السعودية والمغرب.. اختلاف الرؤى ونقطة اللا عودة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
السعودية والمغرب.. اختلاف الرؤى ونقطة اللا عودة

أجواء متوترة لا تزال تخيّم على العلاقات السعودية - المغربية بعد سلسلة الاستفزازات التي قامت بها السعودية تجاه المغرب، ما أجبر الأخيرة على اتخاذ مجموعة مواقف كان من شأنها أن توصل العلاقة بين الطرفين إلى طرق مسدودة في كثير من الأماكن، وحالياً تحاول السعودية جذب المغرب إلى صفها من جديد إلا أن المغرب لا يبدو حاضراً للعودة بهذه البساطة، وما رفض الملك المغربي محمد السادس حضور القمة العربية الطارئة التي دعا إليها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلا خير دليل على ذلك.

يمكن اعتبار إرسال الملك محمد السادس شقيقه الأمير مولاي رشيد ليمثله في القمة العربية الـ31 الطارئة التي دعا إليها الملك السعودي، خطوة جيدة نحو فتح المغرب ذراعيه مرة أخرى للسعودية التي كانت تربطها بها علاقات متينة على جميع الأصعدة، ولكن من يضمن أن يعاود ولي العهد السعودي استفزاز المغرب بملف جديد يعيد العلاقات إلى نقطة الصفر.

المرحلة الذهبية

هناك استثمارات كبيرة تقوم بها السعودية في المغرب بالإضافة إلى صلة القرابة بين ملك المغرب والملك السعودي، فمن ناحية الاستثمارات، فقد زاد حجمها كثيراً بعد بداية ما يسمى بثورات "الربيع العربي" التي كان يخشى منها ملوك العرب لذلك دعا مجلس التعاون الخليجي المغربَ والأردنَ إلى الانضمام لكتلته الإقليمية لتمتين الدعم للأنظمة الملكية مع انتشار الاحتجاجات في أنحاء المنطقة، ومن هنا بدأ سيل الاستثمارات يغدق على المغرب وبدأت العقود التجارية تتزايد بين البلدين، وازداد أيضاً التعاون العسكري والدفاعي كثيراً بعد أن وقّعت القوّات المسلّحة الملكية المغربية والقوّات المسلّحة السعودية على اتّفاقيات أفضت إلى استثمارات سعودية بقيمة 22 مليار دولار أمريكي في القوّات العسكرية المغربية.

فالسعودية شريك تجاري لا غنى عنه للمغرب، إذ تذهب 49 بالمئة من صادرات الرباط لدول مجلس التعاون الخليجي، كما أن 79 بالمئة من واردات المغرب من دول المجلس تأتي من السعودية، وذلك طبقاً لإحصاءات العام 2015.

وبين البلدين اتفاقات اقتصادية ومشاريع بملايين الدولارات، فالسعودية الشريك السادس للمغرب تجارياً والثالث استثمارياً، كما تستثمر الرياض في أكبر مشروع في العالم لتوليد الطاقة الشمسية بالمغرب، ومشروع آخر لدعم القطاع الصناعي بقيمة 500 مليون دولار، إضافة لعشرات الشركات المشتركة بين البلدين، ويرتبط البلدان أيضا بخط بحري مباشر من طنجة إلى جدة لا يزال قيد التنفيذ.

ومن ناحية القرابة فإن نسيبي الملك المغربي محمّد السادس، مولاي هشام ومولاي إسماعيل، هما نسيبا الأمير السعودي الوليد بن طلال، أحد أثرى رجال الأعمال في العالم.

وتمتلك العائلة الملكية السعودية عدداً من القصور في أنحاء المغرب، وتلقّت العائلات الملكية السعودية الزيارات بغية الأعمال والاستجمام لعقود كثيرة، فأفيد مثلاً أنّ الملك سلمان أنفق 100 مليون دولار أمريكي على عطلته الصيفية المغربية في العام 2017.

الأزمة الخليجية ونقطة الانعطاف

ما إن بدأت الأزمة الخليجية في مطلع صيف العام 2017 حتى بدأت العلاقات السعودية المغربية تشهد فتوراً ملحوظاً سببه عدم رغبة المغرب بالانجرار إلى معسكر السعودية والمشاركة في حصار قطر، وعلى هذا الأساس بقي الملك المغربي يحافظ على علاقته مع جميع دول مجلس التعاون، وهذا الأمر لم يعجب الأمير الشاب محمد بن سلمان، ومن هنا بدأت حملة الاستفزازات السعودية.

البداية كانت عبر كأس العالم حيث رفضت السعودية التصويت لمصلحة المغرب لاستضافة كأس العالم في العام 2026 وأعطت صوتها حينها لأمريكا، الأمر الذي أغضب المغرب، ودفعه لرفض استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال جولته حول العالم العربي عقب اغتيال خاشقجي كما رفض الملك محمد السادس دعوةً للقائه، وأكثر من ذلك قررت المغرب الانسحاب من تحالف السعودية في اليمن.

وأخبر وزير الخارجية المغربي بوريطة قناةَ الجزيرة أنّ المغرب يعيد تقييم مشاركته في حرب اليمن، مسلّطاً الضوء على الوضع الإنساني، ثمّ برزت تقارير بعد أسبوعَين بأنّ المغرب أنهى مشاركته في التحالف بقيادة السعودية، ولعلّ هذا الإعلان أحبط السعوديين (وليس لأنّه نوقش على قناة الجزيرة في قطر فحسب)، لكن لم يكن من المفترض به أن يفاجئهم، ففيما كان المغرب من أولى الدول التي دعمت التحالف بقيادة سعودية في العام 2015، خفّف تدريجياً من دعمه العسكري مع استمرار الحرب.

الاستفزاز الآخر جاء عبر بث قناة العربية المحسوبة على النظام السعودي لتقرير يتحدّث عن غزو المغرب للصحراء الغربية، ويُعَد هذا تجاوزاً لخطٍّ أحمر كبير بالنسبة للرباط، التي سرعان ما استدعت السفيرين المغربيين من الإمارات والسعودية.

وفي الشهر نفسه، انسحب المغرب رسمياً من التحالف الذي يقاتل باليمن، وسط انتقادٍ دولي ومحلّي متصاعد لتلك الحرب، ومع أنَّ مساهمات الرباط بالتحالف كانت ضئيلة منذ انسحاب مقاتلاتها عام 2018، كانت الخطوة مهمة سياسياً.

وبحسب موقع Lobe Log الأمريكي فإنه على الرغم من الإشارات المتكررة إلى أنَّ الملك محمد السادس كان من المقرر أن يزور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بالرياض في نهاية نيسان 2019، فإن تلك الزيارة لم تحدث، في إشارة جديدة إلى التوتُّرات المتصاعدة بين المملكتين.

وسبق هذا الأمر اتصال هاتفي بين الملك المغربي وملك السعودية وتوقّع الجميع أن تشهد العلاقات تحسّناً كبيراً، وبحسب الوكالة السعودية الرسمية للأنباء (واس)، حينها فقد أكد العاهلان السعودي، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والمغربي محمد السادس حينها "حرصهما على تعزيز وتطوير العلاقات بين بلديهما في كل المجالات".

ولكن بعد أسبوع من المكالمة الهاتفية، قال وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة في مؤتمر صحفي: مستعدون في جميع الحالات للاستمرار بالتنسيق مع الدول الخليجية خاصة السعودية والإمارات، لكن الرغبة يجب أن تكون من الجانبين، وليست حسب الطلب".

وأضاف: "قد لا نتفق على كل شيء، ربما هناك اختلاف في الرؤى في بعض النقاط، لأن السياسة الخارجية هي سياسة سيادية"، واعتبر أن "الحفاظ والحرص على هذا التنسيق من الجانبين، وفي حال انعدام ذلك، فمن الطبيعي عدم استثناء البحث عن بدائل أخرى".

المصدر:الوقت

قراءة 1215 مرة