طهران تستعد لتغيير قواعد الاشتباك!

قيم هذا المقال
(0 صوت)

لن يكون أي طرف من الأطراف المؤتلفة حالياً أو المتحالفة فيما بينها ضد محور المقاومة مستثنى من رد الفعل الإيراني القاطع والحازم أياً تكن علاقته الحالية مع طهران!

عندما يعلن مستشار المرشد الأعلى والقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية الإمام السيد علي خامنئي في الحرس الثوري يد الله جواني أن قوات بلاده قادرة على تدمير قواعد العدو خلال وقت قصير في حال تم استهدافها ويحذر من سماهم بأعداء إيران من ارتكاب أي خطأ مؤكدا أن القوات العسكرية الإيرانية على أتم الاستعداد لتنفيذ رد ساحق وحاسم قائلا: «إن مناورات الرسول الأعظم سبع كانت بمنزلة تحذير صريح للأعداء بألا يرتكبوا أي خطأ في حساباتهم لأن لدينا القدرة، وبسهولة، على استهداف وتدمير كل قواعدهم ومراكزهم الحيوية. وليكن في علمهم أن أي خطأ يمكن أن يتسبب في اندلاع حرب لا طاقة للطرف المقابل على تحمل تبعاتها»، عندها لا يختلف اثنان في طهران على أن ثمة أمر عمليات بات واضحاً ونهائياً على طاولة قادة القوات المسلحة الإيرانية عنوانه الرئيس: الضرب بقوة وحزم بالمستوى نفسه من العدوان وبالحجم نفسه من النيران ليس فقط ضد المصدر الذي أتت منه, بل وضد كل من مهد أو ساعد أو هيأ أو حول سماءه أو بحره أو أرضه مطية للعدو المهاجم, من دون أي استثناء.

صحيح أن رئيس أركان القوات المسلحة الجنرال فيروز آبادي قال مؤخراً: إن إيران لن تغلق مضيق هرمز إلا إذا تعرضت مصالحها لتهديد خطير أو محدق, لكن ذلك لا ينبغي أن يفهم أنه تراجع أو تردد في عزمها على إغلاق هذا المضيق الواقع تحت سيطرتها العقلانية والذكية والحاذقة كما قال المسؤول الإيراني, بل على العكس تماما فإن العزم بات مضاعفاً حسب تسريبات يتم تناقلها هنا في الكواليس مفادها أن تضييق الخناق على صادرات النفط الإيراني بأي شكل من الأشكال قد يشعل حرب ناقلات واشتباك أساطيل ومن النوع الثقيل. نعم لن تكون طهران البادئة بالحرب, لكنها مصممة هذه المرة على أن تنهي الحرب التي قد تشن عليها بالطريقة التي تغير قواعد الحرب والسلام تماماً، بمعنى آخر، لن يكون أي طرف من الأطراف المؤتلفة حاليا أو المتحالفة فيما بينها ضد محور المقاومة مستثنى من رد الفعل الإيراني القاطع والحازم أياً تكن علاقته الحالية مع طهران.

ربط النزاعات أيضا بات أمراً منتهياً منه في أي حرب قد تشن ضد أي طرف من أطراف المحور السابق ذكره.

وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن القيادة الإيرانية العليا سبق أن بعثت برسالة خطية واضحة إلى القيادة الروسية وعادت مؤخراً ولتذكر بها بغدانوف غداة زيارة عنان لطهران بأن أي خوض في مصير الرئيس بشار الأسد يمكن أن يفتح حرباً إقليمية مفتوحة على كل الاحتمالات, وأن على موسكو أن تتنبه جيداً إلى أن الغرب المحتال وحلفاءه الطائفيين والمنافقين من «عرب» وعثمانيين جدد يفكرون في نسخة «سورية» للسيناريو الليبي يتمنون لو أوقعوا في فخها الجانب الروسي ولذلك اقتضى التنبيه والحذر الشديد.

وعليه، فقد بات واضحاً لدى طهران أن محور «إسرائيل» – واشنطن تمدد كثيراً وبات أكثر انكشافا وأكثر وقاحة أيضاً ما يتطلب الاستعداد والجهوزية الكاملة للوقوف إلى جانب سورية كما وقفت طهران إلى جانب حزب الله والمقاومة في حرب الثلاثة والثلاثين يوماً كما صرح أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والإفريقية. ولاسيما أن هذا الغرب المتعجرف تمدد كثيرا حتى صار يلبس لباساً محلياً مرقطاً كأن يظهر باسم الإسلام مرة أو يتقمص لباس العروبة مرة أخرى, وفي الحالين هو ينفذ أجندة واحدة ألا وهي ضرب كل من يرفع صوت التحرر من التبعية والإملاءات القادمة من وراء البحار أو يصر على استقلالية قراره الوطني بعد أن ضاقت عليه الدنيا وباتت خياراته محدودة جدا. وهو صار يدعو علناً لتغيير أنظمة حكم وإسقاط رؤساء دول, وتسليح معارضات وتمويلها، الأمر الذي يغاير كل القوانين والأعراف الدولية في احترام سيادة الدول واستقلالها ووحدة أراضيها, في سابقة خطيرة في العلاقات الدولية لا يمكن تحملها مطلقاً حتى بات النظام العالمي يستعيد مع كل يوم يمر أيام الحرب الباردة الشهيرة بين الشرق والغرب. إنه النفاق الدولي والإقليمي الذي بات مكشوفا للرأي العام ولاسيما بعد أن غدا مترافقاً مع تحريض وقح وغير مسبوق على الإرهاب والقتل على «العمياني» كما يقول المثل الشعبي ونفخ بذور الفتنة بين الأعراق والأديان والطوائف والمذاهب, مع إصرار مضاعف من قبل أرباب العولمة والدين العالمي الجديد حتى الأمس القريب على تحويل بلادنا وأقطارنا ومجتمعاتنا إلى فسيفساء لما تسميه بـ «المكونات» أحياناً و«الكيانات» أحياناً أخرى لا لهدف إلا لتبرير ما لا يمكن تبريره ألا وهو الكيان الصهيوني الدخيل.. لكن هذا الائتلاف الدولي الهش نسي أو إنه يتناسى لغباء مستديم فيه أو تغاب مستجد أنه ولو دارت الدنيا على أمتنا ألف مرة ومرة فإن أحداً، أي أحد، مهما امتلك من أموال أو رفع من شعارات أو تباكى على حريات أو ديمقراطيات فإنه لن يستطيع أن يمرر مشروع تطويب الكيان الصهيوني المصطنع والدخيل والغاصب والمحتل وصاحب الهولوكوست الأكثر وحشية في تاريخ المحارق والمجازر التي ارتكبت ضد البشرية على امتداد التاريخ الإنساني الطويل حتى ولو قرر استخدام كل سبل الحيلة والزيف والخداع.

فالأمة قد استفاقت على هذا الحراك المستقل والرافض لركوب موجاته من قبل أجهزة مخابرات الأميركيين والإسرائيليين ومن يسمون أنفسهم بمعسكر الاعتدال، والاعتدال منهم براء وهو الذي بات يقتل أبناءنا على الهوية. لقد سدت الطرق، كل الطرق، على السيد الأميركي المستعمر، وإمبراطوريته التوسعية باتت غير قابلة للتمدد أكثر مما تمددت وكيانه السرطاني الذي زرعه على ارض أقدس قطعة من عالمنا الإسلامي بات محبوسا في قفص العنصرية لا يستطيع مقاتلتنا إلا من وراء جدر وهو التعبير القرآني الذي يتحقق اليوم على أرض الواقع وميدان المعركة.

هذه هي رؤية المقاومين الصابرين على الفتن المتنقلة لبعض الوقت الإضافي قبل سماع هدير صافرة الحكم من جديد منذرة بتغير قواعد اللعبة والاشتباك, ولكن هذه المرة على غير ما عهدت ساحات الحروب والمعارك.

مرة أخرى من يظن أن روسيا والصين هما رهاننا وأن دول البريكس هي من سيحمي إطار النظام العالمي الجديد هو مخطئ تماماً, فالحالتان هما من نتاج صمودنا نحن دول وقوى محور المقاومة من فلسطين إلى لبنان إلى بلاد الشام إلى إيران الإسلام.. ومن لا يصدق أو يعدّنا نبالغ في حسابات القوة والمقادير فليس أمامه إلا أن ينتظر الحتف المقبل للعدو على يد من بات في يدهم أحسن التدابير.

محمد صادق الحسيني

قراءة 1684 مرة