من محطة تفاوضية الى اخرى تسير طهران وكأنها الحصان الاسود الذي يحدد مسار السباق العالمي المتجه اما الى التفاهمات الجديدة نحو نظام عالمي جديد بالسلم والحوار لا قيام له من دون حساب حجم ايران وسهمها فيه او آخر تسوده الفوضى والاضطرابات كما تتمناه واشنطن وتل ابيب والذي لن تحسم خياراته القاسية على ما يبدو لصالح المروجين له الا بالغلبة على الخصم الايراني العنيد و"دون ذلك فرط القتاد" كما باتت تقر امريكا وتذعن !
اذ وللمرة الثانية خلال ستة اشهر تؤجل القيادة العسكرية الامريكية مناوراتها المشتركة مع القوات الصهيونية بسبب خشية واشنطن من آثار عنيفة على العلاقة مع ايران لا تحمد عقباها في الظروف الراهنة كما تقول صحيفة هآرتس الصهيونية !
حتى شبكة الرادار الاطلسية ودرعها الصاروخي العتيد واللذان سقطا في المياه الاقليمية السورية بنيران ايرانية دقيقة على ما ذكرت تقارير الانباء التي دونت وقائع اصطياد الطائرة المقاتلة – الشبح – التي انطلقت من تركيا لتحربة قدرات الاطلسي في هذا السياق على ما يبدو فاذا بها تصبح مع طياريها طعمة لاسماك القرش السوري الايراني المشترك وهو ما استثمرته موسكو في تحديها المتصاعد للاحادية الامريكية في مؤتمر جنيف !
العدو الصهيوني الذي لا ينفك يحذر من تصاعد الخطر الايراني بدوره يعيش حالة هي الاسوأ على امتداد عمر كيانه فلا هو قادر على التعايش مع حراك عربي كلما تقدم يصب لصالح ايران ويغير من جغرافية المنطقة السياسية بما يضاعف كمن قدرة ايران التفاوضية كما تقول وسائل اعلامه وقياداته ولا هو قادر على ايقاف عجلة التحول والتغيير التي كلما يمر عليها الزمن كلما خلقت "ايرانات جديدة في المنطقة " وآخرها جمهورية مصر الثانية كما يرد في تقارير الاستخبارات الاسرائيلية ما يدفع الامور باتجاه مزيد من عزلة الكيان !
حتى ملف الجرح المفتوح في سوريا والذي ظن خصوم ايران من الغربيين و "العرب المعتدلين " للوهلة الاولى بانها البطن الرخوة الذي من خلاله قد تتاح الفرصة للاطاحة بمشروع المقاومة العربية والاسلامية الذي تتبناه ايران والذي افترض على انه يفضي الى اضعاف لقدرات ايران في المناورة , فانهم باتوا على يقين تام بان لا شئ يمكن حسمه في هذا الملف ما دامت طهران خارج معادلة التفاهم او النزال وهو ما ظهر بوضوح طوال فترة تطبيق خطة انان واثناء المداولات التي رافقت مؤتمر جنيف قبل واثناء وبعد انعقاده !
من جهة اخرى فان المخاصم الامريكي الاشرس لطهران و الذي لا ينفك يتحدث عن وضع كافة خياراته على الطاولة معها كلما تدافعت خيارات الحرب والسلام في المنطقة , بات اليوم الاكثر حرصا واصرارا على ضرورة التهدئة مع العاصمة الايرانية تحت الطاولة كما فوقها , والرسائل السرية والعلنية اليها با لا حرب في الافق معها لا تنقطع !
الزائر او المقيم في العاصمة الايرانية من جهته هو الآخر لا يكاد يلحظ ان شيئا ما في الافق يشي بقرب حصول تطورات خطيرة قد تغير من هذا التقييم !
كما ان لا شئ مطلقا في طهران يوحي بان البلاد في حالة حصار نفطي رغم دخوله حيز التنفيذ كما هو التاريخ المعلن من جانب الاتحاد الاوروبي , بل ان الخبراء هنا يتحدثون عن آثار هذا الحصار وكأن نباله ارتطمت بالحائط او ان خصمهم الغربي رمى آخر طلقة في جعبته وباتت المواجهة بالنقاط في جولتها الاخيرة !
صحيح ان الكل هنا مشغول بالحديث عن حركة سير ارتفاع سعر الدولار التصاعدية , وعن الغلاء المستشري على كل صعيد رغم كل جهود الحكومة للحد منه ومحاولة السيطرة عليه من خلال اجراءات عديدة , لكن الخبراء هنا جميعا الموالون منهم والمعارضون للحكومة يجمعون على ان كل هذا عائد لامرين اولهما الاجواء النفسية و الفضاء الكاذب والمصطنع اللذان يساهمان في هذا الصعود والذي غالبا ما يتبعه هبوط ثم اعادة صعود ويعزون هذا التذبذب في الاسعار اليه , والثاني بان كل ما يجري انما هو في سياق ظاهرة عالمية اذا ما قيست ايران مع جيرانها او حتى مع الدول التي تعتبر نفسها عظمى او متقدمة تظهر وكانها الاقل تأثرا بالتخبط الذي تعيشه كبريات العواصم العالمية .
لكن الصحيح ايضا هو ان الكل يعيش اجواء ما بات يعرف بالاجراءات والاستعدادات لما يسمى هنا ب"المنازلة الكبرى " المحتملة والحديث الدائم عما بات يعرف " بالمنعطف التاريخي الكبير " الذي تمر به المنطقة والذي بات لسان حال كل متحدث في صالون سياسي او رواق او وسيلة اعلامية !
وعليه فان كل سياسي او اعلامي او متتبع او خبير لما يدور من حرب سرية وعلنية مخابراتية كانت ام امنية اعلامية كانت او سياسية ثقافية كانت او اقتصادية صلبة كانت ام ناعمة بين الغرب المتعجرف والمتسلط والمتعالي والمتجبر وبين ايران بات يجزم ان هذه الحروب جميعا انما سببها الاصلي هو موقف ايران المبدئي والاساسي من موضوع المقاومة في المنطقة وتحديدا الموقف من فلسطين , وكل ما عدا ذلك تفاصيل يراد من ورائها حرف الانظار عن البوصلة الحقيقية للصراع !
فايران لمن قد يكون غاب عنه ذلك صاحبة ذلك الشعار الشهير والذي رفعته اول ثورتها وبنت عليه اساس سياساتها الخارجية الا وهو : اليوم ايران وغدا فلسطين .
انه كلام الامام المؤسس الامام الخميني الراحل , والذي تحول اليوم الى كلام اكثر ميدانية وتفصيلا الا وهو : من الآن فصاعدا سنقوم بالاعلان رسميا ودون مواربة عن دعمنا لكل مقاوم او مشروع مقاومة يريد الاشتباك مع العدو الصهيوني كما ورد مؤخرا على لسان السيد القائد الامام الخامنئي .
انه الشعار الترجمة لمقولة عملية لا مفر منها تعيشها امتنا منذ نحو قرن او يزيد الا وهي : اما ان نكون فلسطينيون بالاختيار او ان نصبح فلسطينيون بالاجبار , كما يقول البروفيسور السوري المناضل منير العكش الفاضح للهولوكوست الامريكي ضد ما يعرفون بالهنود الحمر وهو النسخة الاصلية للهولوكوست الصهيوني للفلسطينيين .