علي فواز
ما يشغل بال "إسرائيل" حقيقة هو ما دفعها إلى طلب التوسّط لإنهاء هذه الجولة القتالية، وهو أخطر من أن يُسرب لوسائلها الإعلامية.
ما الذي جنته "إسرائيل" من جولة التصعيد الأخيرة؟
لم يخرج الكيان الإسرائيلي خالي الوفاض من جولة المواجهة الأخيرة مع قطاع غزة. بهاء أبو العطا يعتبر بحسب "جيروزاليم بوست" رئيس "سرايا القدس" في حركة الجهاد الإسلامي في غزة. شارك بحسب الصحيفة في التخطيط لهجمات ضد "إسرائيل"، وفي صنع أسلحة، وتحسين قدرات إطلاق الصواريخ بعيدة المدى. بهذا المعنى من المؤكد أن استشهاد أبو العطا، يشكل خسارة للمقاومة في فلسطين وسائر المنطقة.
لكنّ نهاية أبو العطا ليست بهذا المعنى سوى خسارة بالنقاط. أما في محصّلة المواجهة الكبرى والاستراتيجية فلمسؤولي الكيان الإسرائيلي وصحافته رأي آخر.
يحمل المقاوم عادة دمه على كفّه غير مكترث بالنقاط. في ساحات الشرف يتمنى أي مقاتل صاحب قضية أن ينال مرتبة الشهادة. خسارته على مستوى الحضور والاستعداد والكفاءة لا تجبّ شرف الشهادة والارتقاء بنبل القضية.
فقدان أبو العطا من منظور المقاومة ما هو محطة تليها محطات. عقود طويلة من الاغتيالات نجح فيها كيان الاحتلال في تصفية مقاومين من مختلف الفصائل، فهل وضع ذلك حداً لتطوّر المقاومة وبروز أجيال جديدة من القادة الاستشهاديين؟ هل وضع حداً بالتالي لإيقاف التهديد الذي يواجه "إسرائيل"؟
يعلن السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير أن المقاومة في لبنان باتت تمثّل خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني، مستعيراً في هذا الإطار تصنيف الإسرائيليين أنفسهم. في العقد الأخير خسر حزب الله قادة وازنين هو الآخر، لا سيما خلال سنوات الحرب على سوريا. غيابهم لم يمنع تعاظم التهديد على "إسرائيل" بدليل ارتقاء لبنان في عقلية الأمن القومي الإسرائيلي من خطر استراتيجي إلى خطر وجودي.
قبل أسبوعين حذر كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين من أن كيانهم يواجه عاصفة إيرانية تقترب من حدوده. اليوم الخميس تباهى رئيس الحكومة الإسرائيلية المستقيل بنيامين نتنياهو بالقول إن أهداف عمليته أنجزت بالكامل. "إنجاز" بدا أن نتنياهو بأمس الحاجة إلى تسويقه وسط تساؤلات وشكوك عبّرت عنها مجموعة من النخب الإسرائيلية بما فيها صحافيين وأمنيين، إضافة إلى شريحة واسعة من الرأي العام، بخصوص العملية الأخيرة.
وفق التصنيف الإسرائيلي تعتبر "سرايا القدس" أقل قدرة وإيذاءً من كتائب "عزالدين القسام". اختارت القيادة الإسرائيلية إذاً مهاجمة فصيل في الوسط، بين مختلف الفصائل. خلال ثلاثة أيام من المواجهة استطاع هذا الفصيل وحده تقريباً، تعطيل وشلّ الحياة الاقتصادية والاجتماعية على مستوى واسع داخل الكيان. فكيف سيكون الحال لو هاجمت كل الفصائل الفلسطينية دفعة واحدة أو انضمت إليهم لاحقاً جبهات أخرى؟.
بحسب "منتدى التفكير الإقليمي" فإنه أسهل بكثير تصفية شخص واحد من "تصفية" مشكلة إستراتيجية أساسية تؤثر على الملايين. في هذا الإطار يقول الكاتب الإسرائيلي ،الحنان ميلر، إن السؤال الإستراتيجي الأكثر أهمية في هذه الآونة هو: ما الذي فعلته الحكومة الإسرائيلية منذ أن دخلت تفاهمات "الجرف الصامد" حيز التنفيذ منذ خمس سنوات حتى تُحوِّل الهدوء المؤقت في القطاع إلى هدوء دائم؟ الجواب: لا شيء تقريباً.
في حوار خاص مع الميادين يقول أمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة إن القرار بالرد على اغتيال الشهيد أبو سليم تم اتخاذه فوراً بعد دقائق على عملية الاغتيال، مؤكداً أن "سرايا القدس" لم تستنفذ كل ما في جعبتها من صواريخ وأسلحة. وأكدّ أن "إسرائيل" هي التي بادرت إلى طلب وقف إطلاق النار. لكنّ الأهمّ هو إعلانه عن أن "سرايا القدس" عملت خلال المواجهة بمستوى منخفض وفق الأداء العسكري العام.
أمام هذه المؤشرات والرسائل ما الذي يبقى من إعلان نتنياهو ليل الخميس من أن "أعداءنا تلقوا الرسالة– يمكننا الوصول لأي شخص"؟
لا شيء باستثناء محاولة إخفاء سلسلة من الإخفاقات بإعلان باهت، لا يجد جواباً شافياً على أسئلة الجمهور الإسرائيلي ونخبه العسكرية والفكرية.
إخفاقات تبدأ بانتهاء عهد "المعركة بين الحروب" التي وصلت إلى طريق مسدود بحسب مصدر أمني إسرائيلي لـ المونيتور. وتمتد هذه الإخفاقات إلى القلق المستجد حول نوعية السلاح المضاد للطيران الذي استخدمه حزب الله ضد مسيّرة إسرائيلية قبل أسبوعين، والذي يعبّر من المنظور الإسرائيلي عن تغيير في سياسات حزب الله، وهي سياسات تلزم "إسرائيل" بحسب الكاتب الصهيوني يوآف ليمور بإعادة تقييم استخدام القوة في المنطقة.
استشهاد أبو العطا يأتي في مرحلة باتت "إسرائيل" نفسها تصدّق رواية المقاومة متحدثة عن "عواصف" وعن "يوم القيامة". اليوم الذي قد تشارك فيه مختلف جبهات محور المقاومة في استئصال الغدة السرطانية في المنطقة. تنظر "إسرائيل" حولها اليوم وترى تحوّلات في البيئة الاستراتيجية على خلاف ما تتمناه وما خططت له. ردعها المتآكل لم يثن "سرايا القدس" عن الرد بعد دقائق على استهداف قائدها.
في هذا السياق لا تكمن أعظم مصائب تل أبيب في إعلان "سرايا القدس" عن إدخال صاروخ جديد من طراز (براق 120) للخدمة العسكرية بقدرات تدميرية عالية ودقيقة، وليس فقط في ما توصّل إليه الكاتب الإسرائيلي نحمان شاي من أن طول المعركة التي يخوضها الجيش الإسرائيلي لم يعد غير محدود، إذ يتم تحديده وفق قدرة الجبهة الداخلية على الصمود.
ما يشغل بال "إسرائيل" حقيقة هو ما دفعها إلى طلب التوسّط لإنهاء هذه الجولة القتالية، وهو أخطر من أن يُسرب لوسائلها الإعلامية.