ما يرشح عن رغبة ترامب وصقور إدارته بأن تكون فنزويلا مقدمة للسيطرة على أميركا اللاتينية، لا تعوزه تصريحات ترامب وتسريبات بعض المسؤولين الأميركيين، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال". لكن مراهنة ترامب على حلفائه لتحقيق طموحاته بسبب تهدور القوّة الأميركية، تتجاوز قدرتهم على تغيير المعادلات اللاتينية والدولية لمصلحة واشنطن ولا يتطوّعون لحرب طاحنة من أجلها.
عضو مجلس الشيوخ الأميركي من أصل كوبي، ماركو روبيو، نطق بلسان ما يجول في خاطر ترامب لغزو فنزويلا مقدمة لإسقاط كوبا والعودة إلى الحديقة الخلفية في أميركا اللاتينية ابتداء من كاراكاس. لكنه أفصح عن بعض ما يتوجب على ترامب أن يقدّمه كخطوة أولى بعد الاعتراف برئاسة خوان غوايدو منها تزويد غوايدو بملايين الدولارات لشراء الأسلحة وإنشاء جيش من المرتزقة ضد الجيش الفنزويلي ونظام الحكم.
وقد تكون ورقة جون بولتون المكتوب عليها إشارة 5000 جندي هي في هذا السياق، وكذلك إشارة ترامب إلى إمكانية تسليم العائدات النفطية الفنزويلية في أميركا إلى غوايدو.
هذه الإجراءات الموعودة بشأن عائدات النفط الفنزويلي أجرته واشنطن منذ عام 2015 بمصادرة حوالي ثلاث مليارات في أميركا وفي بنك باركليز نتيجة العقوبات الأميركية. وقد اضطرت إلى استمرار شراء حوالي 500 ألف برميل من فنزويلا لأن المصافي الأميركية في خليج المكسيك تعتمد على النفط الفنزويلي الثقيل في مزجه مع الخفيف وفي حال تعرضت عائداتها للمصادرة تقطع فنزويلا الإمدادات تلقائياً ولا تتضرر أكثر مما تتضرر واشنطن. ويبقى الاحتمال مفتوحاً لزيادة الصادرات إلى كل من الهند والصين أكثر من 300 ألف برميل لكل منهما.
وجيش المرتزقة قائم حالياً في كولومبيا يقوم بكل ما يستطيع من التخريب في فنزويلا الذي وصل إلى محاولة اغتيال مادورو. والأكثر خطورة على فنزويلا أن هذا الجيش من المرتزقة يتحكم بالتجارة مع فنزويلا التي تغطي تكاليفها الحكومة الفنزويلية بالعملة الصعبة والسعر الرسمي للدولار، وهو سبب رئيس من أسباب التضخم وانهيار العملة وفساد بعض الفئات الإدارية والحكومية.
ليس بمثل هذه الإجراءات الشاحبة والانتقائية يمكن أن تطمح واشنطن بالسيطرة على فنزويلا وأميركا اللاتينية. فهي منذ ما يُعرف "بعقيدة مونرو" العام 1823 حين رأت أن أميركا الجنوبية ملكاً خاصاً لأميركا، جنّدت أجهزة الدولة والاستخبارات والجيش والميزانيات من أجل هذا المسعى. وقد اعتمدت في كل دولة من أميركا اللاتينية على الجنرالات والميليشيات وآليات دعم لوجستي واستراتيجي.
ولم يعد يوجد من هذه الأساطيل سوى النذر القليل من البقايا في الدول الحليفة لأميركا كالبرازيل والأرجنتين وتشيلي والدول الصغيرة الأخرى وليس في كوبا وفنزويلا والدول البوليفارية.
ما تختاره واشنطن كحصان طروادة في فنزويلا، دليل واضح على عدم عثور ترامب على أحد الجنرالات وأحد الرجال الأقوياء لأن فنزويلا محصّنة من التدخل الأميركي بسبب تجربة طويلة وقرون من العبودية والاستغلال.
وقد تجاوزت أميركا اللاتينية بشكل عام ما يمكن أن يسري بعض الشيء من التضليل في مناطق أخرى بشأن السردية الأميركية للحرية والديمقراطية ومكافحة الاستبداد. فالغالبية العظمى من الفئات التي تحتج على الأزمة الاقتصادية، لا تنطلي عليها المزاعم الأميركية بالتحرر والديمقراطية.
خوان غوايدو الذي وجده مايك بومبيو الأكثر تأهيلاً للانقلاب على مادورو، تمرّس على أيدي مربيه في جامعة جورج تاون في أميركا أن تسليم الثروة النفطية الاحتياطية البالغة 300 مليار برميل إلى الشركات الأميركية، من شأنها أن تؤدي إلى الازدهار إذا أُوكلت إدارتها إلى القطاع الذي يدرّسه خوان غوايدو فيما يسمى مبادرات الأعمال الخاصة. فهو كغيره في هذه المدرسة يعتقد أن نجاح أعمال بعض الفئات المتحكمة بالثروات العامة، حل للأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها غالبية الفئات. وما فات غوايدو في جورج تاون اكتسبه في مجموعة براغ التي تعلّم روادها على "الحسّ الإنساني" في الدفاع عن "إسرائيل" كما عبّر غوايدو لنتنياهو.
الدول الحليفة لواشنطن في أميركا اللاتينية، لا تجد نفسها رأس حربة لتحقيق أحلام ترامب ولا تعوّل على غوايدو. فمجموعة "ليما" المؤلفة من 14 دولة مع كندا والمحسوبة حلفاً أميركياً، أيّدت غوايدو لكنها ترفض أي تدخّل عسكري للإطاحة بالرئيس مادورو بحسب وزير خارجية البيرو ألبيرو نيستور، وبحسب دعوة وزيرة الخارجية الكندية كريستا فريلاند.
وهو الموقف نفسه الذي عبّر عنه البرلمان الأوروبي على الرغم من اعترافه برئاسة غوايدو. والإشارة هي إلى ما سيسفر عنه اجتماع وزراء الخارجية للاتحاد الأوروبي.
في مقابل الحلف الأميركي تعمل المكسيك والأرغواي إلى حوار داخلي كما دعا الرئيس مادورو. ويؤيدهما العديد من الدول اللاتينية كبوليفيا ونيكاراغوا والعديد من الدول المؤثرة كجنوب أفريقيا والهند والصين وإيران وروسيا وتركيا، فما يسعى إليه ترامب في فنزويلا وأميركا اللاتينية تجاوزته المتغيرات والتحوّلات لكنها لم تتجاوز ترامب وصقور إدارته التي تعيش على أمجاد غابرة.
قاسم عز الدين