عادة تخرج الثورات من رحم المعاناة, من الم الناس واوجاعها, من فقرها وحرمانها, يقودها رجالٌ من صلب هذا الشعب المستضعف المقهور يتمتعون بمكانة علمية وثقافية واجتماعية وسياسية وجهادية, ليتمكنوا من إيصال هذا الشعب الى بر الانتصار والتغيير والقضاء على الفساد والهدر والسرقات.
وكالة مهر للأنباءـــ حسين الديراني: لا يختلف اثنان ان الهدر والفساد والسرقات والمحسوبيات افة مستشرية في جسد الحكومات المتعاقبة في العراق ولبنان بشكل متساوي ومنذ سنين عديدة, فما هي الأسباب التي دعت الى إنفلات الشارع العراقي واللبناني في شهر واحد تحت شعار المطالبة بإسقاط النظام؟ هل إنها صدفة ام مدبرة في ليل بهيم ؟. تسلسل الاحداث سوف تجيبنا على تلك التساؤلات.
بعيدا عن العاطفة التي تجرنا الى مشاهدة المشهد المأساوي المعيشي فقط في كلا البلدين, والذي يراد لنا ان لا نرى غيره, وان لا نذهب الى رؤية المشهد الحقيقي الذي نريد ان نبينه في هذا المقال المختصر. وكنت قد كتبت مقالا مفصلا مع بداية التظاهرات التي اندلعت في العراق تحت عنوان " العراق بين ثورة الجياع وهجمة الضباع ", وقبل إندلاعها في لبنان.ط
المشهد العراقي
في العراق سلسلة من الإجراءات التي اتخذها عادل عبد المهدي بعيدا عن رغبات الإدارة الامريكية والسعودية واسرائيل كانت كفيلة لحشد الشارع العراقي الذي يعاني من البطالة والفقر والحرمان وسبل العيش الكريم ليكون في مواجهة الحكومة العراقية دون قيادة معروفة, نختصرها, إصراره على فتح معبر البوكمال بين العراق وسوريا لفتح البوابة امام تصدير البضائع بين البلدين, بينما بالنسبة للإدارة الامريكية واسرائيل يعتبر ممرا لنقل الأسلحة من ايران الى سوريا ولبنان, كذلك زيارته للصين وعقد صفقات تجارية ضخمة تعتبرها أمريكا تهديدا لمصالحها الاقتصادية, وإعلانه عن مسؤولية الكيان الصهيوني عن العدوان المتكرر على مخازن الأسلحة للحشد الشعبي العراقي الذي يعتبر جزءا من القوات العراقية الرسمية, هذه الأمور الاستراتيجية لا يراها الشعب العراقي امام احتياجاته اليومية المشروعة. خلال أياما من التظاهرات التي كان طابعها سلميا تحولت في بعض الأماكن الى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوات الأمنية سقط خلالها المئات من الشهداء والجرحى بين الطرفين, والعدد الأكبر من الضحايا كان من بين المتظاهرين. وسرعان ما برزت قيادات تتبنى التظاهرات في داخل العراق وخارجه, هذه القيادات عبارة عن شخصيات مرتزقة معروفة ترعاها السفارة الامريكية والسعودية في بغداد, إضافة الى الاسطول الإعلامي الممول سعوديا لركوب موجة الاحتجاجات الشعبية وتحويلها الى ثورة تطالب بإسقاط النظام, وحل الحشد الشعبي وتسليم سلاحه وحصره بالدولة, وتسقيط هيبة المرجعية الدينية العليا في العراق, وشيطنة الاحزاب الإسلامية كلها.
بما ان التظاهرات العراقية منحصرة في المناطق الجنوبية وصولا الى العاصمة بغداد وهي مناطق تشهد إقبالا عالميا للمشاركة في مسيرة اربعينية الامام الحسين عليه السلام تم تأجيل مواصلة التظاهرات والاحتجاجات الى تاريخ 25 -10 -2019 أي بعد أيام رغم الإصلاحات التي اعلن عنها رئيس الحكومة عادل عبد المهدي إستجابة لمطالب الشعب, وإستجابة لامر المرجعية التي كان خطابها حادا في توجيه الإنذار للحكومة لتلبية رغبات الشعب المشروعة.
في العراق كما في لبنان وبشكل متزامن كانت الانتخابات البرلمانية, ثم طال الانتظار لتشكيل الحكومتين في وقت متزامن أيضا, وكذلك يعمل على إسقاطهما بنفس الأسلوب والتوجهات والادوات حتى يكاد المشهد ان يكون متطابقا تماما.
المشهد اللبناني
قبل أسبوع شبت خلال الليل حرائق متعددة في أماكن مختلفة من المناطق والاحراش اللبنانية غير مسبوقة لم يشهدها لبنان من قبل, دون الوصول الى معرفة أسباب نشوبها, والكيان الصهيوني ليس بعيدا عن هذا الحدث الشرير, وهو الذي يبتكر فنون العدوان على لبنان وشعبه وبيئته وثروته الطبيعية, وخلفت تلك الحرائق خسائر فادحة في الثروة البيئية اللبنانية, وما إن استيقظ الشعب اللبناني على إخماد الحرائق التي إستمرت لايام حتى إندلعت نار جديدة أشعلتها شرارة ضريبة " الواتساب " التي أراد فرضها على الشعب اللبناني وزير الاتصالات محمد شقير, وهنا لا بد من الإشارة أن الوزير محمد شقير منذ ان كان مديرا لغرفة التجارة اللبنانية كانت وكالة "السي أيه أيه " تعمل على وصوله منذ سنوات ليكون وزيرا سياديا في حكومة الحريري, ورئيسا للوزراء مستقبلا. خرجت في بداية الامر المظاهرات سلمية عفوية وسرعان ما تحولت الى مظاهرات شغب وإعتداءات على الأملاك العامة والخاصة, وقطع الطرقات بواسطة الإطارات المشتعلة التي يخرج منها سموم يستنشقها المواطنون, وليس الفاسدين الذين يجلسون في قصورهم العاجية, فقطع الطرقات تعتبر في الدول الغربية اعمال شغب يعاقب عليها القانون, وتتصدى لهم قوات مكافحة الشغب بكل عنف وقوة لفتح الطرقات وهذا لم يحدث في لبنان. حق التظاهر السلمي مكفول في الدستور اللبناني ومارس اللبنانيون حقهم هذا في مناسبات سياسية عديدة, لكن اعمال الشعب مرفوضة ومدانة.
وسرعان ما تحول المشهد من مطالب معيشية محقة ضد الفساد والنهب العام الى مهرجانات خطابية يتبارى بها الخطباء بأقذر ما تجود قريحتهم من السباب والشتائم والكلمات البذيئة ضد قيادات سياسية بارزة وصولا الى اشرف القيادات الروحية والوطنية السيد حسن نصر الله الذي قاد الانتصارات على الكيان الصهيوني والإرهاب الداعشي التكفيري, ولو التضحيات الجسيمة التي قدمتها المقاومة الإسلامية لما تسنى لاحد ان يكون في ساحة من ساحات لبنان, لانه حتما كان سيصبح ولاية من ولايات داعش الإرهابية. هذه المهرجانات السوقية فتحت لها الافاق وكل وسائل الاعلام العربية العبرية منها واللبنانية, فقناة العربية او العبرية والحدث والجديد اصبحوا قنوات يصطادون بها كل شتيمة توجه لسيد المقاومة لاعادة نشرها وتوزيعها, واذا صادفت هذا القنوات الخبيثة أي مواطن يمدح سيد المقاومة تقوم بقطع كلامه فورا. وسرعان ما ركب موجة الاحتجاجات الشعبية حزب " القوات اللبنانية " صاحب التاريخ الأسود بالتعامل مع الكيان الصهيوني, واعلن زعيمه سمير جعجع عن إستقالة وزرائه الإربعة بهدف إسقاط الحكومة والدخول في فراغ سياسي مستعينا بحليفه وليد جنبلاط الذي لم يقرر بعد إستقالة وزرائه خوفا من ردة فعل الرئيس نبيه بري الذي انقذه في كثير من العواصف السياسية التي عصفت به, كما ان المظاهرات التي تنظم خارج لبنان يدعو ويحشد لها تنظيم حزب القوات اللبنانية الفاشية الموجود في الخارج.
كما انه ظهرت شخصيات تنتحل صفة رجال دين شيعة لتكون هي الواجهة لاستهداف هيبة سيد المقاومة ليكتمل المشهد, لكن سرعان ما انكشفت صورهم البشعة, احدهم يمدح بشير الجميل الذي مكن العدو الصهيوني من احتلال عاصمة لبنان بيروت وارتكبت عصابته اكبر مجزرة تاريخية بحق الشعب الفلسطيني واللبناني في مخيمات صبرا وشاتيلا, واخر يدعى محمد علي ترشيشي إنكشف وهو يستلم ملايين الدولارات من السفارة الامريكية بتاريخ 24-9-2019 , ورجل دين اخر يوزع على المتظاهرين مئة دولار لكل متظاهر مع شعارات لا يطلقها إلا أبناء الشوارع وحتما لا تليق برجال الدين, كل ذلك لاسقاط هيبة ومكانة رجال الدين عند الناس, فنحن في زمن الحرب الناعمة التي تدعو الى الانحلال الأخلاقي والديني والبراءة من كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية.
الخلاصة .
يراد من المظاهرات العراقية واللبنانية التي طابعها معيشي, وباطنها من اجل تسقيط الهيبة الدينية في البلدين, وإستهداف الحشد الشعبي في العراق والمقاومة في لبنان, وإسقاط الحكومتين من اجل إحداث فراغ سياسي يكون مصدرا للفتنة والحرب الاهلية في البلدين, يقود هذا المشروع محمد بن سلمان شخصيا وحليفه نتنياهو, وتتولى ادارته الإدارة الامريكية التي لها النفوذ الأكبر في العراق ولبنان.
فتلك شنشنة عرفناها وانكشفت من بغداد الى بيروت, من المنطقة الخضراء والسفارة الامريكية الى عوكر والسفارة الامريكية.
الى المتظاهرين الشرفاء في العراق ولبنان اذا اردتم ان تعيشوا أحرارا وتنالوا حقوقكم المسلوبة والمنهوبة لا تفتشوا عليها في الازقة والشوارع الضيقة بين بيوت الفقراء والمستضعفين, بل إنها امام السفارة الامريكية رأس الشيطان الأكبر, من داخلها تحاك كل المؤامرات عليكم وعلى بلدكم وعلى ارضكم وعلى مقدساتكم.
وما عجزت عنه أمريكا وعملائها خلال سنوات من الحرب الدموية العدوانية على دول محور المقاومة لن تحققه من خلال مرتزقتها وصبيتها الذين يتسولون عند أبواب سفاراتها.
إحذروا غضب الحليم ....