الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يرسم معالم الحرب الكبرى ضد أميركا و"معسكر الحرب" في حال العدوان العسكري على إيران. لكنه ربما يكشف عن بعض المعادلات على مستوى موازين القوى في المنطقة بين محور المقاومة والمحور الأميركي، لردع ترامب وتهديده بخسائر مغامرة تؤدي إلى تدمير القوات والمصالح الأميركية في المنطقة وأثمانها على "إسرائيل" ونظام آل سعود.
في يوم القدس أشار السيد حسن نصر الله إلى "الحرب الكبرى" تلميحاً في سياق حديثه عن المقاومة في غزة. فهي ربما "حرب التحرير الكبرى" تتضمن في إعلان السيد نصر الله أن أي حرب أميركية على إيران يعني أن المنطقة كلها ستشتعل وأن جميع المصالح الأميركية في المنطقة ستباد وأن "إسرائيل" ونظام آل سعود سيدفعان الثمن.
إيران سترد على أي استهداف أميركي، هو أمر محسوم كما أعلنته القيادة الإيرانية، ولاسيما القيادات العسكرية. لكن من الواضح أن هذا الرد لن يكون شكلياً لحفظ ماء الوجه إنما سيكون ردّاً قد يؤدي إلى حرب إقليمية تهز العالم كله. وهي تهز العالم على الأقل في ارتفاع أسعار النفط بشكل خيالي غير مسبوق في التاريخ.
من الواضح أن إيران لن ترد فقط على البوارج الحربية أو حاملات الطائرات، بل سترد على أي موقع ومنصة وقاعدة ومكان وبلد توجد فيها قوات أميركية ومصالح أميركية، وأي وجود أميركي غير عسكري أيضاً.
لكن الأهم، أن هذا الرد سيطال بالضرورة المواقع الأميركية أينما كانت وفي أي بلد كان ولاسيما في الدول الخليجية، ما يؤدي بالضرورة الى أضرار حتمية تصيب الدول الخليجية، طالما تتواجد فيها قواعد عسكرية أميركية وقوات نظامية ومصالح أميركية، وهو أمر غير مسبوق على الإطلاق في المنطقة بلا شك.
الوجود الأميركي العسكري وغير العسكري في العراق وفي"الدول الخليجية" معرّض للإبادة، وفق تعبير السيد نصر الله. وهذه "الإبادة" تدل على تدمير غير مسبوق وأضرار غير مسبوقة تتعرّض لها حلفاء أميركا في الدول الخليجية. وهي أضرار مدمرة تصيب دولاً خليجية بعينها، تعتبرها طهران وحلفاؤها أنها متورطة في العمق بأي خيار حرب أميركية على إيران.
تهديد السيد نصر الله، بأن "إسرائيل" والسعودية ستدفعان الثمن، يدل أن الحرب ستمتد إلى هذين البلدين بلا شك. ويدل أن حلفاء إيران أيضاً قد يدخلون على الخط. فحلفاء إيران في لبنان والعراق وفلسطين واليمن لن يبقوا متفرجين بلا شك على خوض إيران "حرب الدفاع عن الوجود".
لم يعلن السيد نصر الله صراحة أن حزب الله تحديداً سيدخل الحرب مباشرة، لكن سياق كلمته يوحي بذلك بل يؤكده. "فإسرائيل" بالنسبة لإيران وحلفائها في محور المقاومة، هي جزء عضوي في أي حرب أميركية على إيران وهي بالتالي، كما يؤكد السيد نصر الله، ستدفع الثمن وتجري مواجهتها برد عسكري كبير من إيران ومن حلفاء إيران ومن حزب الله تحديداً.
السعودية معرّضة للرد نفسه كما يشير قول السيد نصر الله بأن السعودية سوف تدفع ثمن تحريضها على إيران، وثمن توّرطها في الخطة الأميركية بفرض عقوبات على إيران واستهدافها عسكرياً، ومن ثم شنّ حرب عليها. هي قضية دفاع عن "الوجود". فحلفاء إيران، في دفاعهم لمواجهة فرضية حرب على إيران يدافعون عن وجودهم ووجود قضاياهم.
خوض حرب الوجود يدل على "معركة حرب التحرير الكبرى"، وحديث غير مسبوق في المنطقة على الإطلاق، وغير مسبوق في خطاب حزب الله، والسيد نصر الله خصوصاً. فهو ليس مجرد خطاب شعبي تعبوي من السيد نصر الله لأنصاره ومحور المقاومة. بل هو تهديد صريح بأن حرباً على إيران تعني حرباً مدمرة شاملة، ونقطة على السطر. فالسيد نصر الله يستند إلى قراءة مبنية على دراسات ومعلومات ومعطيات، بأن واشنطن لن تذهب في النهاية إلى خيار الحرب الفعلية لخوفها من التداعيات الخطيرة عليها. كذلك قدم السيد نصر الله لهذا الحسم والقراءة بما قاله إن وضع محور المقاومة هو أقوى من أي وقت مضى، وأن المقاومة هي الأقوى راهناً في تاريخ الصراع العربي ــ الإسرائيلي، وأن المقاومة في لبنان هي الأقوى منذ العام 1948.
المقاومة هي أمام معادلة ردع جديدة ومتقدمة في المنطقة. لقد فرض حزب الله على مدى السنوات الماضية معادلة ردع ناجحة ضد "إسرائيل" منعت حتى الآن من المغامرة بشنّ عدوان على لبنان، وعلى وحزب الله. ففي كلمته يقول السيد نصر الله "إننا نؤكد من جديد على أن أي استهداف إسرائيلي داخل لبنان سيواجه فوراً برد سريع وقوي.." لفرض معادلة ردع جديدة، أصبحت معادلة ردع مع أميركا مباشرة، وليس فقط معادلة ردع مع "إسرائيل".
السيد نصر الله ادخل حزب الله بالتالي في هذه المعادلة الإقليمية ــ الدولية الكبرى، وفي مواجهة أوسع مع أميركا وليس فقط مع "إسرائيل"، ما يدل على تطور وتحول كبير في خطاب حزب الله وأمينه العام هو ببساطة "خيار المواجهة الواسعة الشاملة".
السيد نصر الله عزز هذه المعادلة بكلام مباشر وصريح بشأن الصواريخ الدقيقة فكرّر جازماً بأن المقاومة تملك صواريخ دقيقة قادرة على استهداف أي نقطة في "إسرائيل". لكن السيد نصر الله الذي جزم أيضاً بأن حزب الله لا يملك مصانع لهذه الصواريخ في لبنان حتى الآن، هو قادر على إنشائها فوراً عند الحاجة، وفي هذا الأمر تهديد وإعلان متقدم.
السيد نصر الله لا يتحدث باسمه الشخصي، ولا حتى باسم حزب الله في حديثه عن الإقليم، وفي حديثه عن حرب شاملة ستباد فيها القوات والمصالح الأميركية، بل يتحدث باسم حليفه الأوثق، إيران وحلفائها الأساسيين في المنطقة ومحور المقاومة.
ما سلف، بدا في جوهره مرتبطاً بفلسطين وبصفقة القرن، أي بصفقة يراد منها ليس فقط استهداف القضية الفلسطينية، بل استهداف المنطقة وشعوبها واقتصادها وأمنها من خلال التطبيع الكامل مع "إسرائيل" والتخلي عن فلسطين والقدس. وتزداد أهمية ما أعلنه السيد نصر الله في هذا السياق، أن المقاومة الفلسطينية كانت قد أعلنت مواقف قوية قبل يوم واحد. ولعل من أهمها وضع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة معادلة جديدة: "قصف غزة سيؤدي إلى قصف تل أبيب".
وكذلك معادلة رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، أن علاقات الصداقة والعداء يحكمها الموقف والسلوك تجاه فلسطين والقدس.. فمن هو مع فلسطين والقدس هو "الصديق"، ومن هو ضدها يتخلى عنها، فهو "العدو".. وهي معادلة جديدة ومهمة، وتشكل تغيراً ملموساً في خطاب حماس، لاسيما أن السنوار أوضح أكثر من مرة في كلمته الدور الإيراني الفعلي في التسليح والتمويل.
كلمة السيد نصر الله في "يوم القدس العالمي" تعبّر عن خطوة جديدة متقدمة جداً، من شأنها إبعاد احتمالات الحرب الأميركية، وتجعل من حزب الله قوة إقليمية وركناً أساسياً في محور المقاومة، وفي معادلة الصراع الإقليمي. وهي معادلة ردع جديدة ليس فقط "لإسرائيل"، بل معادلة ردع لأميركا من قبل إيران وحلفائها.
السيد نصر الله يتحدث للمرة الأولى عن "الحرب الكبرى".. ولأول مرة، يعلن قيادي بوزنه وحجمه ومكانته باسم محور المقاومة ثلاثية كبرى: أي حرب أميركية على إيران ستؤدي إلى إبادة القوات والمصالح الأميركية في المنطقة، وستدفع "إسرائيل" والسعودية الثمن، وقد تدخل المنطقة في حرب التحرير الكبرى من دون أن يستخدم السيد نصر الله هذا التعبير.
فهذه المعادلة العربية ــ الإقليمية ــ الدولية الجديدة قد تجعل من الحرب في المنطقة بعيدة وصعبة، ومن احتمال حرب أميركية على إيران معقدة وغير واردة حالياً.
الميادين