يجمع المسلمون أن أكبر مهام رسول الله - صلى الله عليه وآله - تمثلت في إقامة مجتمع إسلامي خاضع لحاكمية الله… رافض لحاكمية الطاغوت… بل إن هذه مهمة جميع الأنبياء، مع فارق أن الرسالة الخاتمة وضعت الأسس العامة لتحقيق هذه الحاكمية بشكل شامل ومستمر… شامل لكل مجالات الحياة، ومستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
من هنا فإن الأمة المسلمة يجب أن تسعى دائما لإقامة حاكمية الله في الأرض ورفض حكومة الطاغوت، وإن أقامتها تتحمل مسؤولية الدفاع عنها وصيانتها وتثبيت شوكتها.
بعد عصر الغزو الاستعماري، سقط العالم الإسلامي فريسة بيد أعدائه، فمزقوه شر ممزق، واستهانوا بكرامته وسحقوا مقدساته، وفرضوا وجودهم وحاكميتهم في الحقل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، حتى دب اليأس في كثير من النفوس بشأن عودة العزة الإسلاميّة، وغمرت الشكوك الأذهان في إمكان دخول الإسلام ثانية ساحة الحياة البشرية.
في هذا الجو المدلهم المفعم باليأس والقنوط تحرك شعب بقيادة فقيه ثائر ذائب في ذات الله فأقام دولة الإسلام في إيران.
لئن اختلف آراء الأنصار والأعداء في هذه الدولة فانهم لا يختلفون في إصرار قيادتها وقاعدتها على تطبيق أحكام القرآن والسنة على أساس من الاجتهاد المنفتح والأصيل.
ولا يختلفون أن كل ما واجهته هذه الدولة من عداء إنما هو بسبب هذا الإصرار على صعيد المناهج الداخلية والمواقف الدولية، وقد دفعت في سبيل ذلك ثمنا باهظا في الأموال والأرواح.
لا نريد أن نثني ونمدح، فليست هذه مهمة (رسالة التقريب)، بل نريد أن نشير إلى إحدى محاور الحرب الهوجاء الضروس التي أضرمت ضد هذا الوجود الإسلامي الكبير، هو المحور الطائفي.
لقد حاولت هذه الدولة وتحاول إقامة مجتمع تخلو ظواهره من الفسق والفجور والخمر والميسر والسفور… وهي محاولات تثلج صدر كل مسلم، شيعيا كان أم سنيا.
وتسعى في الحقل التشريعي لتطبيق القرآن والسنة في جميع مجالات التشريع، وهذا مطلب إسلامي جاهد من أجله كل المسلمين المخلصين على اختلاف مذاهبهم.
وتبذل الجهد في حقل الاقتصاد للقضاء على الربا والاحتكار والثراء الحرام، وهو هدف إسلامي لا يختلف فيه الإسلاميون بمختلف مذاهبهم.
وتتخذ على الساحة الدولية مواقف كلفتها الكثير - كما قلنا - للدفاع عن كرامة المسلمين وعزتهم وحقوقهم لا فرق في ذلك بين سنة وشيعة. وهو ما لا يخفى على أدنى متابع لقضايا فلسطين، ولبنان، والبوسنة، وكشمير، والشيشان، والجزائر وغيرها من قضايا عالمنا الإسلامي.
ولو واصلنا عرض المجالات التي دخلتها محاولات الأسلمة من تعليمية وإعلامية وثقافية وغيرها من مجالات الحياة في إيران لاحتاج إلى مؤلفات.
ومع كل هذا التحرك الجبار في وسط كل هذا الركام الهائل من المشاكل والعقبات، نحو الإسلام…تحارب هذه الدولة باسم الطائفية.
ليس من المستغرب أن تشعل نار هذه الحرب الدوائر المتضررة والخائفة المرعوبة من الإسلام، لكن المستغرب أن تساهم فيها رموز طالما تحدثت عن أحلامها وأمانيها في إقامة دولة الإسلام والمجتمع الإسلامي…طالما تحملت في حياتها ما تحملت من أجل العودة الإسلاميّة.
لا نقصد المنتقدين، فمجال انتقاد النقائص سوف يبقى ما دامت القيادة غير معصومة… ولكن نقصد المهاجمين الذين لا يرون شيئا إلاّ من خلال ضباب كثيف كونته الطائفية والهزيمة النفسية التي خلقها إعلام المستكبرين.
ليس من الضروري أن يكون التحامل الطائفي بالاتهام والانتقاص فحسب، بل قد يكون أيضاً بتجاهل هذه الظاهرة الإسلاميّة الكبرى تماما، والسكوت عن التحدث بشأنها حتى حينما يدور الحديث حول الصحوة الإسلاميّة المعاصرة.
لا شك أن المعول الطائفي أسوأ ما أضر بعطاء الدولة الإسلاميّة المباركة على صعيد العالم الإسلامي، وسيبقى هذا المعول يخرب ويهدم حتى ترتفع الحالة النفسية لدى أبناء المذاهب الإسلاميّة المختلفة إلى مستوى أهدافهم الرسالية. وهذا الارتفاع هو هدف التقريب و (رسالة التقريب(