وأضاف ونّاس، للأناضول، أن "روسيا تريد أن تتموقع في المغرب العربي، بعد أن تموقعت في الشرق الأوسط".
وتابع: "الآن توجد معضلة في المغرب العربي، وهي المعضلة الليبية.. البحث عن حلّ تكون فيه روسيا طرف هو من الأهداف الأساسية لزيارة لافروف لدول الجوار، خاصة تونس والجزائر وكذلك المغرب معنية بموضوع ليبيا".
وأردف أن "محاولة المساعدة على استرجاع مقعد سوريا في الجامعة العربية إلى حكومة بشار الأسد، أيضا من الأهداف".
وبشأن النتائج المنتظرة من الجولة، رأى ونّاس، أنها "قد لا تتوصل إلى كل النتائج، لكن على الأقل ستساهم في تحقيقها، فالنتائج المرجوة تأخذ وقتا".
وأضاف بقوله: "الواضح أنه لن يكون هناك حل سياسي في ليبيا وسوريا من دون روسيا".
واعتبر ونّاس، أن "روسيا أصبحت فاعلا مؤثرا في القضايا الدولية عامة، ومنها الوضع في ليبيا ومالي ومكافحة الإرهاب".
** أقرب إلى حفتر
لكن الأستاذ المختص في تاريخ العلاقات الدولية بجامعات تونس وباريس، فرج معتوق، قلل من أهمية التأثير الروسي في المشهد الليبي.
معتوق، قال للأناضول، إن روسيا "تتحسس طريقها في ليبيا، وهي لم تقبل ما وقع في ليبيا من تدمير"، في إشارة إلى التدخل العسكري الغربي للمساعدة على الإطاحة بنظام معمر القذافي (1969- 2011).
وأضاف أن "البلدان الغربية تخوض صراعا من أجل النفط، وقد تجد روسيا نفسها فعلا أقرب إلى (خليفة) حفتر (قائد القوات المسيطرة على شرقي ليبيا)؛ لأنه الأقرب إلى مصر وسوريا".
وتابع: "روسيا خسرت ليبيا، وتحركها بطيء.. الجزائر وتونس ومصر لها حدود مع ليبيا.. استراتيجيا تعتبر الزيارة مهمة (لروسيا) في طريق البحث عن كيفية الدخول إلى ليبيا، البلد الذي خسرته".
** المغرب العربي
روسيا، بحسب معتوق، مهتمة بالشرق الأوسط والمغرب العربي، وخاصة تونس والجزائر.
وتابع أن "المبادلات (التجارية) بين تونس وروسيا ضعيفة؛ لأن 80 بالمائة من مبادلات تونس مع بلدان أوروبية، وهي (تونس) ليست مهمة اقتصاديا كثيرا بالنسبة لروسيا."
ورأى أن "تونس لها رمزية بالنسبة لروسيا، لأنها بلد حقق انتقالا ديمقراطيا سلسا رغم صعوبات جمة، وتعتبر الدولة النموذج، وهي مهمة أيضا لكونها جارة ليبيا وجارة للجزائر الزبون الكبير لروسيا".
وأطاحت ثورة شعبية بالرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي (1987- 2011).
واستطرد أن "الأهمية الأكثر لتونس بالنسبة لسوريا هي أن تونس ستكون في مارس القادم عاصمة القمة العربية، وروسيا منغرسة في الواقع السوري".
وأردف: "من المهم أن تكون عودة سوريا إلى الجامعة من البوابة التونسية.. تونس قطعت علاقاتها (مع نظام الأسد) في عهد الرئيس (التونسي السابق المنصف) المرزوقي (2011- 2014).. والإرهابيون الذين كانوا يقتلون الناس في سوريا معظمهم تونسيون".
وقلل معتوق، من أهمية المبادلات التجارية الممكنة بين روسيا وتونس؛ بسبب "ضعف الإنتاج التونسي المعتمد في أغلبه على البرتقال والتمور وزيت الزيتون".
لكنه قال إن الوجهة السياحية التونسية مهمة للروس "الذين يشكون من البرد.. روسي من كل روسيين اثنين يزور الصحراء.. والسائح الروسي مثقف جدا مقارنة بالسياح الأوروبيين، ويريد مشاهدة الإرث التاريخي الغني جدا، وخاصة الإرث الروماني".
وشدد معتوق، على "ضرورة أن يعمل التونسيون على هذه الوجهة".
وبلغ عدد السائحين الروس في تونس، في 2018، قرابة 600 ألف سائح، بحسب الخارجية الروسية.