معالم الطرح الوحدویّ عند الإمام الخمینی(قده)-
الشیخ حسن أحمد الهادی[1]
مقدّمة:
الإسلام دین الإنسانیّة، ونظامه نظام شامل لجمیع نواحی الحیاة، یربط بعضها ببعضها الآخر ربطًا عضویًّا منطقیًّا، وینطلق من واقع الحیاة الإنسانیّة وخصوصیّاتها لمعالجة قضایاها بشتّى مستویاتها، وبما یتناسب مع تطلّعات الإنسان فی هذه الحیاة وسواها من مراحل الحیاة الأخرى. ونظرًا إلى الکینونة الاجتماعیّة التی ینطوی علیها الإنسان منذ أنْ فطره الله وبرأه، ونظرًا إلى أنّه یولد اجتماعیًّا؛ کان الإسلام دین المجتمع؛ کما هو دین الفرد، وکان القرآن کتاب المجتمع الإنسانیّ؛ کما هو کتاب کلّ فرد من أفراد هذا المجتمع بلا استثناء.
والإیمان لیس قضیّة عقدیّة مجرّدة، ولیس علاقة شخصیّة بین المؤمن وربّه فقط؛ بل هو علاقة أخویّة جماعیّة -أیضًا- بینه وبین سائر المؤمنین، ففی الإیمان یتمّ ربط الفکر بالفعل، والنیّة بالحرکة وبالسلوک القویم، وبهذا یتکامل أفراد المجتمع الإسلامیّ فی علاقاتهم الاجتماعیّة والإنسانیّة تکاملًا معنویًّا إیجابیًّا، تذوب أمامه کلّ أنواع الخلافات والمشاکل أو الاعتداءات التی قد تنخر جسد المجتمع وتهدم أرکانه. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ}[3].
والأُخوّة فی الإسلام أخوّة نَسَبیّة لها آثار فی النکاح والإرث، وأخوّة رضاعیّة لها آثار فی النکاح دون الإرث، وأخوّة إیمانیّة لها آثار اجتماعیّة ولا أثر لها فی النکاح والإرث؛ ذلک أنّ أخوَّة الإیمان تشریعیّة وواقعیّة بدافع الإیمان، یؤمر المؤمن أن یؤصّلها فی حیاته الجماعیّة إلى حدٍّ لا تبقى معه بین المؤمنین إلا الأخوّة؛ فعن أَبِی بَصِیرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) یَقُولُ: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ؛ کَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِنِ اشْتَکَى شَیْئًا مِنْه؛ وَجَدَ أَلَمَ ذَلِکَ فِی سَائِرِ جَسَدِه، وأَرْوَاحُهُمَا مِنْ رُوحٍ وَاحِدَةٍ، وإِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ لأَشَدُّ اتِّصَالًا بِرُوحِ اللَّه مِنِ اتِّصَالِ شُعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا"[4].
وعنه(ع) -أیضًا-: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ؛ عَیْنُه، ودَلِیلُه، لَا یَخُونُه، ولَا یَظْلِمُه، ولَا یَغُشُّه، ولَا یَعِدُه عِدَةً فَیُخْلِفَه"[5].
کما نفهم الواجبات والحقوق الفردیّة والاجتماعیّة المنبثقة عن هذه القاعدة الاجتماعیّة التی یؤسّسها القرآن فی الأخوّة الاجتماعیّة فی ما روی عن الإمام علی بن الحسین (علیهما) فی رسالة الحقوق، حیث یقول: "وحقُّ أخیکَ أن تعلمَ أنَّه یدکَ الّتی تبسطُها، وظهرُک الّذی تلتجئُ إلیهِ، وعزُّک الّذی تعتمدُ علیهِ، وقوَّتک الّتی تصولُ بها، فلا تتّخذْهُ سلاحًا على معصیةِ اللهِ، ولا عُدَّةً للظلمِ لخلقِ اللهِ، ولا تدعْ نصرتَه على نفسِه ومعونَتَه على عدوِّهِ، والحؤولَ بینَه وبینَ شیاطینِه، وتأدیةَ النصیحةِ إلیهِ، والإقبالَ علیهِ فی اللهِ، فإنِ انقادَ لربِّهِ وأحسنَ الإجابةَ لهَ، وإلَّا فلیکُن اللهُ آثرَ عندَکَ وأکرمَ علیکَ منهُ"[6].
فإنّ الأخ هو الذی اتّحد بأخیه اتّحادًا تامًّا، حتّى أصبحت ید أحدهما ید الآخر، وعزّ أحدهما عزّ الآخر، فیکون أحدهما للآخر ظهراً یستند إلیه، وقوّة یستعین بها على مناهضة الأیام ومغالبة الخطوب.
والأخوّة نعمة من أکبر النعم التی أنعم الله تعالى بها على عباده؛ لأنّها قائمة على أوثق عرى الإیمان؛ کما فی الحدیث عَنْ الإمام أَبِی عَبْدِ اللَّه (ع): "مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الإِیمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِی اللَّه، وتُبْغِضَ فِی اللَّه، وتُعْطِیَ فِی اللَّه، وتَمْنَعَ فِی اللَّه"[7]؛ وذلک لأنّ من تمسّک بهذه العروة تکامل إیمانه، واستقام لسانه، واستقرّ جنانه، وبه یتحقّق التودّد والتآلف بین المؤمنین، ویتمّ ویکمل نظام الدنیا والدین، فهذه العلاقة هی أسمى علاقة وأقوى رابطة یمکن أن تکون فی مجموعةٍ من البشر.
وللأخوّة الدینیّة دورٌ رائدٌ فی بناء الشخصیّة المؤمنة، حیث تساعدها على الاتّصاف بمجموعة من الفضائل، وتشعرها بمسؤولیّة کبیرة تجاه الآخر؛ انطلاقًا من معرفة ما لها من مدلول وعمق فی الإسلام، فیعرف الإنسان قدره من خلال معرفة قدر أخیه وما له من حقّ علیه.
ونظرًا إلى أهمّیّة الطرح الوحدویّ فی واقعنا الإسلامیّ، کان من المناسب أن نضیء على معالم الطرح الوحدوی فی فکر علم من أعلام الوحدة الإسلامیّة؛ وهو الإمام الخمینی (قده). وقبل الدخول فی بیان معالم طرحه الوحدوی، کان لا بدّ من الوقوف عند جملة من الأسس والأصول الإسلامیّة من القرآن الکریم والسنّة الشریفة، التی انطلق منها الإمام الخمینی (قده) فی طرحه الوحدویّ وسُبُل تحقیقه وتعزیزه وصیانته.
أولاً: مظاهر علاقة المسلم بالآخر فی الإسلام:
وضعت الشریعة الإسلامیة أصولاً تربویّةً واجتماعیّةً عدّة؛ بهدف تنظیم علاقة المسلم بالمسلم وبغیره من بنی البشر، نذکر نماذج منها:
1. التکافل الاجتماعیّ:
یُعدّ التکافل الاجتماعیّ جزءًا من عقیدة المسلم والتزامه الدینیّ، وهو نظام أخلاقیّ یقوم على الحبّ والإیثار ویقظة الضمیر والشعور بمراقبة الله عزَّ وجل، ولا یقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادّیّة؛ بل یشمل المعنویّة -أیضًا-، وغایته التوفیق بین مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد.
وقد عُنی القرآن بالتکافل؛ لیکون نظامًا لتربیة روح الفرد، وضمیره، وشخصیّته، وسلوکه الاجتماعیّ، ولتکوین الأسرة وتنظیمها وتکافلها، ولضبط العلاقات الاجتماعیّة؛ بما فی ذلک العلاقة التی تربط الفرد بالدولة، ولتقنین المعاملات المالیّة والعلاقات الاقتصادیّة التی تسود المجتمع الإسلامیّ.
ومن هنا؛ فإنّ مدلولات البرّ، والإحسان، والصدقة، تتضاءل أمام هذا المدلول الشامل للتکافل. قال الله تعالى: {یَسْئَلُونَکَ مَاذَا یُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَیْرٍ فَلِلْوَالِدَیْنِ وَالأَقْرَبِینَ وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَیْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِیمٌ}.[8]
وقد عدّ القرآن الإمساک وعدم الإنفاق سبیلًا إلى التهلکة؛ بقوله سبحانه وتعالى: {وأنفقوا فی سبیل الله ولا تُلقوا بأیدیکم إلى التهلکة وأحسنوا إنّ الله یحبُّ المُحسنین}[9]؛ کما عدّ الکنـز وحجب المال عن وظیفته الاجتماعیّة مدعاةً إلى العذاب الألیم: {والذین یکنزون الذهب والفضة ولا ینفقونها فی سبیل الله فبشّرهم بعذابٍ ألیم}[10]، ونفى الرسول الأکرم (ص) کمال الإیمان عن مَنْ یبیت شبعان وجاره جائع؛ وهو یعلم: "ما آمن بی من بات شبعان وجاره جائع وهو یعلم"[11].
کما وضع القرآن أسسًا نفسیّةً وأخرى مادّیّة؛ لإقامة التکافل الاقتصادیّ والاجتماعیّ بین أفراد المجتمع الإسلامیّ. ولعلَّ من أهمِّ الأسس النفسیّة هو إقامة العلاقات المادّیّة والمعنویّة على أساس الأخوّة؛ لقوله تعالى: {إنّما المؤمنون إخوةٌ}[12]، وربط الإیمان باستشعار حقوق الأخ؛ کما رتَّب الحبّ على رابطة الأخوّة؛ فلا یؤمن الإنسان المسلم ولا ینجو بإیمانه ما لم یُحبّ لأخیه ما یُحبّ لنفسه، ویعیش معه کالبنیان یشدّ بعضه بعضًا. وجعل العدل وحفظ الحقوق من قیم الدین الرئیسة؛ بل ندب إلى عدم الاقتصار على العدل؛ وهو إحقاق الحقّ، أو إعطاء کلِّ إنسان حقّه من دون ظلم، وإنّما الارتقاء إلى الإحسان؛ وهو التنازل عن بعض الحقوق للطرف الآخر. ومن الأسس النفسیّة -أیضًا-: الإیثار؛ وهو عکس الأثرة والأنانیّة. والإیثار تفضیل الآخر على النفس؛ من أجل إشاعة جوّ العفو والرحمة، وهی الغایة التی جاءت من أجلها الشریعة.
2. إثارة الشعور الاجتماعیّ:
کان إنسان ما قبل الإسلام یتمحور فی سلوکه الاجتماعیّ على ذاته، وینطلق فی تعامله مع الآخرین من منظار مصالحه وأهوائه بالغالب، وینساق بعیدًا مع أنانیّته؛ حیث هبط فی القاع الاجتماعیّ إلى درجة «وأد» أبنائه؛ خشیة الفقر والمجاعة، الأمر الذی استدعى التدخّل الإلهی؛ لإنقاذ النفوس البریئة من هذه العادة الاجتماعیّة القبیحة، قال تعالى: {ولا تَقتُلُوا أولادَکُم خَشیةَ إملاقٍ}[13]، على أنّ أشدّ ما یسترعی الانتباه أنّ ذلک الإنسان الجاهلیّ، الدائر حول ذاته ومنافعها، قد غدا -بتفاعله مع إکسیر العقیدة- یضحّی بالنفس والنفیس فی سبیل دینه ومجتمعه، وبلغت آفاق التحوّل فی نفسه إلى المستوى الذی یُؤثِر فیه مصالح أبناء جنسه على منافع نفسه.
ولیس خافیًا على أحد مستوى الإیثار الذی أبداه الأنصار تجاه المهاجرین؛ إذ شاطروهم کلّ ما یملکون، حتى بیوتهم وأمتعتهم، ولم ینحصر هذا المستوى من الإیثار بالأفراد؛ بل شکّل ظاهرة اجتماعیّة عامّة لم یشهد لها تاریخ الإنسانیّة نظیرًا، وفی هذه الظاهرة نزلت آیات من القرآن الکریم تبارک هذه الروحیّة، وتخلّد ذِکر مجتمعٍ تحلّى بها؛ بوصفه أنموذجًا من نماذج التلاحم الاجتماعیّ والمؤاخاة. قال تعالى: {لِلفُقَرَآءِ المُهَاجِرینَ الَّذِینَ أُخرِجوا مِن دِیارهِم وأموَالِهِم یَبتَغُونَ فَضلًا مِّنِ اللهِ وَرِضوانًا وَیَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئکَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذینَ تَبَوَّءُوا الَّدارَ وَالاِیمانَ مِن قَبلِهِم یُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إلیهِم وَلا یَجِدُونَ فی صُدُورِهِم حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُوا وَیُؤثرُونَ عَلى أنفُسِهِم ولَو کانَ بِهِم خَصَاصَةٌ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولئکَ هُمُ المُفلِحُونَ}[14].
ولقد نقض الإسلام أُسسًا فی البناء الاجتماعیّ الجاهلیّ قوامها تعزیز التقسیم الطبقیّ والقَبَلیّ للمجتمع، الذی کان یتشکّل من طبقتین رئیستین؛ هما: طبقة الأشراف؛ الذین تجتمع لدیهم الثروات ویحتکرون الشأن والوجاهة، وطبقة العبید؛ الذین یدورون فی فلک الأسیاد. فقوّض الإسلام هذه الأسس، وأقام محلّها أُسسًا جدیدة تساوی بین الناس فی حقّ الحیاة وحقّ الکرامة. قال تعالى: {یا أیُّها الناسُ إنّا خَلقنَاکُم مِن ذَکَرٍ وأُنثى وجَعَلنَاکُم شُعُوبًا وقَبَائلَ لِتَعارفُوا إنَّ أکرَمَکُم عِندَ اللهِ أتقاکُم}[15]؛ فتحرّر أبناء طبقة العبید، ومارسوا حقّهم فی الحیاة، وارتفع عمّار وسلمان وبلال عالیًا فوق طبقة أشراف قریش.
3. تنمیة الشعور الجماعیّ:
تربّی العقیدة الإنسان المسلم على الشعور الاجتماعیّ المتمثّل بشعور الفرد نحو غیره، فیتجاوز دائرة الذات إلى دائرة أرحب؛ هی دائرة العائلة، ثمّ تتّسع اهتماماته لتشمل دائرة الجوار، ثمّ أبناء بلدته، وبعدها أبناء أمّته، وفی نهایة المطاف تتّسع لدائرة أکبر؛ فتشمل الإنسانیّة جمعاء.
وفی هذا الصدد، نجد کثیرًا من الأحادیث التی تحثُّ الفرد على الانضمام إلى الجماعة، والانسجام معها، والانضواء فی قالبها، بعد أن ثبت عند العقلاء أنّ فی الاجتماع قوّة ومنعة، وبعد أن أکّد النقل على أنّ الله -تعالى- قد جعل فیه الخیر والبرکة. یقول الرسول الأکرم (ص): "یدُ الله مع الجماعة، والشیطان مع من خالف الجماعة یرکُضُ"[16]. و"من خرج من الجماعة قید شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"[17]. وفی ذلک کلِّه دلیل قاطع على أنّ الإسلام دین اجتماعیّ یربط الفرد بالجماعة، وأنّ العقیدة تدعو الإنسان المسلم إلى الانضمام إلى الجماعة.
4. تأصیل نظم الروابط الاجتماعیّة:
کان المجتمع الجاهلیّ یرى فی رابطة الدم والرحم أساسًا للروابط الاجتماعیّة، فیضع مبدأ القرابة فوق مبادئ الحقّ والعدالة، فی حال التعارض بینهما. وقد ذمّ القرآن الکریم هذه الحمیَّة الجاهلیّة بقوله تعالى: {إذ جعلَ الَّذِینَ کَفرُوا فی قُلُوبِهِم الحَمِیَّةَ حِمیَّةَ الجَاهِلِیَّةِ}[18].
ولذا، عملت العقیدة على إزالة حُجُب العصبیّة عن القلوب، ولم تُقرّ بالتفاضل بین الناس القائم على القرابة والقومیّة أو اللّون والمال والجنس، وبدلًا من ذلک أقامت روابط جدیدة على أسس معنویّة؛ قوامها التقوى والفضیلة. وعلیه، فالعقیدة تنبذ جمیع أشکال العصبیّة؛ إذ لا یمکن التوفیق بین الإیمان والتعصّب. روی عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنّه قال: "قال رسول الله (ص): من تعصّب أو تُعُصّبَ له؛ فقد خلع ربقة الإیمان من عُنقه"[19].
ویوضّح الإمام زین العابدین (ع) مفهوم العصبیّة، وما هو المذموم منها، عندما سُئل عنها؛ بقوله (ع): "العصبیّة التی یأثم علیها صاحبها: أن یرى الرّجل شرار قومه خیرًا من خیار قوم آخرین، ولیس من العصبیّة أن یحبّ الرجل قومه، ولکن من العصبیّة أن یعین قومه على الظّلم"[20].
ومن هنا، نجد أنّ العقیدة قد عملت على إزالة حُجُب العصبیّة عن القلوب، وقامت بتشکیل هویّة اجتماعیّة جدیدة للناس تقوم على أساس الإیمان بالله تعالى وبرسوله (ص)، وإشاعة مشاعر الحبّ والرّحمة؛ بدلًا من مشاعر التعصّب والکراهیّة؛ فالعصبیّة التی تعنی مناصرة المرء قومه أو أسرته أو وطنه فی ما یخالف الشرع وینافی الحقّ والعدل، لهی من أخطر النزعات وأفتکها فی تسیّب المسلمین وتفریق شملهم، وإضعاف طاقاتهم الروحیّة والمادّیّة، وقد حاربها الإسلام وحذّر المسلمین من شرورها، ولم یکن من الیسیر أن یتمّ هذا التحوّل الکبیر فی أفکار الناس وعلاقاتهم فی هذه الفترة القصیرة من عمر الرسالة لولا الدور التغییریّ الکبیر الذی اضطلعت به العقیدة الإسلامیّة.
5. الحثّ على التعاون والتعارف:
نقلت العقیدة أفراد المجتمع من حالة التنافس والصراع إلى حالة التعارف والتعاون. ومن هنا، نجد القرآن یحثّ الناس على الاجتماع والتعارف. قال تعالى: {یا أیُّها النَّاسُ إنَّا خلقناکم مِن ذَکرٍ وأُنثى وجَعلناکُم شُعوبًا وقبائلَ لتعارفوا إنَّ أکرمَکُم عند اللهِ أتقاکُم}[21].
فالأصل فی دین الإسلام أنّه دینُ تجمّعٍ وألفة، لا دین عزلةٍ وفرارٍ من تکالیف الحیاة، ولم یأتِ القرآن لیدعو المسلمین إلى الانقطاع فی دیر، أو العبادة فی صومعة؛ بعیدًا عن مشاکل الحیاة ومتطلّباتها؛ بل إنّ نزعة التعرّف إلى الناس والاختلاط بهم أصیلة فی تعالیم هذا الدین[22]. وقد بیّن الرسول (ص) أنّ الفضل لمن خالط الآخرین وتعرَّف علیهم ولم یتقوقع على نفسه؛ وذلک فی قوله: "المؤمن الذی یخالط الناس ویصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذی لا یخالط الناس ولا یصبر على أذاهم"[23].
کما حثَّ القرآن الکریم الناس على التعاون؛ قال تعالى: {وتعاونُوا على البرِّ والتّقوى ولا تعاونوا على الاِثمِ والعُدوانِ}[24]، وأثبتت تجارب البشریّة أنّ فی التعاون قوّة، وأنّه یؤدّی إلى التقدّم.
وقد کان المجتمع الجاهلی متخلّفًا، یعیش حالة الصراع بدافع العصبیّة القبلیّة، أو طغیان الأهواء والمصالح الشخصیّة، أو بسبب احتکار بعضهم مصادر الکلإ والماء، فانتقل ذلک المجتمع -بفضل الإسلام- إلى مدار جدید، بعد أن تکرّست فیه قیم التعاون والتکافل الاجتماعیّ.
ومن هنا، نجد أنّ مسألة التعاون والتضامن والوحدة تجاه القضایا الکبرى تتصدّر سلَّم الأولویّة فی اهتمامات الإسلام الاجتماعیّة؛ لکونها الضمان الوحید والطریق الأمثل لإقامة بناء اجتماعیّ متماسک تغیب فیه عوامل الصراع والتناحر، وتسود فیه عوامل الودّ والألفة.
وما یثیر الدهشة ویبعث على الإعجاب أنّ المجتمع العربیّ الجاهلیّ الذی کان ممزّقًا، ولا تقیم له الأمم وزنًا، قد غدا بفضل الرسالة الإسلامیة موحّدًا، مهاب الجانب، ذا عزّة ومنعة. یقول الإمام علی (ع): "... والعرب الیوم، وإن کانوا قلیلًا، فهم کثیرون بالإسلام، عزیزون بالاجتماع..."[25].
وهذا ما ساهم کثیرًا فی تغییر العادات والتقالید الجاهلیّة. یقول العلاّمة السید الشهید محمد باقر الصدر (قده): "إنّ الدافع الذاتی هو مثار المشکلة الاجتماعیّة، وإنَّ هذا الدافع أصیل فی الإنسان؛ لأنّه ینبع من حبّه لذاته، وهنا یجیء دور الدین بوضع الحلّ الوحید للمشکلة؛ فالحلّ یتوقّف على التوفیق بین الدوافع الذاتیّة والمصالح الاجتماعیّة العامّة"[26].
6. أصالة الخطاب والتواصل الإیجابیّ بالکلمة الطیّبة:
لقد عُنیَ القرآن الکریم بأدب الخطاب، فالناظر فی سوره وآیاته یجده شدید الحرص على الأسلوب الذی یُؤدَّى به الکلام، والطریقة التی یُطرح بها، ویجد أنَّه کثیرًا ما یُوجِّه نحو الکلمة الطیّبة والقول الحَسَن فی مناسبات شتَّى. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِی السَّمَاء * تُؤْتِی أُکُلَهَا کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَیَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ * وَمَثلُ کَلِمَةٍ خَبِیثَةٍ کَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * یُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الآخِرَةِ وَیُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِینَ وَیَفْعَلُ اللّهُ مَا یَشَاء}[27].
فالکلمة الطیّبة نفحة روحانیّة تصل ما بین القلوب، وتربطها برباط المودّة والتآلف. وأمّا الکلمة الخبیثة فهی معول للهدم والتفریق؛ یعمل تخریبًا فی أوصال المجتمع، فیهدم کیانه. والکلمة الطیّبة تزهر فی النفس لتتفتّح بأجمل أزهار الخیر والحبّ التی یعبق شذاها فوّاحًا فی کلّ زمان ومکان. وأمّا الکلمة الخبیثة فنتنة الرائحة، تصدر عن بُؤَرٍ نفسیّة عفنة.
وقد أشار القرآن الکریم إلى ما أثمره القول اللیّن من نجاح دعوة النبی محمد (ص) وتأثیرها فی الناس. قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوکُنتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِکَ}[28]. فرسول الله (ص) لم یکن فظَّاً؛ أی خشن الکلام، ولا غلیظ القلب؛ أی قاسیه وشدیده؛ بل کان رفیقًا داعیًا إلى الرفق، فقال (ص): "مَنْ یُحرَم الرِّفقَ یُحرَم الخیر"[29].
وتأسیسًا على ما تقدّم من أصول تربویّة واجتماعیّة کفیلة ببناء مجتمع متکافل، یحفظ بعضه حقوق بعضه الآخر، ویحرص على ممارستها والعیش فی ظلّها، والتربیة علیها؛ لا بدّ من الإلفات إلى أنّ هذه التشریعات الإسلامیّة الاجتماعیّة تتّسع لتشمل العلاقات الإنسانیّة بین بنی البشر؛ لأنّ الروابط التی تجمع بین الناس کثیرة؛ فمن رابطة الدم، إلى رابطة الفکر والمبدإ، ورابطة العمل والوظیفة، ورابطة الصداقة والصحبة، ورابطة الجنس والعرق، والرابطة التجاریّة والاقتصادیّة، ورابطة العقیدة التی تُعدّ من أقوى الروابط وأمتنها؛ ولکنّ قوّة رابطة العقیدة لا تعنی أنَّ أدب التعامل مع الآخرین لا یدور إلا فی نطاقها، ولا یشمل التعامل مع أصحاب العقائد الأخرى من غیر المسلمین؛ بل إنَّ أدب التعامل یتّسع لیشمل الإنسانیّة کلَّها. فالتعامل الحسن هو سلوک الجوارح والعلاقة الظاهریّة، ویکون مع جمیع البشر؛ أمّا الولاء فهو بین المسلمین خاصّة. ولعلّ ما ورد فی سورة الممتحنة، من أوضح الآیات التی تمیّز بین الولاء، وبین البرّ وحُسن التعامل. یقول تعالى: {لا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُم مِّن دِیَارِکُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ * إِنَّمَا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ قَاتَلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَأَخْرَجُوکُم مِّن دِیَارِکُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِکُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن یَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[30].
فقضیّة التعامل مع الآخرین هی قضیّة بالغة الأهمّیّة والخطورة، وقد جعل الإسلام الالتزام بالدین فی قسمٍ کبیرٍ منه، متوقّفًا على الأدب وحسن المعاملة. ولذا، جاء القرآن الکریم لیضع لنا المناهج القویمة والأسس السلیمة للتعامل مع الآخرین؛ باعتباره موضوعًا أساسًا من موضوعات هذا الدین.
وإذا کان الأدب یتّبع فی خصوصیّته الغایة المطلوبة فی الحیاة؛ فالأدب الإلهیّ الذی أدّب الله سبحانه به أنبیاءه ورسله(عله) هو الهیئة الحسنة فی الأعمال الدینیّة التی تحاکی غرض الدین وغایته؛ وهو العبودیّة على اختلاف الأدیان الحقّة؛ حسب کثرة موادها وقلّتها، وحسب مراتبها فی الکمال والرقیّ.
ولمّا کان من شأن الإسلام التعرّض لجمیع جهات الحیاة الإنسانیّة؛ حیث لا یشذّ عنه شیء من شؤونها؛ سواء أکان یسیرًا أم خطیرًا، دقیقًا أم جلیلًا؛ فلذلک وسع الحیاة أدبًا، ورسم فی کلّ عمل هیئة حسنة تحاکی غایته؛ وهو فی ذلک لیس له غایة عامّة إلا توحید الله سبحانه فی مرحلتی الاعتقاد والعمل جمیعًا؛ أی أنْ یعتقد الإنسان أنّ له إلهًا هو الذی منه بدأ کلّ شیء وإلیه یعود کلّ شیء، له الأسماء الحسنى والأمثال العلیا، ثمّ یجری فی الحیاة ویعیش بأعمال تحاکی بنفسها عبودیّته وعبودیّة کلّ شیء عنده لله الحقّ عزّ اسمه، وبذلک یسری التوحید فی باطنه وفی ظاهره، وتظهر العبودیّة المحضة من أقواله وأفعاله وسائر جهات وجوده ظهورًا لا ستر علیه ولا حجاب یغطّیه. فالأدب الإلهیّ -أو أدب النبوّة- هو هیئة التوحید فی الفعل[31].
یقول الإمام علی(ع): "الآداب حُللٌ مجدّدة"[32]. ومعنى إخباره (ع) بأنّ الآداب حُللٌ مجدّدة: "أی لا تبلى؛ بل تزداد بکثرة التجارب والممارسة کلّ وقت جدة، وعنى بالآداب -هاهنا- آداب الشرع الَّتی هی مکارم الأخلاق"[33]. والمحصّل من کلامه: أنّ الشخص کما یتزیّن بالحلل یتزیّن کذلک بالآداب؛ مثل: العلم، وما یتبعه من حسن المجاورة، والمعاشرة، وأمثالهما.
فحسن الخلق والأدب مع الآخرین -مهما کان الطرف الآخر؛ سواء أشترکت معه فی الدین، أو المذهب، أو الإنسانیّة، أم لم تشترک- هو دلیل على رزانة العقل وبُعد النظر. وأمّا عکس ذلک فهو دلیل على الحمق ونقصان العقل.
وعلیه، فإنّنا نوجّه دعوة صادقة إلى المؤسّسات التعلیمیّة الدینیّة والأکادیمیّة والباحثین المتخصّصین نحو القراءة الأصیلة لهذه الأصول الاجتماعیّة والتربویّة، والتعاون فی تسییلها فی المناهج والبرامج التعلیمیّة والتربویّة والإعلامیّة؛ لنتمکّن معًا من بناء جیلٍ جدید، وتربیته على أصول التکافل والتعاون والوحدة والمحبّة والمودّة والإیثار والتضحیة، وفهم الاختلاف وترشیده؛ لنبنی مجتمعًا حضاریًّا یشعر بالعزّة والکرامة والترابط الأخویّ، وفق المفهوم القرآنیّ.
والإسلام یرید أن یحکم المجتمع أمن مطلق، ولا یکتفی بأن یکفّ الناس عن ضرب بعضهم بعضَهم الآخر فحسب؛ بل یرید أسمى من ذلک بأن یکونوا آمنین من ألسنتهم؛ بل وأرقى من ذلک بأن یکونوا آمنین من تفکیرهم وظنّهم السیّئ أیضًا، وأن یحسّ کلّ منهم أنّ الآخر لا یرشقه بنبال الاتّهامات فی عقیدته وأفکاره. وهذا الأمن لا یمکن تحقّقه إلّا فی مجتمع رسالیّ مؤمن یمتثل قول النّبی (ص): "إنّ اللَّه حرّم من المسلم: دمه، وماله، وعرضه، وأن یظنّ به السوء"[34].
7. النهی عن التفرّق:
إنّ التفرّق أکبر خطر یهدّد عزّة الجماعة البشریّة، ویذهب بریحها. فقد رکّز الإسلام على هذا المفهوم وحثّ بشدّة على الاعتصام بحبل الله وعدم التفرّق واجتناب التنازع، وکلّ المهتمین بکرامة أمّتهم یحرصون على وحدتها وتراصّ صفوفها. یقول الإمام الخمینی (قده):"... والموضوع التالی یرتبط باتّحاد المسلمین وتوحّدهم، وهو ما یشکّل مضموناً بارزاً آخر فی مناسک الحج. منذ أن دخل الاستعمار الأوروبیّ فی البلدان الإسلامیة کانت التفرقة بین المسلمین من المبادئ الحتمیّة فی سیاسة المستعمرین... متوسّلین بسلاح الطائفیّة تارة، وبالنعرات الإقلیمیّة والقومیّة تارة، وبغیرها أحیاناً، ومع کلّ نداءات المصلحین ودعاة الوحدة، فإنّ مدیّة الأعداء هذه لا تزال تنزل بجسد الأمّة الإسلامیّة مع الأسف ضربات وجراحات؛ من خلال إثارة الاختلافات بین الشیعة والسنّة، والعرب والعجم، والآسیویّین والأفارقة، وتضخیم القومیّات العربیّة والطورانیّة والفارسیّة، وإن ابتدأت على ید الأجانب، فهی الیوم تستمرّ -مع الأسف- على ید أفراد من بیننا، یعبّدون طریق العدو عن سوء فهم أو عن عمالة للأجانب. هذا الانحراف یبلغ من الفظاعة -أحیاناً- أن تنفق بعض حکومات المسلمین أموالاً للتفریق بین المذاهب الإسلامیّة أو الشعوب والأقوام المسلمة، أو أنْ یعلن بعض أنصاف العلماء بصراحة فتوى تکفیر بعض الفرق الإسلامیة ذات الماضی الوضیء فی التاریخ الإسلامیّ. لذلک کلّه یجدر بالشعوب المسلمة أن تتعرّف إلى الدوافع الخبیثة لهذه الأعمال، وأنْ ترى الأیدی التی وراءها... ید الشیطان الأکبر، وأیدی أذنابه، وأن تتصدّى لفضح الخائنین"[35].
ثانیاً: ثابتة الوحدة الإسلامیّة فی فکر الإمام الخمینی (قده):
عدّ القرآن الکریم مبدأ الوحدة من الثوابت والأصول الفکریّة للبشر، وجعلها مرتکزًا لمنظومة الأخلاق والقیم التی تشکّل الرابط الأهمّ بین المجتمعات الإنسانیّة. ویتضّح هذا الأمر لمن یلقی نظرة عامّة إلى القرآن الکریم، حیث یجده یخاطب الناس جمیعاً فی کثیر من آیاته: {یا أیها الناس}، {یا بنی آدم}، {والعالمین}، {لیظهره على الدین کله}[36]، ویدعوهم إلى الاعتصام والتلاقی والتوحّد: { کان الناس أمة واحدة فبعث الله النبیین مبشرین ومنذرین وانزل معهم الکتاب بالحق لیحکم بین الناس فیما اختلفوا فیه}[37]، {واذکروا نعمة الله علیکم إذ کنتم أعداء فألف بین قلوبکم فأصبحتم بنعمته إخوانا}[38].
وهو ما أکّدت علیه السنة الشریفة: "لا تختلفوا، فإنّ مَنْ کان قبلکم اختلفوا، فهلکوا"[39]. "
وإذا کان الدین الإسلامیّ قد حرص على الوحدة الإنسانیّة؛ فضلاً عن الوحدة الإسلامیّة بین أبناء هذا الدین، فاهتمّ بتفاصیل العلاقة بین أفراده؛ فضلاً عن الکلیّات والأصول، التی تضمن -فی ما لو أُتبعت- حیاة سعیدة وهادئة لجمیع البشر؛ بل للمخلوقات الحیّة کلّها، فأیّ وحدة تلک التی ینبغی أن تحکم علاقة المسلمین بعضهم ببعضهم الآخر، وترسم معالم علاقة المسلم مع الآخر؟
وتجدر الإشارة إلى أنّ المسلمین لا یعانون مشکلة أو خللاً فی الأسس النظریّة للوحدة...، بل إنّ أهمّ ما تحتاجه وحدة المسلمین؛ مضافاً إلى إزالة القلق من الآخر؛ هو التوافق على منهج علمیّ جادٍ وجریء ومشترک لقراءة المبادئ والأصول التی وقع الاختلاف علیها، وبحثها؛ تمهیداً لنشوء نوع من التعاون المنهجیّ والمعرفیّ الذی لو توافق المسلمون على قبوله، وتحکیمه، لتمکّنوا من حلّ نصف المشکلة. ویبقى القسم الآخر منها على عاتق العلماء والقادة المدعوّین لإغلاق کیاناتهم المذهبیّة الضیّقة لحساب کیان الإسلام الکبیر، واتّخاذ القرارات الجریئة بإعلان الموافقة على مبدإ الوحدة، والسعی العلمیّ إلى مأسستها وتحویلها إلى عنوان للتلاقی والدفاع عن المسلمین، ولحمایة الإسلام ومقدّساته.
وقد اعتبر الإمام الخمینیّ أنّ الوحدة کانت وما تزال العلّة (المحدثة) و(المبقیة) للنظام الإسلامیّ، وأنّ الإسلام والوحدة هما الضمانة الأکیدة لاستمرار المسلمین وبقائهم، حیث یقول سماحته: "إذا أراد المسلمون استعادة عزّتهم وعظمتهم فی صدر الإسلام، فعلیهم التمسّک بالإسلام وبوحدة الکلمة. إنّ الالتزام بمحور الإسلام هو الذی أوجد کلّ تلک القدرة والشجاعة العجیبة"[40].
ولذا، فإنّ آراء الإمام الخمینیّ (قده) الوحدویّة تشکّل مدخلاً مهمّاً من أجل استیعاب فکره السیاسیّ؛ وذلک بسبب المکانة العظیمة التی یشغلها موضوع الوحدة فی فکره. یقول سماحة الإمام (قده): "الوحدة هی تلک التی یدعو إلیها القرآن الکریم؛ وهی نفسها التی حمل لواءها الأئمّة الأطهار (عله)، وکانوا یدعون المسلمین إلیها. وفی الواقع أنّ الدعوة إلى الإسلام تعنی الدعوة إلى الوحدة؛ أی أنْ یجتمع الجمیع تحت رایة الإسلام وکلمته. لکنْ، وکما تعلمون، لم یسمحوا لهذه الوحدة بأن ترى النور"[41].
وفی کلمته التی وجّهها إلى الدول الإسلامیّة أشار سماحته إلى الاعتصام بحبل الله والدین الإسلامیّ؛ باعتباره محور الوحدة، مشیراً -کذلک- إلى التأثیرات الإیجابیّة والبرکات التی تحملها تلک الوحدة؛ بقوله: "لو اتّحدت هذه الأقطار الإسلامیّة التی تملک کلّ شیء، بعضها مع بعض، فلن تکون بحاجة إلى أیّ شیء أو بلد أو قوّة تحت رایة ذلک الاتّحاد، بل إنّ الآخرین سیحتاجون إلى هذه البلدان. لو حافظ المسلمون وحکوماتهم الإسلامیّة على الأواصر الأخویّة التی أمر بها الله -سبحانه وتعالى- فی القرآن الکریم؛ لما تعرّضت (أفغانستان)، ولا فلسطین، ولا البلدان الأخرى إلى الاعتداء والهجوم. لو اتّحدت أیادی وقلوب المسلمین حول کلمة واحدة؛ فما حاجتنا إلى أن نمدّ أیدینا إلى أمیرکا أو الاتّحاد السوفیاتیّ؟ إنّ الإسلام یطالبکم بالوحدة والاعتصام بحبل الله، فلماذا لا تعتصمون بحبل الله؛ بدلاً من أن یتعلّق کلّ منکم بأذیال الغرب أو الشرق؟!"[42].
ویرى الإمام الخمینیّ (قده) الشیطان عاملاً آخر من عوامل الاختلاف والفُرقة، حیث یقول: "عندما یصدر الاختلاف عن أیّ شخص أو على لسان أیّ مخلوق؛ فإنّما یصدر ذلک على لسان الشیطان نفسه؛ سواء أکان الناطق بذلک الاختلاف رجل دین، أم شخصاً مقدّساً، أو أحد المصلّین، أو أیّ لسان آخر، واعلموا أنّ هذا إنّما هو لسان الشیطان، وقد لا یکون المتحدّث أحیاناً واعیاً لهذا الأمر، بل واقعاً تحت تأثیر الشیطان أو لسانه؛ وهو الذی یدفعه إلى القیام بتلک الأفعال"[43].
وقد أشار الإمام الخمینی (قده) إلى أُولى السُّور وأُولى الآیات الشریفة التی نزلت على النبیّ الکریم (ص) بعد البعثة؛ ومنها قوله تعالى: {کَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَیَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}[44]؛ موضّحاً أنّ الاختلاف إنّما هو بسبب طغیان الإنسان، فـ"جمیع الاختلافات الموجودة سببها أنّ الأساس لم تتمّ تزکیته وتنقیته بعد، فالغایة من البعثة هی تزکیة الناس؛ لکی یتمکّنوا من خلالها تعلّم الحکمة والقرآن الکریم والکتاب، فعندما تتمّ تزکیتهم؛ فلن یکون هناک أیّ إمکان للطغیان"[45].
ثالثاً: سُبُل الوحدة ودعائمها فی فکر الإمام الخمینیّ (قده):
تتّفق المذاهب الإسلامیة جمیعاً حول کثیر من المسائل، وما یجمعها هو أکثر ممّا یُفرّقها، ولو أرادت الاجتماع حول ما یَجمع؛ لوجدت نفسها أقوى الأمم على الإطلاق. ولکنّ القوى المستکبرة والمستعمرة تعمل على إثارة نقاط الخلاف فی ما بینها، وتسخّر له کثیراً من الوسائل الدعائیّة والإعلامیّة، والأبواق والأقلام المأجورة؛ بهدف إضعاف المسلمین وتمزیق وحدتهم. فلماذا نترک هذا الکمّ الهائل من عناصر الوحدة والاعتصام، ونتلهّى بتفاصیلنا الصغیرة؟ فبدلاً من أن نکون الأمّة الأکثر تماسکاً، إذ بنا نصیر بسبب هذا الاختلاف أمماً متفرّقة متصارعة فی ما بینها.
یقول الإمام الخمینی (قدّس سرّه) عن وسائل الإعلام التی تروّج للمسائل الخلافیة بین المذاهب الإسلامیّة: "إنّهم یحاولون عبثاً زرع الفرقة. إنّ المسلمین إخوة فی ما بینهم ولا یتفرّقون من خلال الإعلام السیّئ لبعض العناصر الفاسدة. أصل هذه المسألة -وهی الشیعة والسنّة- أنّ السنّة فی طرف، والشیعة فی طرف آخر، وقد وقع هذا بسبب الجهل والإعلام الذی یمارسه الأجانب، مثلما نلاحظ بین الشیعة أنفسهم وجود أشخاص مختلفین فی ما بینهم، یحارب أحدهم الآخر، ووقوف طائفة ضدّ أخرى بین الإخوة أنفسهم من أهل السنّة. جمیع طوائف المسلمین تواجه الیوم قوى شیطانیّة ترید اقتلاع جذور الإسلام؛ هذه القوى التی أدرکت أنّ الشیء الذی یهدّدها هو الإسلام، وأنّ الشیء الذی یهدّدها هو وحدة الشعوب الإسلامیّة. على جمیع المسلمین فی جمیع بلدان العالم أنْ یتّحدوا الیوم فی ما بینهم، لا أن تقف طائفة هنا وتطرح نفسها، وتقف طائفة أخرى فی مکان آخر وتطرح نفسها أیضاً"[46].
وقد أشار الإمام الخمینی (قده) إلى سُبُل الوحدة ودعائمها التی یمکن للمسلمین استثمارها بشکل کبیر لتعزیز وحدتهم وصیانتها، أبرزها ما یلی:
1ـ الحجّ والوحدة الإسلامیة:
یقول الإمام الخمینی (قده): "الحجّ هو تنظیم وتدریب وتأسیس لهذه الحیاة التوحیدیّة. والحجّ هو میدان تجلّی عظمة طاقات المسلمین واختبار قواهم المادّیّة والمعنویّة. والحجّ؛ کالقرآن، ینتفع منه الجمیع. ولکنّ العلماء والمتبحّرین والعارفین بآلام الأمّة الإسلامیّة، إذا فتحوا قلوبهم لبحر معارفه، ولم یرهبوا الغوص والتعمّق فی أحکامه وسیاساته الاجتماعیّة، فسیصطادون من أصداف هذا البحر جواهر الهدایة، والوعی، والحکمة، والرشاد، والتحرّر، وسیرتوون من زلال الحکمة والمعرفة إلى الأبد"[47].
فالحجّ فریضة إلهیّة لها أبعاد توحیدیّة کبیرة، وهی مؤتمر کبیر یجمع المسلمین من الأقطار کلّها؛ بحیث لا تقدر أیّ دولة فی العالم أن تنظّم مؤتمراً حاشداً کهذا، یوحّد بین أصحاب المذاهب المختلفة فی مناسک متّحدة، نحو قبلة واحدة، وبیت واحد، فی طاعة إله واحد؛ مستنّین بسنّة الرسول الأکرم (ص). وفی هذا الصدد یقول الإمام الخمینی (قده): "والآن وبینما یتوجّه مسلمو الدول المختلفة فی العالم إلى کعبة الآمال، وحجّ بیت الله الحرام، وإقامة هذه الفریضة الإلهیّة العظیمة والمؤتمر الإسلامیّ الکبیر، فی أیام مبارکة، ومکان مبارک، فإنّه یجب على المسلمین المبعوثین من قِبَل الخالق تعالى أنْ یستفیدوا من المحتوى السیاسیّ والاجتماعیّ للحجّ؛ مضافاً إلى محتواه العبادیّ، وأن لا یکتفوا بالظاهر؛ فالجمیع یعلم أنّ أیّ مسؤول وأیّة دولة لا یمکنها إقامة مثل هذا المؤتمر العظیم، وهذه هی أوامر الباری جلّ وعلا التی أدّت إلى انعقاد هذا المؤتمر. ومع الأسف، فإنّ المسلمین على طول التاریخ لم یتمکّنوا من الاستفادة بشکل جیّد من هذه القوّة السماویّة والمؤتمر العظیم لصالح الإسلام والمسلمین!"[48].
ولأجل ما یتضمّن الحجّ من قدرة على التوحید بین المسلمین؛ علینا أنْ نسعى بطاقاتنا کلّها لاستثمار هذه الفرصة التی تمرّ علینا مرّة واحدة فی کلّ عام؛ لتوحید المسلمین، وتحدید الخطر الذی یواجههم جمیعاً للتعاضد والتکاتف فی مواجهته. وهذا ما أکّد علیه الإمام الخمینی (قده) بقوله: "ومن جملة الوظائف فی هذا الاجتماع العظیم دعوة الناس والشعوب الإسلامیّة إلى وحدة الکلمة، وإزالة الاختلافات بین طبقات المسلمین. ویجب على الخطباء والکتّاب المساهمة فی هذا الأمر المهمّ، وبذل الجهد؛ من أجل إیجاد جبهة المستضعفین، فیمکن من خلال وحدة الجبهة، واتّحاد الکلمة، وشعار لا إله إلا الله، التخلّص من أسر القوى الشیطانیّة للأجانب والمستعمرین والمستغلّین، والتغلّب على المشاکل؛ من خلال الأخوّة الإسلامیّة"[49].
کما إنّ الأبعاد السیاسیّة لمناسک الحجّ لا تکاد تخفى، وقد سُمّی الحجّ بالحجّ السیاسیّ العبادیّ، وکُتبت فیه مؤلّفات عدّة تعالج الأبعاد السیاسیّة لهذا المؤتمر الإلهیّ الکبیر.
یقول الإمام (قده): "وثمّة أبعاد سیاسیّة عدیدة فی الاجتماعات، والجماعات والجمعة؛ وخاصّة اجتماع الحجّ الثمین؛ منها: الاطّلاع على مشاکل الإسلام والمسلمین الأساسیّة والسیاسیة، فیمکن من خلال اجتماع العلماء والمثقّفین والمتدیّنین الزائرین لبیت الله الحرام، طرحها ودراستها وإیجاد الحلول لها، وتقدیم تلک الحلول لدى العودة إلى البلدان الإسلامیّة، فی الاجتماعات العامّة، وبذل الجهد لرفعها"[50].
2. معرفة العدوّ المشترک للمسلمین والمستضعفین:
لا شکّ فی أنّ وحدة العدو الذی یواجهه المسلمون تُعدّ من أهمّ المسائل التی تلزمُنا بالاتّحاد ونفی الاختلاف، فوحدة العدوّ تطال الأمّة المتشرذمة بشکل أفضل؛ کما نراه الیوم فی الحروب التی یقوم بها الاستکبار العالمیّ على البلدان الإسلامیّة؛ محاولاً الاستفراد بکلّ بلد منه على حدة، ثمّ ینتقل منه إلى آخر، فإذا اتّحدت الأمّة وکانت صفّاً واحداً شکّلت بذلک سدّاً منیعاً یخلق الرعب فی نفوس الأعداء. یقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفّاً کَأَنَّهُمْ بُنْیَانٌ مَرْصُوصٌ}[51]. وقد أکّد الإمام الخمینی (قده) على هذه المسألة فی کثیرٍ من خطاباته للعالم الإسلامیّ، حیث یقول: "فی مرحلة هجوم القوى الکبرى على البلدان الإسلامیّة؛ مثل: قتل المسلمین الأفغانیّین دون رحمة وبوحشیة لمعارضتهم تدخّل الأجنبی فی مقدّراتهم، أو أمریکا الضالعة فی کلّ فساد، ومع الهجوم الشامل (الذی تشنّه) إسرائیل المجرمة على المسلمین فی فلسطین ولبنان العزیز، ومع (تنفیذ) المشروع الإسرائیلیّ الإجرامیّ الرامی إلى نقل عاصمتها إلى بیت المقدس، وتوسیع جرائمها ومذابحها الوحشیّة بین المسلمین المشرّدین من أوطانهم، وفی هذا الوقت الذی یحتاج فیه المسلمون أکثر من أیّ وقت آخر إلى وحدة الکلمة، (فإنّ) عملاء قوى الاستکبار فی مرکز القوّة فی بلاد المسلمین، (یدعون) إلى التفرقة بین المسلمین، ولا یألون جهداً فی أن یرتکبوا على هذا الطریق کلّ جریمة یأمر بها سیّدهم"[52].
وقد وجّه الإمام الخمینیّ (قده) نداءات کثیرة إلى المسلمین لتنبیههم وتحذیرهم من العدوّ المشترک الذی یواجههم، ودعاهم إلى الاتّحاد وأن یقفوا سدّاً منیعاً أمام أطماعه، ومن هذه النداءات قوله: "أیّها البحر العظیم من المسلمین! اهدروا، وحطّموا أعداء الإنسانیّة، فإن اتّجهتم إلى الله والتزمتم بتعالیم السماء، فالله تعالى وجنده العظام معکم. إنّ أهمّ وأمضّ مسألة تعانی منها الشعوب الإسلامیّة وغیر الإسلامیة فی البلدان الخاضعة، هی مسألة أمریکا. الحکومة الأمریکیّة؛ باعتبارها (حکومة) أقوى بلد فی العالم لا تألو جهداً فی ابتلاع المزید من الذخائر المادّیّة للبلدان الخاضعة. أمریکا العدوّ الأوّل للشعوب المحرومة والمستضعفة فی العالم. أمریکا لا تتردّد فی ارتکاب أیّة جریمة من أجل فرض سیطرتها السیاسیّة والاقتصادیّة والثقافیّة والعسکریّة على العالم الخاضع لها. إنّها تستثمر الشعوب المظلومة فی العالم بدعایاتها الواسعة التی تدبلجها الصهیونیّة العالمیّة. إنّها ورموزها المشبوهة الخائنة تمصّ دماء الشعوب المقهورة، حتّى کأنّ حقّ الحیاة خاصّ بها وبأتباعها. أیّها المسلمون المتضرّعون (إلى الله) جوار بیت الله، ادعوا للصامدین أمام أمریکا وسائر القوى الکبرى"[53].
ویقول (قده) -أیضاً- فی نداءٍ آخر للمسلمین الحجّاج: "إنّ شرط تحقّق الآمال الفطریّة والإنسانیّة فی جمیع المناسک والمواقف هو اجتماع جمیع المسلمین فی هذه المراحل والمواقف، ووحدة کلمة جمیع الطوائف الإسلامیّة دون أنْ تفرّق بینهم اللغة، واللون، والقبیلة، والطائفة، والوطن، والعصبیّات الجاهلیة، وشرط ذلک النهوض المنسجم بوجه العدوّ المشترک... وهو عدّو الإسلام العزیز، هذا العدوّ تلقّى فی عصرنا صفعة من الإسلام، ولذلک یرى الإسلام سدًّا أمام أطماعه، ویسعى عن طریق بثّ التفرقة والنفاق إلى أنْ یزیل هذا المانع المحسوس من طریقه، ویحرّک عملاءه، وعلى رأسهم رجال الدین الحسّاد الدنیویّون المتملّقون على أعتاب السلطان؛ کی ینفّذوا أهدافه فی کلّ مکان، وفی مختلف الأوقات؛ وخاصّة فی موسم الحجّ والاجتماعات المقدّسة. على المسلمین المجتمعین فی مواقف هذه العبادة الرامیة إلى تجمیع المسلمین من جمیع أرجاء الأرض؛ لیشهدوا منافع لجمیع المستضعفین فی العالم، وأیّ منافع أعظم من قطع ید الطامعین عن البلدان الإسلامیّة؟ علیهم أنْ یراقبوا بحذر الأعمال المعادیة للإسلام والقرآن الصادرة عن هؤلاء العملاء الخبثاء ورجال الدین المفرِّقین، وعلیهم أنْ یطردوا الذین لا یقبلون النصیحة منهم، وأن لا یعیروا أهمّیّة للإسلام ولمصالح المسلمین، فهؤلاء أفظع من الطواغیت وأخبث منهم"[54].
3ـ عدم هجر القرآن الکریم:
کانت دعوة الإمام الخمینیّ (قده) الدائمة للمسلمین أن لا یُهجر القرآن بین ظهرانیهم، حیث یعتبر الإمام الخمینیّ (قده) مشکلة المسلمین الکبرى فی هجرهم لهذا الکتاب الإلهی العظیم الذی یتضمّن الهدایة للبشر جمیعاً، حیث یقول: "إنّ مشکلة المسلمین الکبرى تتمثّل فی هجرهم القرآن، والانضواء تحت لواء الآخرین"[55].
وقد دعا (قده) إلى ضرورة العمل بالقرآن وتحکیمه فی الحیاة، حیث یقول: "المهم هو أنْ یعمل المسلمون بالإسلام والقرآن، فالإسلام ینطوی على جمیع المسائل المرتبطة بحیاة البشر فی الدنیا والآخرة، وفیه کلّ ما یرتبط بتکامل الإنسان وتربیته وقیمه"[56].
4ـ شخصیّة الرسول الأکرم (ص) تجمع المسلمین:
إنّ رسول الإسلام وخاتم النبیّین (ص) شخصیّة تجمع المسلمین بکافّة مللهم وأعراقهم، فهو رسولهم جمیعاً، وکلّهم متّفقون على أنّه القائد الأوّل والملهم، والقدوة، والرجل الإلهیّ الأکمل، وأنّه دعا إلى أن یکون المسلمون یداً واحدة فی مواجهة أعدائهم وقوى الشرّ الطامعة. وهذا ما بیّنه الإمام الخمینیّ (قده) فی کثیر من خطاباته، حیث یقول: "أراد رسول الإسلام أنْ یحقّق وحدة الکلمة فی العالم کلّه، أراد إخضاع جمیع بلدان العالم لکلمة التوحید، أراد أن یخضع الربع المسکون بکامله لکلمة التوحید، بید أنّ أغراض سلاطین تلک الفترة من جهة، وأغراض علماء النصارى والیهود وأمثالهم من جهة أخرى، منعته من تحقیق ذلک، والآن فإنّهم یمنعون ذلک -أیضاً-، وإنّ مصائبنا الآن هی بسببهم"[57].
فدعوة الرسول الأکرم (ص) هی دعوة لنا جمیعاً لنبذ خلافاتنا، ولا یوجد أفضل من کلمة التوحید التی زرعها فی نفوسنا کلمة باقیة خالدة لتوحّدنا.
5. رسالة علماء الدین:
لم یغِبْ ذِکْر أهمّیّة الخطاب الدینیّ لإرساء الوحدة الإسلامیّة عن کلمات الإمام الراحل (قده)، فهو یرى الدعوة إلى الوحدة جزءاً أساساً من رسالة علماء الدِّین التبلیغیّة، حیث یقول: "یجب أن ینتفض العلماء فی سائر أنحاء العالم، وخاصّة علماء الإسلام ومفکّروه العظام، وأنْ یکونوا قلباً واحداً، وفی اتّجاه واحد فی طریق إنقاذ البشریّة من سیطرة السلطة الظالمة لهذه الأقلّیّة المحتالة والمتواطئة التی فرضت سلطتها على العالم، من خلال مختلف الدسائس والحیل، وأن یزیلوا ببیانهم وقلمهم وعملهم ذلک الخوف الکاذب المسیطر على المظلومین"[58].
6. مسؤولیة قادة البلدان الإسلامیّة فی سبیل الوحدة:
یرى الإمام الخمینیّ (قده) أنّ ثمّة مسؤولیّة کبرى تلقى على عاتق رؤساء البلدان الإسلامیّة فی سبیل الوصول إلى اتّحاد کلمة المسلمین، حیث یقول: "إنّ تکلیف رؤساء الإسلام الآن، وسلاطین الإسلام، ورؤساء الجمهوریّات الإسلامیّة، هو أن یضعوا هذه الاختلافات البسیطة الموسمیّة جانباً، فلا یوجد عرب وعجم، ولا تُرْک وفُرْس، بل هناک الإسلام؛ کلمة الإسلام. یجب علیهم أن یتّبعوا رسول الإسلام فی طریقته فی المواجهة والصراع، وأن یکونوا تبعاً للإسلام. إنّهم إذا حافظوا على وحدة کلمتهم، إذا وضعوا هذه الاختلافات الموسمیّة البسیطة جانباً، إذا کانوا جمیعاً یداً واحدة... وقاموا بحمایة حدودهم، واشترکوا جمیعاً فی کلمة التوحید المشترکة بین الجمیع، ... ووحّدوا کلمتهم، فإذا وحّد هؤلاء کلمتهم، فإنّ الیهود لن یعودوا لیطمعوا فی فلسطین، فسبب هذه الأمور أنّهم لا یسمحون لکم بالاتّحاد"[59]
خاتمة:
بناءً على ما تقدّم فی هذه المقالة، یمکن إیجاز جملة من التوصیات المنبثقة من الطرح الوحدویّ فی فکر الإمام الخمینی (قده)، أبرزها:
- إنّ وحدة المسلمین بشرائحهم کافّة، أمر فی غایة الأهمّیّة، بل هی الأساس فی أیّ تقدّم یُحرزه المسلمون، وهی الأساس لاسترجاع حقوقهم المهدورة، وهی السدّ المنیع أمام استقواء المستکبرین علیهم. فمن هذا المنطلق، لو التفت المسلمون إلى هذه النصائح الملهمة من هذا الإمام الراحل (قده)؛ لوجدوا فیها روح التوحید، والحرص على أمر المسلمین ومقدّساتهم.
- ضرورة عدم الغفلة عن القرآن الکریم الذی یصدح بنا لیل نهار لنبذ الخلاف، وتوحید الکلمة، والسعی الدائم إلى لمّ الشمل؛ لکی لا نفشل وتذهب ریحنا.
- عدم ترک أیّ فرصة یمکن أن تجمع المسلمین على الکلمة السواء، من دون استثمار عملیّ لها، ولاسیّما المناسبات التوحیدیّة؛ کشهر رمضان، ویوم القدس، وأسبوع الوحدة الإسلامیّة فی شهر ربیع الأوّل، وأیّام الحجّ المبارکة، وعدم الغفلة عن العدوّ المتربّص بنا الدوائر.
- إنّ مختلف عناوین الوحدة وأشکالها وصورها القائمة على المجاملات -التی لا تتعدّى حدود الألفاظ والشکلیّات- لا یمکن لها أن تحقّق أدنى غایاتها، ولو کانت بأفضل صورها وأجملها وأرقاها، ولیست هی التی یطمح إلیها المسلمون الحریصون على قدسیّة الإسلام، ومصالح بنیه، وحفظ ثوابته العقدیّة والفکریّة. ولهذا، فإنّ الوحدة المرجوّة هی تلک الوحدة المرتکزة على الأصول الوحدویّة للبشر التی ذکرها القرآن الکریم؛ مضافاً إلى الأصول والفروع التی بُنِیَت علیها الشریعة الإسلامیّة، وکُلِّف بها الناس، والتی من المفترض أن تقضی على ظاهرة التفرقة، والتباین، والتکفیر، ونحوها، وأن تزیل جمیع المعیقات المصطنعة أو المدسوسة أو المنحرفة التی تمنع تلاقی المسلمین ووحدتهم.
[1] رئیس التحریر، وأستاذ فی جامعة المصطفى (ص) العالمیّة، من لبنان.
[2] سورة الحجرات، الآیة 10.
[3] سورة الحجرات، الآیة 10.
[4] الکلینی، محمد بن یعقوب: الکافی، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط4، طهران، دار الکتب الإسلامیّة، 1365هـ.ش، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب أخوّة المؤمنین بعضهم لبعض، ح4، ص166.
[5] م.ن، ح3.
[6] الحرانی، ابن شعبة: تحف العقول عن آل الرسول (ص)، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، 1404هـ.ق/ 1363هـ.ش، ص263.
[7] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب الحبّ فی الله والبغض فی الله،ح2، ص125.
[8] سورة البقرة، الآیة 215.
[9] سورة البقرة، الآیة 195.
[10] سورة التوبة، الآیة 34.
[11] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب العشرة، باب حقّ الدار، ح14، ص668.
[12] سورة الحجرات، الآیة 10.
[13] سورة الإسراء، الآیة 31.
[14] سورة الحشر، الآیتان 8-9.
[15] سورة الحجرات، الآیة 13.
[16] الهیثمی، علی بن أبی بکر بن سلیمان: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لا ط، بیروت، دار الکتب العلمیّة، 1408هـ.ق/ 1988م، ج5، ص222.
[17] المتقی الهندی، علی بن حسام الدین: کنز العمّال، ضبط وتفسیر: بکری حیانی، تصحیح وفهرسة: صفوة السقا، لا ط، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1409هـ.ق/ 1989م، ج1، ص207.
[18] سورة الفتح، الآیة 26.
[19] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب العصبیّة، ح1، ص307.
[20] م.ن، ح7، ص308.
[21] سورة الحجرات، الآیة 13.
[22] انظر: الغزالی، محمد: خُلقُ المسلم، ط13، دمشق، دار القلم، 1418هـ.ق/ 1998م، ص197.
[23] المتّقی الهندی، کنز العمال، م.س، ج1، ح686، ص142.
[24] سورة المائدة، الآیة 2.
[25] العلویّ، محمد بن الحسین بن موسى (الشریف الرضی): نهج البلاغة (الجامع لخطب أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب(ع) ورسائله وحکمه)، شرح: محمد عبده، ط1، دار الذخائر، قم المقدّسة، 1412هــ.ق، ج2، الخطبة146، ص29.
[26] الصدر، محمد باقر: اقتصادنا، ط2، قم المقدّسة، بوستان کتاب، 1425هـ.ق/ 1382هـ.ش، ص310.
[27] سورة إبراهیم، الآیات 24-27.
[28] سورة آل عمران، الآیة 159.
[29] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب الرفق، ح7، ص119.
[30] سورة الممتحنة، الآیتان 8-9.
[31] انظر: الطباطبائی، محمد حسین: المیزان فی تفسیر القرآن، لا ط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، لا ت، ج6، ص258.
[32] الواسطی، علی بن محمد اللیثی: عیون الحکم والمواعظ، تحقیق: حسین الحسینی البیرجندی، ط1، قم المقدّسة، دار الحدیث، لا ت، ص40.
[33] البیهقی، علی بن زید: معارج نهج البلاغة، تحقیق: محمد تقی دانشبجوه، إشراف: محمود المرعشی، ط1، قم المقدّسة، بهمن، 1409هـ.ق، ص399.
[34] الکاشانی، محمد بن المرتضى (الفیض): المحجّة البیضاء فی تهذیب الأحیاء، تحقیق: علی أکبر الغفاری، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، لا ت، ج5، ص368.
[35] نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجّاج بیت الله الحرام، عام 1413ه.ق.
[36] سورة التوبة، الآیة 33.
[37] سورة البقرة، الآیة 214.
[38] سورة آل عمران، الآیة 10.
[39] المتّقی الهندیّ، کنز العمال، م.س، ج1، ص177.
[40] الخمینی، روح الله: صحیفة النور، ط1، مؤسّسة تنظیم ونشر تراث الإمام الخمینی (قده)، طهران، 1430هـ.ق/ 2009م، ج8، ص235.
[41] م.ن، ج16، ص54.
[42] م.ن، ج15، ص271-272.
[43] م.ن، ج20، ص12-13.
[44] سورة العلق، الآیتان 6-7.
[45] الخمینی، صحیفة النور، م.س، ج14، ص251-256.
[46] م.ن، ص434-435.
[47] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص141.
[48] م.ن، ص141-142.
[49] م.ن، ص142.
[50] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص142.
[51] سورة الصف، الآیة 4.
[52] نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 2 ذی الحجّة 1400هـ.ق.
[53] نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 2 ذی الحجّة 1400هـ.ق.
[54] نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 1 ذی الحجّة 1406هـ.ق.
[55] الخمینی، روح الله: الکلمات القصار (مواعظ وحکم من کلام الإمام الخمینیّ (قده))، ط1، بیروت، دار الوسیلة، 1416هـ.ق/ 1995م، ص51.
[56] م.ن، ص50.
[57] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص427.
[58] م.ن، ص426.
[59] م.ن، ص427-428.
مراجع
[1]سورة الحجرات، الآیة 10.
[1] سورة الحجرات، الآیة 10.
[1] الکلینی، محمد بن یعقوب: الکافی، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط4، طهران، دار الکتب الإسلامیّة، 1365هـ.ش، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب أخوّة المؤمنین بعضهم لبعض، ح4، ص166.
[1] م.ن، ح3.
[1] الحرانی، ابن شعبة: تحف العقول عن آل الرسول (ص)، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، 1404هـ.ق/ 1363هـ.ش، ص263.
[1] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب الحبّ فی الله والبغض فی الله،ح2، ص125.
[1] سورة البقرة، الآیة 215.
[1] سورة البقرة، الآیة 195.
[1] سورة التوبة، الآیة 34.
[1] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب العشرة، باب حقّ الدار، ح14، ص668.
[1] سورة الحجرات، الآیة 10.
[1] سورة الإسراء، الآیة 31.
[1] سورة الحشر، الآیتان 8-9.
[1] سورة الحجرات، الآیة 13.
[1] الهیثمی، علی بن أبی بکر بن سلیمان: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لا ط، بیروت، دار الکتب العلمیّة، 1408هـ.ق/ 1988م، ج5، ص222.
[1] المتقی الهندی، علی بن حسام الدین: کنز العمّال، ضبط وتفسیر: بکری حیانی، تصحیح وفهرسة: صفوة السقا، لا ط، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1409هـ.ق/ 1989م، ج1، ص207.
[1] سورة الفتح، الآیة 26.
[1] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب العصبیّة، ح1، ص307.
[1] م.ن، ح7، ص308.
[1] سورة الحجرات، الآیة 13.
[1] انظر: الغزالی، محمد: خُلقُ المسلم، ط13، دمشق، دار القلم، 1418هـ.ق/ 1998م، ص197.
[1] المتّقی الهندی، کنز العمال، م.س، ج1، ح686، ص142.
[1] سورة المائدة، الآیة 2.
[1] العلویّ، محمد بن الحسین بن موسى (الشریف الرضی): نهج البلاغة (الجامع لخطب أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب(ع) ورسائله وحکمه)، شرح: محمد عبده، ط1، دار الذخائر، قم المقدّسة، 1412هــ.ق، ج2، الخطبة146، ص29.
[1] الصدر، محمد باقر: اقتصادنا، ط2، قم المقدّسة، بوستان کتاب، 1425هـ.ق/ 1382هـ.ش، ص310.
[1] سورة إبراهیم، الآیات 24-27.
[1] سورة آل عمران، الآیة 159.
[1] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب الرفق، ح7، ص119.
[1] سورة الممتحنة، الآیتان 8-9.
[1] انظر: الطباطبائی، محمد حسین: المیزان فی تفسیر القرآن، لا ط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، لا ت، ج6، ص258.
[1] الواسطی، علی بن محمد اللیثی: عیون الحکم والمواعظ، تحقیق: حسین الحسینی البیرجندی، ط1، قم المقدّسة، دار الحدیث، لا ت، ص40.
[1] البیهقی، علی بن زید: معارج نهج البلاغة، تحقیق: محمد تقی دانشبجوه، إشراف: محمود المرعشی، ط1، قم المقدّسة، بهمن، 1409هـ.ق، ص399.
[1] الکاشانی، محمد بن المرتضى (الفیض): المحجّة البیضاء فی تهذیب الأحیاء، تحقیق: علی أکبر الغفاری، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، لا ت، ج5، ص368.
[1] نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجّاج بیت الله الحرام، عام 1413ه.ق.
[1]سورة التوبة، الآیة 33.
[1] سورة البقرة، الآیة 214.
[1] سورة آل عمران، الآیة 10.
[1] المتّقی الهندیّ، کنز العمال، م.س، ج1، ص177.
[1] الخمینی، روح الله: صحیفة النور، ط1، مؤسّسة تنظیم ونشر تراث الإمام الخمینی (قده)، طهران، 1430هـ.ق/ 2009م، ج8، ص235.
[1] م.ن، ج16، ص54.
[1] م.ن، ج15، ص271-272.
[1] م.ن، ج20، ص12-13.
[1] سورة العلق، الآیتان 6-7.
[1] الخمینی، صحیفة النور، م.س، ج14، ص251-256.
[1] م.ن، ص434-435.
[1] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص141.
[1] م.ن، ص141-142.
[1] م.ن، ص142.
[1] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص142.
[1]سورة الصف، الآیة 4.
[1]نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 2 ذی الحجّة 1400هـ.ق.
[1]نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 2 ذی الحجّة 1400هـ.ق.
[1]نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 1 ذی الحجّة 1406هـ.ق.
[1] الخمینی، روح الله: الکلمات القصار (مواعظ وحکم من کلام الإمام الخمینیّ (قده))، ط1، بیروت، دار الوسیلة، 1416هـ.ق/ 1995م، ص51.
[1]م.ن، ص50.
[1] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص427.
[1] م.ن، ص426.
[1] م.ن، ص427-428.