الاعلان عن انشاء منظومة رادار صاروخیة امیركیة فی مكان سري في قطر، یعد مثالا اخر من اتباع السیاسة الخارجیة الامیركیة لنهج العسكرتاریة وتهدید الامن في المنطقة، وهي السياسة التي تابعتها اميركا في الاعوام الاخيرة بتوسيع قواعدها العسكرية في منطقة الشرق الاوسط خاصة في الخليج الفارسي.
صحيفة 'وول ستريت جورنال' الامريكية ذكرت يوم الثلاثاء 17 يوليو/تموز نقلا عن مسؤولين امريكان بان الولايات المتحدة تبني في دولة قطر موقعا سريا لمحطة رادار للدفاع الصاروخي وتستعد لاجراء مناورات كبری في مياه الخليج الفارسي للتدرب علی ازالة الالغام.
ونقلت الصحيفة عن هؤلاء المسؤولين ان محطة الرادار التي يجري بناؤها ستستكمل 'العمود الفقري' للمنظومة الصاروخية الامريكية الخاصة بالدفاع عن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وحماية حلفاء واشنطن مثل 'اسرائيل' والدول الاوروبية من هجوم صاروخي محتمل.
ووفقا لبعض التقارير فان عدد القوات العسكرية الاميركية في قاعدة العديد والقواعد الاميركية الاخري في دولة قطر يبلغ اكثر من 8 الاف فرد.
ان التواجد العسكري الاميركي في الشرق الاوسط ومنطقة الخليج الفارسي قد ظهر منذ الحرب المفروضة من قبل النظام العراقي السابق ضد الجمهورية الاسلامية وازداد بصورة ملحوظة في حرب الخليج الفارسي ومن ثم تحول في حربي العراق وافغانستان الی ظاهرة عامة. ظاهرة رغم انها تفسر في الاعراف والحقوق الدولية كتهديد لامن الدول الاخری الا انها تعتبر من جانب الولايات المتحدة موضوعا طبيعيا وللحفاظ علي امن المنطقة والعالم.
ورغم ان اميركا تزعم دوما بان ايجاد الامن هو السبب الاهم لتواجدها العسكري في المنطقة الا ان اغلب المحللين يعتبرون مصادر الطاقة الهائلة في منطقة الشرق الاوسط لاسيما في الخليج الفارسي من الاسباب الاساسية لمحاولات اميركا لبسط نفوذها في منطقة الشرق الاوسط.
منطقة الخليج الفارسي بمصاردها الغنية من النفط والغاز تعد من المناطق الجغرافية القليلة التي يمكنها وفقا للتخمينات من توفير ما لا يقل عن 65 بالمائة من الطاقة التي يحتاجها العالم في القرن الحاضر.
ان وجود مصادر النفط والغاز الهائلة في منطقة الشرق الاوسط من جانب والجغرافيا الخاصة لهذه المنطقة والتي توفر امكانية الوصول الي مختلف مناطق العالم بسهولة، من جانب اخر، قد جعلا منطقة الشرق الاوسط والخليج الفارسي محط اهتمام دائم من قبل القوي الطامعة ومن ضمنها اميركا.
ان الميزة الجيوبوليتكية لمنطقة الشرق الاوسط كانت من الماضي الی الان الباعث الاساس بين القوي المهيمنة للتنافس وتوسيع منطقة النفوذ.
استراتيجية توسيع المظلة العسكرية علي جغرافيا الشرق الاوسط والتي تمت متابعتها من جانب اميركا خلال العقود الاخيرة، جرت غالبا لاستغلال الفرص في هذه المنطقة والتفوق علي المنافسين المحتملين. وفي هذه الحال يبدو ان دعم الحلفاء الشرق الاوسطيين والحفاظ علي امنهم لا اهمية له في الاستراتيجية العسكرية الاميركية في الشرق الاوسط.
دعم الحلفاء وتوفير الامن لهم في الشرق الاوسط جری استخدامه علي الدوام كشعار دعائي وفارغ من جانب اميركا لتبرير تواجدها العسكري في المنطقة.
ان اميركا وباستغلال هذا الشعار تمكنت ضمن ايجاد احلام واهية في قلوب بعض دول المنطقة، الاستفادة من الجغرافيا الطبيعية لهذه الدول لانشاء قواعد عسكرية والوصول الي اهدافها السياسية العامة.
ورغم ان القادة الاميركيين يبررون تواجدهم العسكري في اطار التعاون الامني مع حلفاء بلادهم في المنطقة الا ان الابعاد الواسعة لهذا التواجد ترسم المغامرات والعسكرتارية الدولية الاميركية.
نشر القواعد العسكرية الاميركية في اغلب دول حوض الخليج الفارسي وبعض دول اسيا الوسطی والقوقاز يؤشر الي ان اميركا ومن خلال نشر استراتيجية التهديد الامني واستراتيجية العسكرتارية بصدد التحول الي ذراع اقليمية لفرض الضغوط علي دول المنطقة.
ولاميركا في الوقت الحاضر قواعد عسكرية جوية وبحرية متطورة في دول مثل قطر والبحرين والكويت والامارات العربية المتحدة والعراق والسعودية وعمان وتركيا وافغانستان وباكستان وقرغيزيا.
وفي هذا الخضم فان القواعد العسكرية الموجودة في البحرين وقطر وتركيا تحظی باهمية كبيرة نظرا لاتساعها والمعدات المتطورة المزودة بها.
تقوية الاستراتيجية العسكرية في الشرق الاوسط من جانب حكومة اوباما
تسعی اميركا بعد الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي لاداء الدور كقوة متفوقة في الساحة الدولية وتوسيع هيمنتها عبر استخدام قوتها العسكرية في مختلف انحاء العالم.
الاجراءات التدخلية للرؤساء الاميركيين في منطقة الشرق الاوسط بعد الحرب الباردة يمكن تحليلها في هذا الاطار ايضا.
الهجوم العسكري الاميركي علی افغانستان في العام 2001 وعلي العراق في العام 2003 والذي جری بذريعة مكافحة الارهاب وتوفير الامن في عهد رئاسة جورج بوش يمثل ذروة الاستراتيجية العسكرية الاميركية في منطقة الشرق الاوسط.
منذ ذلك الوقت ولحد الان تعزز اميركا كل عام حجم تواجدها العسكري والاستراتيجي في الشرق الاوسط.
ان اقامة القواعد العسكرية الاميركية في المنطقة وتوسيعها المتزايد يوما بعد يوم لاسيما تلك التي توضع من قبل الدول العربية في حوض الخليج الفارسي تحت تصرف اميركا من شانها ان تضيق دائرة الامن في المنطقة فضلا عن انها تعرض امن دول المنطقة للخطر.
عل سبيل المثال، فان الاجتياح الاميركي للعراق وافغانستان لم يؤد الی ايجاد الامن والاستقرار والهدوء في هذين البلدين، ولم يخلف وراءه سوي المجازر والدمار.
المحللون الاستراتيجيون يعتبرون الاستراتيجية الهجومية الاميركية في الشرق الاوسط نهجا جديدا اتخذته اميركا للوصول الي اهدافها الاقتصادية والامنية والاستراتيجية بعيدة المدی في المنطقة.
الرئيس الديمقراطي الاميركي الراهن باراك اوباما ورغم انه تحدث في بداية حضوره في الساحة السياسية الاميركية بلهجة اكثر هدوءا من سلفه الرئيس السابق فيما يتعلق بقضايا الشرق الاوسط، قد اثبت بادائه الان بانه سائر علی خطي استراتيجية وسياسة سلفه في المنطقة. انه ومنذ بداية رئاسة باراك اوباما حتی الان يتزايد النفوذ العسكري الاميركي في منطقة الشرق الاوسط شيئا فشيئا وبصورة طفيلية.
وزاد اوباما من عديد القوات العسكرية الاميركية في افغانستان من 2 الفا الي 68 الفا اي انه ضاعف من عدد هذه القوات.
وكان الرئيس الاميركي قد اعلن اخيرا وفي منتصف كانون الثاني من العام الجاري 2012 استراتيجية التدخل العسكري الجديدة تحت عنوان 'مراجعة الاستراتيجية الدفاعية' (Defense Strategy Review). وتتضمن هذه الاستراتيجية امكانية زيادة التواجد العسكري الاميركي في اسيا وهي في الواقع رد فعل علی تعاظم القوة العسكرية للصين وايران. كما تتضمن الاستراتيجية ايضا خفض عدد القوات الاميركية في اوروبا، وهذا امر يمكن اعتباره انعكاسا للانخفاض الملحوظ في الميزانية العسكرية الاميركية.
الحصيلة
رغم ان اميركا سعت خلال العقود الاخيرة عبر فرض الضغوط وبسط القوة العسكرية في الشرق الاوسط خاصة في منطقة الخليج الفارسي، لتوفير مصالحها الاستراتيجية لكنها انفقت في هذا المسار اثمانا باهظة ايضا.
ان الراي العام في اميركا لا يرغب بمغامرات حكومته في مختلف مناطق العالم ومن ضمنها الشرق الاوسط. فالشعب الاميركي يری بان تخصيص الحكومة ميزانية مالية ضخمة لادارة انشطتها العسكرية في الشرق الاوسط قد وضع عبئا اقتصاديا كبيرا علی كاهله. الا انه وعلی العكس من رغبة الشعب الاميركي ليست الحكومة مستعدة حتی في الظروف الاقتصادية السيئة للتراجع عن سياستها التدخلية والمهددة لامنها في الشرق الاوسط.
ان استخدام اميركا لسبل مثل خفض الميزانية العسكرية في اوروبا ووضعها بدلا عن ذلك في اسيا ومنطقة الشرق الاوسط، يشير الی ان اميركا مازالت تفضل متابعة اهدافها في هذه المنطقة.
استراتيجية اميركا العسكرية الجديدة وضمن انها تعكس الاهداف والاولويات الامنية والعسكرية الاميركية في القرن الحاضر فانها واقعة الی حد كبير تحت تاثير مسالة انخفاض الميزانية العسكرية.
ورغم ان اميركا تعتبر نفسها قوية جدا الی الان ولكن نظرا لهزيمتها في العراق ومن ثم في افغانستان وضغوط الديون المتراكمة عليها منذ العقد الماضي واستمرار الازمة الاقتصادية التي عصفت بها في العامين 2007 و 2008 وظهور لاعبين جدد اقوی ومستقلين فان واشنطن ستشهد انخفاض قدرتها في زعامة الانظمة الامنية والاقتصادية في مختلف انحاء العالم.