كشفت العديد من وسائل الإعلام الغربية قبل عدة أيام بأن قادة البيت الأبيض قرّروا إرسال المزيد من الجنود الأمريكيين إلى منطقة الشرق الأوسط، وحول هذا السياق أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد" ترامب" يوم الجمعة الماضي أنه أمر بإرسال 1500 جندي إضافي إلى الشرق الأوسط، في قرار يأتي في غمرة التوتر المتزايد حدّة بين أمريكا وإيران.
وفي تصريح له من البيت الأبيض قال الرئيس "ترامب": "نريد أن تكون لدينا حماية في الشرق الأوسط"، مضيفاً "سنرسل عدداً قليلاً نسبياً من الجنود، أغلبيتهم للحماية وسيكون العدد حوالي 1500 شخص"، ومن جهتها قالت نائبة الوزير المكلفة بالشؤون الدولية في البنتاغون "كيتي ويلبرغر": إن قرار نشر جنود وقدرات إضافية لا يشمل سوريا أو العراق حيث تُواصل واشنطن عملياتها ضد تنظيم داعش الإرهابي.
ولفتت إلى أن تلك القدرات الإضافية التي سيتم نشرها، تشمل طائرات استطلاع وسرب من المقاتلات بالإضافة إلى مهندسين وكتيبة من 600 عنصر مسؤولين عن إدارة أنظمة صاروخية.
وفي سياق متصل، أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن واشنطن قامت بإرسال وساطات عمانية وقطرية إلى طهران من أجل حلّ جميع الخلافات، ولفتت تلك المصادر إلى أن قادة البيت الأبيض خفّضوا من حدّة تصريحاتهم في الآونة الأخيرة، وتحوّلت خطاباتهم من التهديد إلى التهدئة وعدم شنّ حرب على إيران، وذكرت تلك المصادر أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أرسل رسالة إلى مساعديه خلال اجتماع عقد نهار الأربعاء 15 مايو، مفادها أنه لا يريد أن تتحوّل حملة الضغط الأمريكية المكثّفة على إيران إلى صراع مفتوح.
ونقلت تلك المصادر الإخبارية عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية قولهم: "إن الرئيس ترامب سعى إلى كبح جماح المواجهة مع إيران في الأيام الأخيرة، وأبلغ وزير الدفاع بالوكالة "باتريك شاناهان" بأنه لا يريد الدخول في حرب مع إيران"، وهنا يبادر هذا السؤال إلى أذهاننا، ما هي الأسباب التي أجبرت البيت الأبيض على التخلي عن خطة الهجوم على إيران؟
التهديدات الهائلة ضد المصالح الأمريكية
ركّزت أمريكا في سياساتها الخارجية على تحديد المصالح والأهداف الحيوية لتوسيع وجودها وتأثيرها على المناطق الاستراتيجية في العالم، وكانت منطقة غرب آسيا ذات أهمية كبيرة لقادة البيت الأبيض منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهذا الأمر يرجع إلى امتلاك هذه المنطقة الكثير من الموارد واحتياطيات كبيرة من الطاقة، لهذا السبب، بذلت أمريكا الكثير من الجهود لإعادة هندسة النظام الأمني وحتى إعادة تحديد الحدود الجغرافية للمنطقة على مدى العقود الماضية بهدف مواءمة عملية التنمية مع مصالحها الخاصة، مستعينة في ذلك بجميع الأدوات بما في ذلك الاستعانة بالقوة العسكرية وبالطرق الدبلوماسية، ولكن التجارب السابقة في أفغانستان والعراق، فضلاً عن التطورات الميدانية في اليمن ولبنان كشفت لقادة البيت الأبيض بأن اللجوء دائماً والاستعانة بالقوة العسكرية سيضرّ في نهاية المطاف أمريكا وحلفاءها في المنطقة ومن هذا المنطلق يمكن القول هنا بأن قادة البيت الأبيض في وقتنا الحالي يدركون جيداً كم هي حجم المخاطر التي سوف تلحق بهم في حال قاموا بشن هجوم على إيران أو القيام بإشعال فتيل التوترات في المنطقة وذلك لأنهم يعلمون جيداً بأن قوة قوى المقاومة في جميع أنحاء المنطقة تزايدت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، الأمر الذي قد يتسبّب بحدوث أضرار بالمصالح الحيوية لأمريكا وحلفائها في المنطقة.
الانتخابات الرئاسية الأمريكية
بدأت عملية الانتخابات الرئاسية رسمياً الأسبوع الماضي، وبدأ منافسو "ترامب" في الحزب الديمقراطي بوضع العديد من العراقيل أمامه داخل الحزب لكي لا يفوز في هذه الانتخابات وحول هذا السياق، أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن "ترامب" يستعد في وقتنا الحالي للدخول إلى مضمار السباق الانتخابي في الوقت الذي لم يتمكّن فيه من الوفاء بأي من شعاراته الانتخابية السابقة.
في الواقع، لقد عانت سياسات "ترامب" من عدم وجود استراتيجيات محددة لتفعيل الأهداف قبل الدخول في الجولة الثانية من الانتخابات. ولهذا فإنه يمكن القول هنا بأن قيام "ترامب" بهذه المغامرة في منطقة الخليج الفارسي، يمكن أن يقضي على مستقبله السياسي ويؤدي إلى خسارته في الانتخابات الرئاسية القادمة.
المعارضة الداخلية
من ناحية أخرى، يمكن رؤية أحد الأسباب وراء انسحاب البيت الأبيض من شنّ هجوم على إيران، يكمن في المعارضة الداخلية الواسعة النطاق لأداء "ترامب" عندما قام بانسحاب أحادي من الاتفاق النووي مع إيران وتعارض هذا الانسحاب مع المصالح الأمريكية. وبينما تحدث "ترامب" بثقة وقام بانتقاد ذلك الاتفاق النووي الذي وقعت عليه إدارة الرئيس الأمريكي السابق "أوباما"، قام أيضاً بفرض الكثير من الضغوط والعقوبات الاقتصادية على طهران من أجل إجبارها على الجلوس مرة أخرى على طاولة الحوار، إلا أن الاستجابة السلبية المتوقعة من جانب السلطات الإيرانية لطلب التفاوض الأمريكي أدت إلى حدوث الكثير من الانقسامات داخل البيت الأمريكي وظهور العديد من النخب السياسية والعسكرية الأمريكية المعارضة والمنتقدة لسياسات "ترامب" في منطقة الشرق الأوسط وفي وقتنا الحالي تعارض تلك النخب السياسية والعسكرية الأمريكية خطة "ترامب" بشن هجوم على إيران.
المُضي قدماً في صفقة القرن
والسبب الآخر وراء بذل مسؤولي البيت الأبيض الكثير من الجهود للسيطرة على التوترات في منطقة الخليج الفارسي يمكن إرجاعه إلى موضوع المُضي قُدماً في صفقة القرن.
وحول هذا السياق، أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن كل الجماعات الفلسطينية تعارض بشدة هذه الصفقة المشؤومة وهذا الرفض قد ينسف جميع آمال الرئيس "ترامب" في تنفيذ تلك الصفقة، ولفتت تلك المصادر إلى أن واشنطن بإعلانها عقد مؤتمر اقتصادي في البحرين خلال الأسابيع المقبلة، تسعى إلى حث جميع الدول العربية التي ستشارك في ذلك المؤتمر بقبول تلك الصفقة المشؤومة وتسعى واشنطن أيضاً إلى إعطاء بعض المسؤولين الفلسطينيين الكثير من الرشاوي المالية الضخمة لإجبارهم في نهاية المطاف على قبول تلك الصفقة.
بطبيعة الحال، مع بدء الحرب العسكرية في الخليج الفارسي بين إيران وأمريكا، فإن الصراع بين الصهاينة وجماعات المقاومة سيصل إلى ذروته، وهذا الأمر سيدق المسمار الأخير في نعش صفقة القرن.
المصدر:الوقت