التغييرات في المؤسسة العسكرية المصرية لم تتوقف منذ تولي الرئيس محمد مرسي السلطة، بعد الانقلاب الناعم الذي اطاح بالمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري والفريق سامي عنان رئيس هيئة الاركان، ها هو وزير الدفاع الجديد الفريق اول عبد الفتاح السيسي الذي حل محل المشير طنطاوي يكمل مهمته التي بدأها بتغيير قادة الاسلحة، باحالة 70 لواء الى التقاعد.
وربما يجادل البعض بان مثل هذه الاجراءات باحالة اعداد من الالوية والقيادات العسكرية هي عمل روتيني يحدث كل عام، ليس في الجيش المصري فقط وانما في جميع جيوش العالم قاطبة سواء في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الامريكية، او في دول العالم الثالث الاقل نموا واهمية.
هذه المقولة صحيحة، لكن توقيت هذه الاقالات يضفي طابعا سياسيا عليها، فالمجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية الذي حكم البلاد لاكثر من 18 شهرا بعد نجاح الثورة في عزل الرئيس مبارك لم يحل ايا من قيادات الجيش او من هم اقل رتبة منهم الى التقاعد طوال هذه الفترة.
الرئيس مرسي يريد اعادة ترتيب اوضاع القوات المسلحة المصرية وفقا للمرحلة الجديدة، بما في ذلك ابعاد معظم القيادات التي ترهلت او ارتبطت بطريقة او باخرى بالمجلس العسكري من حيث الولاء، ولم يكن من قبيل الصدفة ان يكون من بين الضباط الكبار المحالين الى التقاعد اعضاء سابقون في المجلس الاعلى للقوات المسلحة.
انها حملة لـ'تطهير' المؤسستين الامنية والعسكرية من معظم، ان لم يكن كل، رجالات النظام السابق، وهذا توجه ضروري يجب ان يسبق العقيدة القتالية لهاتين المؤسستين الاهم في الدولة، لانه بعد عملية التطهير هذه يمكن ترسيخ التوجه السياسي الجديد مثلما يرى معظم الخبراء في هذا الميدان.
نقطة البداية كانت من عملية الهجوم التي استهدفت مجموعة من الجنود المصريين قرب معبر رفح، وادت الى مقتل 16 جنديا وخطف مدرعتين واستخدامهما في الهجوم على مواقع اسرائيلية وجرى تدميرهما وقتل جميع من فيهما فور اختراق الحدود المصرية.
هذا الهجوم كشف عن حالة تسيب في المؤسستين الامنية والعسكرية، فعلى الصعيد الامني تبين ان اللواء مراد موافي قائد جهاز الاستخبارات العامة وخليفة اللواء عمر سليمان وتلميذه النجيب، كان يملك معلومات عن هذا الهجوم، ولكنه لم يرسلها الى رئيس الجمهورية وانما الى المشير طنطاوي قائد المجلس الاعلى للقوات المسلحة في مخالفة واضحة للتراتبية في الدولة، فما كان من الرئيس مرسي الا اتخاذ هذا الخطأ او الخطيئة كذريعة لاقالته.
اما التسيب العسكري الذي تجلى في ابشع صوره في ترك الجنود لاسلحتهم، وعدم قيامهم بالدفاع عن انفسهم، واتخاذ الاحتياطات اللازمة بالتالي المتبعة في كل الجيوش، فقد اضعف مكانة المشير طنطاوي، ووضعه في موقف محرج امام رئيس الجمهورية والرأي العام المصري معا.
الرئيس مرسي وجد في هذين التسيبين الامنيين الفرصة للاطاحة بكل رموز النظام الفاسد السابق، بالتدريج، وفي خطوات جريئة، والان يكمل هذه المهمة، بتغيير قيادات الصف الثالث بعد ان انهى عملية الاطاحة بقيادات الصفين الاول والثاني.
ولعل توجه وزير الدفاع المصري الجديد الفريق اول السيسي لشراء غواصتين المانيتين هو خطوة تبلور توجها مصريا جديدا بتنويع مصادر السلاح، وعدم الاعتماد كليا على المصدر الامريكي.
صحيح ان شراء هاتين الغواصتين تقرر منذ بضعة اشهر، ولكن المعارضة الاسرائيلية الشرسة لهذه الصفقة، ما كان يمكن ان تتصاعد بالشكل الذي نراه لو كان نظام الرئيس مبارك ما زال يحكم مصر.
ما انجزه الرئيس مرسي من تغييرات في فترة لا تزيد عن شهر في القوات المسلحة يكشف وجود تصور كامل لديه لمصر التي يخطط لرسم هويتها وشخصيتها، وبغض النظر عما اذا كان هذا التصور يحظى بقبول البعض او معارضة البعض الآخر، وهذا امر مفهوم وطبيعي في الدول الديمقراطية.
مرة اخرى نقول ان مصر تتغير، واللافت ان هذا التغيير جاء بوتيرة اسرع مما توقعه اكثر المتفائلين تفاؤلا، الامر الذي يدفعنا لحبس الانفاس خوفا من محاولات اجهاضه، الداخلية منها او ا لخارجية.
عبدالباري عطوان