...هُوَ الَّذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنينَ * وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهمْ .... (الأنفال 62و63)
یکاد الحدیث عن الصحوة الاسلامیة یُعد من أهمِّ الحدیث في عصرنا الحاضرخاصة بين الشباب المسلم الثوري،لأنّه یتعلّق بأهم قضیة و ظاهرة تعیشها الاُمة الإسلامیة کمنعطف فی تاریخها المملوء بالحوادث ....وقد إرتأيتُ فی مجال تناولی هذه الظاهرةُ المبارکة أن أتعرض لها من الزاویتين ( أسباب الصحوة،وعوامل ديمومتها)، للترابط الموجود بین هذين الزاویتين ، و تأکیداً للنتائج العملیة التی یجب أن ننتهی الیها من خلال البحث.
الزاویة الاُولی :أسباب الصحوة الاسلامیة
لیس من الصعب علی من ینطلق فی تفکیرديني وموضوعی أن یکتشف أسباب هذه الصحوة الإسلامیة وهذا التحول العظیم فی حیاة الأمة، فالإنسان البصیر بالأمور التي تجري حوله لا یشک فی کون هذه الظاهرة المبارکة لطفاً إلهیا محضا،شمل هذه الأمة بعد فترة، و أهلّها لأن تطرح نفسها فی الساحة العالمیة،و تمکِّن إسلامها من قیادة العالم من جدید، قال تعالی : ... هُوَ الَّذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنينَ * وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ
ومن أهمِّ العناصر التی أهّلت الأمة ليشملها هذا اللطف الإلهی ، هو العودة إلی الإسلام الأصيل والتوکل علی الله القدير والذي جاء وحصل من خلال العمل الدؤوب للعلماء و المفکرین والفئة القليلة من المؤمنين الذین احسوا بداء هذه الأمة، و أخذوا یخططون لها سبل العلاج فانصبَّ عملهم علی الدعوة إلی الإلتزام بالدين الحنيف وأحکامه النيرة لکي یستعید الإسلام دوره فی النفوس و العقول، و حینئذ فهو یتکفّل بدفعها نحو سبل السعادة، بما یحمل الإسلام من طاقات ،و إبداع ،یفجّر الفطرة الإلهية فيهم،و یستخرج مکنوناتها الذاتية، فتثورالاُمة ضد الظلم والطغيان .
وکانت صرخات الإصلاح ونداءات العودة إلی الإسلام الحقيقي الأصيل من قبل علماء الإسلام ومفکريهم تدوِّي في سماء عالم الإسلام منذ سنين من قِبَل أمثالِ الأسد آبادي الأفغانی، و محمدعبده، و حسن البنا، و المودودی، وابن بادیس، والإبراهیمی، و السيد محمد باقرالصدر، والاُستاذ الشهيد مطهری وعلی رأس کل هؤلاء الإمام الخمینی (رحمهم الله جميعاً ) .
ولا شک أنَّ کلُ هؤلاء لعلماء و المفکرین والقادة وحرکاتهم الإسلامية قد أدَّت دورها اللازم فی تحقیق الصحوة الإسلامية ، وذلک بنشر الوعی، و الحماس الثوری بین أبناء الأمة، ولکن قد اختلف تأثیر هذه الحرکات علی هذه المنطقة أو تلک، کما اختلف مستوی الوعی و الحماس لدی هذه الحرکة عن تلک، إلاّ انّها جمیعاً قد دفعت الناس خاصة الشباب المسلم نحو تطبیق الإسلام، ولکن الأمرالذي اتفق عليه من قِبَل أصحاب الفکروالقلم والخبراء فی الحرکات الإسلامیة المعاصرة أنَّ نجاح الثورة الإسلامیة المبارکة، بقیادة الإمام الخمینی ، والتی هزّت العالم الإسلامی من أقصاه الی أقصاه، کان لها الأثر الکبير والدورالأکبر و الأمثل فی تحقق الصحوة، و تنامیها، و انتشارها وهی من أهم الدوافع لعملیة الصحوة الاسلامیة فی المنطقة فعلی الرغم من أنَّ هذا العامل هونفسه معلول للصحوة المبارکة إلاّ أنَّه بعد ذلک اصبح هوبدوره یشکّل أکبر العوامل لتوسعة الصحوة و نموِّها فی کل العالم الاسلامی.
دور الإمام الخميني وثورته في الصحوة الإسلامية
قد امتازت حرکة الإمام الخميني الإصلاحية بإطارها الواسع علی سائر الحرکات والثورات فشملت العالم الإسلامي بأجمعه حيث کان الإمام ، من بداية حياته السياسية یعتقد بوجوب القيام ضد جميع حکَّام الطغات الظلمة وبضرورة إصلاح أوضاع جميع المسلمين واهتمَّ بقضايا الاُمة الإسلامية ،خاصة قضية فلسطين والقدس، وقد بدأ ثورته من إيران وشعبه حيث کانت الظروف مهيئة له فيها وشعبها مطيعاً له وباذلاً مهجته لأهدافه ، فقام الإمام بثورة إسلامية أطاحت بأکبرنظام ديکتاتوري عميل للغرب في إيران ومن أهمِّ جنوده في المنطقة .
ولکن وبعد إنتصار الثورة لم يقف الإمام إلی هذا الحد بل صرَّح من البداية بضرورة تصدير الثورة إلی العالم ،خاصة العالم الإسلامي وکان يقصد من ذلک تصدير فکر الثورة وثقافتها ونموذجها وأهدافها لأجل خلاص الأمة الإسلامية من الجور والفساد والطغيان ، ولم يکن يقصد الصورة التي کان يروِّجها الإعلام الغربي أی: تصدير الثورة بالقوة والسِّلاح أو الإنقلابات العسکرية وما إلی ذلک .
وکان الامام الخمینی هو المثل الأعلی لوحدة المسلمین حيث دعی إلی الحج الإبراهیمی، وتحرير القدس ، واستخدم موسم الحج و قضیة فلسطین والقدس رمزاً لهذه الوحدة فصرَّح بضرورة البراءة من المشرکين في موسم الحج وأعلن یوم الجمعة الآخر من شهر رمضان يوم القدس العالمی لأجل تحريرها من الصهاينة ، ومجموع ما قام به الإمام من کلمات ومواقف قبل الثورة وبعدها ساعد علی إنتشار الصحوة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي.
و کيف لا يکون کذلک وقد استطاعت الثورة الإسلامیة أن تهزم کل الأسالیب القومیة، والوطنیة الضیقة، والشیوعیة الملحدة، واللیبرالیة غیر الملتزمة، و انتهجت سیاسة اقتصادیة مستقلة، قائمة علی أساس الإکتفاء الذاتی،فاستطاعت أن تقف علی قدمیها، رغم کل أنماط الحصار و الظروف القاسیة، التی فرضها الإستکبار العالمي وعملاؤه ، فأصبحت الثورة نموذجاً ونهجاً للمسلمين بل لکل من أراد أن يقاوم الظلم والإستبداد والإستکبارالمتمثل بأمريکا. وقد کتب الشهيد الدکتور الشقاقی فی کتابه "الإمام الخمینی، الحل الجدید للعالم الإسلامی" إنَّ نهج الثورة الایرانیة یستحق الاتباع من أجل مواصلة النضال» .
وکل هذه المعطیات من الثورة و غیرها دفعت الصحوة الإسلامية نحو الأمام،و فتحت آفاق الأمل نحو الغد الإسلامی الأمثل للاُمة الإسلامية.
الزاویة الثانية:عوامل ديمومة الصحوة الإسلامیة
لاشک إنّ الصحوة الإسلامية في عصرنا هذا هي من أعظم النعم علینا، فینبغی أن نشکر اللّه تعالی علیها،و شکرهذه النعمة أن نعمل علی تعمیمها و تعمیقها و دیمومتها فی حیاتنا اليومية ثقافياً واجتماعياً وسياسياً. ویجب أن لا تغیب عن بالنا حقیقة مهمة، وهی:إنَّ الإیمان قد یحصل فی لحظة بسب من الأسباب ، و لکن الأمر الصعب هو الإستقامة علی الإيمان،و العمل بمقتضیاته،و الصمود بوجه المشاکل و العقبات الداخلیة و الخارجیة... و ربَّما کانت هذه الصعوبة هی السرُ الکامن فی قول رسول الله (ص):«شیبتنی سورة هود»،و ذلک لمکان آیة الإستقامة فیها التي تأمرالنبي(ص) ومن معه بالإستقامة الإيمان والعمل الصالح بقوله تعالی: فاستقم کما أمرت و من تاب معک... (هود:112)
فبالنسبة إلی ربيع الصحوة الإسلامي ألأمر المهم، هو المحافظة علی الصحوة، و نتائج ثوراتها ،والإهتمام بإستمرارها بعد أن تهدأ الأوضاع ، ولايحصل ذلک إلا بالإنتباه إلی عدَّة اُمورمن قبل الثوار وخاصة قادتهم ومن أهمّ تلک الأمور، أمرين:الأمرالأول: ضرورة إستمرارالتمسک بالإسلام المحمدي الأصيل . والأمر الثاني: الحذر من إحتواء الصحوة ثمَّ التحريف، وسنوضح هذين الأمرين بإختصار:
الأمر الأول: ضرورة إستمرارالتمسک بالإسلام المحمدي الأصيل
کما ذکرنا إنَّ من أهمِّ أسباب هذه الصحوة الاسلامیة وهذا التحول العظیم فی حیاة هذه الأمة هو اللطف الإلهی الذي جاءها بسبب التوکل علی الله والتمسک بالإسلام الأصيل وإنَّ علینا أن نطمئن دائماً إلی أنَّ هذا العامل أيضاً هو سرُّ بقاء الصحوة وإستمرارها ، و لنعلم أنَّ العقبات التي أوجدوها الأعداء أمر طبیعی فی مسیرة الصحوة ، بل هی مصدر قوة إذا وعینا کیف نتلافاها، أمّا الألم ، فهو أمر نشترک فیه مع العدو: «...إن تکونوا تألمون فإنّهم یألمون کما تألمون و ترجون من اللّه ما لایرجون...» (النساء:104) فنحن نتفوق علی العدو بالأمل والرجاء العظیم باللّه تعالی بما سيثيبنا علی هذا الجهاد المقدس، وهو أعظم دافع للنصر. فالتوکِّل علی الله والتمسک بالإسلام الأصيل في إستمرارنهضة الشعوب هومن أهمِّ عوامل بقائها وديمومتها وحيويتها وأصالتها .
ولمَّا نتحدَّث عن ضرورة تمسک أصحاب الصحوة بالإسلام، نقصد بذلک الإسلام الأصيل الذي من خصائصه أنَّه لا يميل إلی الغرب ولا إلی الشرق بل هو مستقل في نظامه السياسي والثقافي والإجتماعي والإقتصادي ويرفض الهيمنة والإستکبار العالمي وهذا هو الإسلام الذي دعی إليه الإمام الخميني قبل الثورة وبعدها وعبَّر عنه بالإسلام المحمدي الأصيل ، ورفض الإسلام الإلتقاطي الذي يروّجه الغرب والذي عبَّر عنه الإمام وخليفته الإمام الخامنئي بالإسلام البريطاني أو الأمريکي الذي يؤيد الحکَّام العملاء و الدول المناصرة للغرب ، و يحفظ علی مصالحهم اللاشرعية .
لقد بيّن الإمام الخميني أنّ شعار لا شرقية ولا غربية هو الإطار الأصيل الذي يمكن الاستناد إليه، في بقاء الثورة الإسلامية و في هذا الصدد ممَّا قاله : إنَّ ديمومة وبقاء الجمهورية الإسلامية في إيران مرهون بتمسكها بسياسة لا شرقية ولا غربية، وإنّ أيّ تراجع عن هذه السياسة يعتبر خيانة بحق الإسلام والمسلمين،... . وقال أيضاً: يجب أن لا يتصوّر البعض بأن هذا الشعار مرحلي، بل هو سياسة إستراتيجية لشعبنا وجمهوريتنا الإسلامية ولجميع مسلمي العالم.... ] 1[.
الأمر الثاني: الحذر من إحتواء الصحوة ثمَّ التحريف
إنَّ عملیة إحتواء صحوة المسلمين ثمَّ تحریفها هی من أخطر العملیات التی واجهها الإسلام خلال تاریخه الطویل، و هی- نفسها- أخطر ما تواجهه الصحوة الإسلامیة الیوم...لقد تمثلت الصحوة فی عطش جماهیری حاد لتطبیق الإسلام علی کل شؤون حیاتها، و ما ان أحسّ الإستکبار بأنّه لا یستطیع أن یواجه هذا السیل،حتی خطط لاحتوائه، من خلال شعارات برّاقة تجذب الأنظار، دون أن تحمل مضمونا معینا، وأخذ يُروّج الإسلام الذي يحفظ مصالحه ومصالح عملاءه ، وقد شهدنا علی الساحة الإسلامیة: اتجاه الکثیر من الأنظمة لطرح الإسلام الأمريکي والبريطاني، والذي من خصوصياته إعلان الکثیر من الحکّام التدیّن المصطنع،و عقد الکثیر من المؤتمرات الضخمة المترفة باسم الإسلام، بحیث یبهر المرء المسلم عندما یواجه هذا العمل الإسلامی الضخم، وراحت القرارات تصدر الواحد تلو الآخر، لتعبر عن الطموح الموحد، بل و اُنشئت عدة تنظیمات و جمیعات کبری،باسم العمل علی حمل همِّ الإسلام إلی العالم.
إنّ المستعمرین أشاعوا فکرة الفصل بین الدین و السیاسة فی المجامع الدینیة و الشعبیة المسلمة، وبتعمیم هذه الفکرة بواسطة الحکّام العملاء و الخونة و وعّاظ السلاطین تمکّنوا من إغفال طبقة عظیمة من المسلمین البسطاء غیر الواعین عن الحقائق الدینیة و الأهداف الإجتماعیة و السیاسیة للشعائر الإسلامیة الکبیرة مثل؛الحج و صلاة الجمعة و صلاة العیدین.
وقد رأینا أن رؤوس الکفر علی مرّ العصور، وقفوا أمام الصحوة الإسلامیة، بل حاربوها بشتَّی الوسائل. و من الأساليب التي استخدموها في هذا المجال هي بثُّ التهم ، فقد بدأت التهم الإستکباریة تنهل، و تتشکل بأشکال مختلفة و بألفاظ من قبیل: الفئة التقلیدیة،الفئة الرجعیة،الفئة التی تخرق الأعراف الإجتماعیة،الفرق الإنتحاریة،الإرهاب الإسلامی،و ما إلی ذلک، وإذا کانت التهم قد استطاعت أن توقف مسیرة الإسلام العظیم الهادرة فی الصدر الأول، فانّها تستطیع أن تؤثر أثرها الیوم، أمَّا في الوقت الذي ینتشر الوعی الثوری الأصیل ، ونری تواجد الجماهیر فی الساحة الإسلامیة العامة و نری أنَّ المفکرين الوعين یسعون لنشر الحقیقة، فإنّ کید الشیطان یرد الی نحورهم بلاریب، بفضل اللّه تعالی.
ومن أخطارالتي يمکن أن تتعرض لها الصحوة علی الصعید الإجتهادی أن یفرط المرء فی التجدید،حتی لینبُذ الاُسس القویمة التی أسسها القُدماء من المفکرین المسلمین، و حتّی لیتصور الإنسان أنَّه ینبغی أن ینفصل عن کل تراثه، بحجة الصحوة الجدیدة. و قد ابتلینا نحن فی إیران باُناس جهلة، و انحرفوا عن طريق الصواب ومسيرالجهاد والإصلاح الحقيقي، وانخرطوا فی المَسلک الیساری الإلحادی، أواليميني المتطرف والمنحازإلی الغرب.
ومن أعراض هذه الصحوة والأخطارالمحدقة بها ما قد یبدو من تطرف فی تقویم الجهاد وکيفية إستمراره، حتی أنَّه یرفض البعض الدخول فی أیّ حوار بنّاء،أو التسليم لسلوک خاص خلال مسيرة النضال، بحجة الإنشغال فی عملیة الجهاد،أوغيرها من الأمورالتي غالباً تشغل الثوار. إلاّ أنّ الصحوة إذا امتلکت قیادتها الواعیة، و أحسّت فی شتی مجالاتها بالشمول الإسلامی و التفاعل الإنسانی،کهدف إسلامی،لم تنحرف إلی مجالات التطرف،أوغيرها من الإنحرافات کما فعلت القيادة الحکيمة في إيران طوال مسيرة الثورة الإسلامية المبارکة وعلی رأس تلک القيادة الواعية المجاهد الکبير المرحوم الإمام الخميني ومن بعده خليفته بالحق الإمام الخامنئي والذي له إطَّلاع وسيع بما يجري في العالم العربي والإسلامي وله إلمام شامل بقضايا الصحوة الإسلامية المعاصرة وما يحدق بها من أخطار علی الصعيد داخل تلک البلاد وخارجها ولذا کان دائماً يحذِّر المسلمين وقادة الصحوة ومفکريها من الوقوع في فخِّ الذي نصب لهم الغرب ليبدّل ثوراتهم إلى ثوراتٍ مضادّة،وليحتويها ويُصادرها ،وکان من أهمِّ خطابه وأجمعه ما جاء في خطبته يوم الجمعة بتاريخ العاشرمن شهرربيع الأول عام 1433هـ ،ذکری اقتراب المولد النبوي الشريف، وإسبوع الوحدة الإسلامية ،والتي تصادف شهرفبراير عام 2012م ، الذكرى الأولى لربيع الصحوة الإسلامية، ونهضة بعض الشعوب العربية في العالم الإسلامي ، حيث بدء سماحته بذکر حقيقة هذه الصحوة وأسبابها وعوامل ديمومتها ومايحدق بها من مخاطر ثمَّ ذکر خصائص الأنظمة العربية وطبيعة نهضة شعوبها ، واستمر يحذر المسلمين من دور الغرب في إنحراف ثورات الشعوب وها نحن نذکر مقتطفات من تلک الخطبة القيمة :
الصحوة الإسلامية في کلام الإمام الخامنئي[2].
يقول سماحة القائد :«.....لقد عمّت نهضة العودة إلى الإسلام واستعادة العزّة والهويّة والانعتاق أكثر مناطق العالم الإسلامي حساسيّة، وفي كل مكان يرتفع شعار «الله أكبر». الشعوب العربية لم تعد تتحمل الحاكم الدكتاتور وسيطرة العملاء والطواغيت، لقد ضاقت ذرعاً بما تعانيه من فقر وتخلّف وتحقير وعمالة. وجرّبت العلمانية في ظل الاشتراكية والليبرالية والقومية، ورأت أنها جميعاً وصلت إلى طريق مسدود. الشعوب العربية طبعاً ترفض أيضاً التطرف والعنف الطائفي والعودة إلى الوراء، والنعرات المذهبية والسطحية الساذجة المغلَّفة بالإسلام.
انتخابات تونس ومصر وشعارات وتوجّهات الشعوب في اليمن والبحرين وسائر البلدان العربية تدلّ بوضوح أنهم يريدون أن يكونوا مسلمين معاصرين دونما إفراط متعجرف أو تفريط متغرّب، وبشعار «الله أكبر» يريدون ضمن مشروع إسلامي وبالتأليف بين المعنوية والعدالة والتعقّل وبأسلوب السيادة الشعبية الدينية، أن يتحرّروا من قرن من التحقير والاستبداد والتخلّف والاستعمار والفساد والفقر والتمييز، وهذا هو الطريق الصحيح.
خصائص الأنظمة العربية وطبيعة نهضة شعوبها
ما هي خصائص الأنظمة العربية التي تعرضت لغضب شعوبها؟
إنَّ معارضة التوجه الديني، والخضوع، والاستسلام والعمالة للغرب.. أي أمريكا وبريطانيا ونظائرهما، والتعاون مع الصهاينة وخيانة القضية الفلسطينية، والتسلط الدكتاتوري الأسَري والوراثي، وفقر العباد وتخلّف البلاد، إلى جانب الثروات الطائلة للعوائل الحاكمة، والتمييز وانعدام العدالة، وفقدان الحرية القانونية والمسائلة القانونية، كل هذه من الخصائص المشتركة لتلك الأنظمة.
حتى التظاهر بالإسلام أو الجمهورية في بعض المواضع لم يستطع أن يخدع الجماهير. هذه أوضح العلامات لمعرفة طبيعة نهضة الشعوب العربية، سواء تلك التي حققت انتصارات كبيرة، أو التي ستحقق ذلك بإذن الله تعالى.
كل ادعاء آخر بشأن طبيعة هذه الثورات التي انطلقت بشعار «الله اكبر» إنما هو تجاهلٌ للواقع من أجل أهداف مبطَّنة وبالتالي لدفع هذه الثورات نحو الانحراف.
هذه الأصول ستكون معياراً لمستقبل هذه الثورات وميزانًا لمدى أصالتها أو انحرافها، فإن الأشياء تُعرف بأضدادها، وتعرف الثورات بضدّيتها للأنظمة التي تزلزلت بفعلها. الثوريون يجب أن يواصلوا حذرهم من افتعال الأهداف الموهومة ومن محاولات تغيير الشعارات.
دور الغرب في إنحراف ثورات الشعوب
إنّ الغرب يسعى دون شك إلى أن يبدّل الثورات إلى ثورات مضادّة، ويحاول في النهاية أن يرمّم النظم القديمة بأسلوب جديد، ليبُقي سيطرته على العالم العربي لعشرات أخرى من السنين، وذلك بتفريغ مشاعر الجماهير وبالتقديم والتأخير بين الأصول والفروع، وتغيير صنائعه وإجراء إصلاحات شكلية متصنّعة، والتظاهر بالديمقراطية.
إنّ الغرب خلال عقود اليقظة الإسلامية وخاصة في السنوات الأخيرة بعد أن مُني بهزائم متلاحقة من إيران وأفغانستان حتى العراق ولبنان وفلسطين والآن من مصر وتونس وغيرها، سعى بعد فشله في نهج محاربة الإسلام واللجوء إلى العنف العلني، إلى نهج آخر وهو اصطناع البديل الكاذب والنموذج المزيّف، كي يجعل الإرهاب المعادي للإنسانية بدل العمليات الاستشهادية، و يجعل التعصب والتحجّر والعنف بدل التوجه الإسلامي والجهاد، والتعصب القومي والقبلي بدل الشعور بالانتماء الإسلامي والانتماء إلى الأمة الإسلامية، و يجعل التغرّب والتبعية الاقتصادية والثقافية بدل التطور القائم على أساس الاستقلال، والعَلمانية بدل العِلميّة، والمداهنة بدل العقلانية، والفساد والفوضى بدل الحرية، والدكتاتورية باسم حفظ الأمن والنظام، والروح الاستهلاكية والالتصاق بالأهداف الدنيوية التافهة والبذخ باسم التنمية والرقي، والفقر والتخلف باسم الزهد والمعنوية.
.............إنّ هدفهم الأكبر اليوم بعد عجزهم عن قمع الشعوب والسيطرة عليها هو السعي للسيطرة على غرفة قيادة الثورات واختراق الأحزاب الفاعلة، وحفظ ما أمكن من هيكل الأنظمة الفاسدة الساقطة والاكتفاء بالإصلاحات السطحية والمسرحية، وإعادة بناء عملائهم في داخل البلدان الثائرة، ثم اللجوء إلى عمليات تطميع وتهديد. وقد يلجأون في المستقبل إلى الاغتيالات أو شراء ذمم بعض الأفراد والجماعات من أجل وقف عجلة الثورات أو دفعها إلى الخلف، وبثّ اليأس في قلوب الجماهير أو إشغالها بصراعات داخلية بإثارة مسائل فرعية، وإضرام نيران العصبيات القومية والقبلية أو الدينية أو الحزبية واختلاق الشعارات المنحرفة لتغيير الثورات، والتأثير المباشر أو غير المباشر على أذهان الثوريين وألسنتهم، ودفعهم إلى ألاعيب سياسية أو إثارة الفُرقة بينهم ثم توسيع نطاق هذه التفرقة لتشمل فئات الناس، والسعي للمساومة خلف الكواليس مع بعض الخواص بالوعود الكاذبة كالمساعدات المالية وغيرها وغيرها من عشرات الحيل الأخرى ....
إنّ بعض الأنظمة التابعة والمحافظة العربية أيضاً تقف إلى جانب أمريكا والناتو، ولو من أجل حفظ كراسيها، وتسعى بكل قواها لإيقاف عجلة الزمن ودفع ثورات المنطقة إلى الوراء أو سوقها نحو طريق مجهول، ورأسمالهم الوحيد في هذه المساعي دولارات النفط، وهدفهم الأساس هزيمة الشعوب في مصر وتونس واليمن والبحرين.. وحفظ ثبات الكيان الصهيوني وضمان بقائه وإنزال الضربة بجبهة المقاومة في المنطقة.........
الخصائص الأصلية للشعوب الإسلامية
النفرة من الصهيونية، والاهتمامُ بالقضية الفلسطينية والتمسكُ بالعزّة الإسلامية من الخصائص الأصلية للشعوب. خمسٌ وسبعونَ بالمائة من الشعب المصري أدلى بصوته لصالح الشعارات الإسلامية. وفي تونس أيضاً رفعت الأكثرية هذا اللواء، وفي ليبيا فإن النسبة إن لم تكن أكثر فليست بأقل. والشعوبُ تطلب من مندوبيها ومن الحكومات الجديدة تحقيقَ هذه الأهداف نفسِها أيضاً في المستقبل. الشعب يريد مصرَ عزيزةً كريمة ومحترمة وحرّة، لا يريد مصر كمب ديفيد. لا يريد مصرَ الفقيرةَ والتابعة، لا يريد مصرَ الخاضعةَ لأوامر أمريكا والحليفة لإسرائيل، لا يريد مصرَ متحجرةً ومتطرفةً ولا مصر متغرّبةً وعلمانيةً وتابعة. مصرُ الحرةُ العزيزة والإسلامية والمتطورةُ هي المطلبُ الأساس للشعب والشباب ولا يبغون اصطداماً. جيشُ مصر مع الشعب، وهناك في داخل مصر وخارجها من يريد الوقيعةَ بين الجيش والشعب في المستقبل، على الجميع أن يكونوا على حذر شديد. الجيش المصري سوف لا يتحمّل نفوذ أمريكا وحلفاء إسرائيل.
كذلك فإن الحديث حين يدور حول التوجه الإسلامي في مصر أو تونس أو ليبيا فإنه إسلام رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم) هذا الإسلام الذي شمل في المدينة أهلَ الذمة من المسيحيين واليهود بالرحمة والأمن، وليس الإسلام بمعنى إثارة الحروب الدينية بين عباد الله، ولا بمعنى الحرب المذهبية والطائفية بين المسلمين. مصر هي مصر دار التقريب بين المذاهب الإسلامية والشيخ شلتوت.
على أهلنا في مصر وتونس وليبيا أن يعلموا أن ما حققوه هو ثورة لم تكتمل، فهم وإن قطعوا خطوات رحبة، فإنهم في بداية طريق ذات الشوكة. العقبات التي أوجدوها أمامنا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ولا تزال مستمرة، وقد فشلت بفضل الله ورحمته الواحدة تلو الأخرى، هذه العقبات فاقت مئات المرات ما كان أمامنا قبل سقوط نظام الشاه. لابدّ من التحلّي باليقظة وبدفع عجلة الثورة خطوة فخطوة حتى آخر المراحل ضمن برنامجٍ متوسطِ الأمد وطويلِ الأمد.
.....إن مصر اليوم يجب أن تستعيد دورها في الخط المقدم للدفاع عن القضية الفلسطينية، وأن تسحق بأقدامها معاهدة كمب ديفيد الخيانية وتحرقها. مصر الثورة لم تعد تستطيع أن تدفق بالطاقة والغاز على الكيان المتدهور الإسرائيلي على حساب قوت الشعب المصري ومعاناته.
الأحزاب والنُخب السياسية في مصر وسائر البلدان الناهضة
...إن المفكرين والمناضلين الإسلاميين في شمال أفريقيا من مصر وتونس وحتى الجزائر والمغرب، وخاصة مصر،كانوا يحتلون مكانة الأبوّة الفكرية للصحوة الإسلامية، ولدعاة وحدة الأمة وعزّتها، ثم لتحرير القدس. أنتم اليوم ترثون دماء آلاف الشهداء وعشرات الآلاف ممن عانوا زنزانات السجون والنفي والتعذيب، وما بذله المجاهدون والمناضلون ممن قدموا التضحيات خلال عقود متوالية في انتظار بزوغ فجر مثل هذه الأيام وهذه الانتصارات.
أيها الإخوة والاخوات. حافظوا على هذه الأمانة الكبرى. الغرور والسذاجة آفتان كبيرتان لمرحلة ما بعد الانتصار الأول. أنتم تتحملون المسؤولية الأكبر في ساحة إقامة النظام وصيانة مكتسبات الشعب وحلّ مشاكل النهضة. القوى العالمية والإقليمية التي نزلت بها الضربة تخامر ذهنَها دون شك أفكار شيطانية من التفكير بالحذف والانتقام إلى مشروع ممارسة المكر والتزلزل والإخافة والتطميع بحقكم، وبالنهاية تفكر في الإطاحة بالثورات وخلق أوضاع أسوأ مما كانت عليه و العياذ بالله.
إنَّ قراراتكم ومواقفكم وإقداماتكم ستكون لها أبعاد تاريخية، وهذه المرحلة هي «ليلة القدر» في تاريخ بلدانكم.
لا تثقوا بأمريكا والناتو. هؤلاء لا يفكرون بمصالحكم ومصالح شعبكم. وكذلك لا ترهبوهم. فهؤلاء واهون ويزدادون ضعفًا بسرعة. حاكميتهم على العالم الإسلامي كانت فقط نتيجة خوفنا وجهلنا خلال مائة وخمسين عامًا. فلا تعقدوا عليهم الآمال، ولا تخافوهم . اعتمدوا فقط على الله سبحانه و ثقوا فقط بشعبكم . هؤلاء انهزموا في العراق وخرجوا بخفّي حنين. وفي أفغانستان لم يكسبوا شيئًا، وفي لبنان انهزموا أمام حزب الله، وفي غزّة أمام حماس. وها هم الآن ينزلون من صياصيهم في مصر وتونس بيد الشعب. لم يتحقق أي تقدم في برنامجهم. الصنم الغربي قد انهزم مثل الصنم الشيوعي وانهار جدار خوف الشعوب، فاحذروا أن يعيدوا إليكم الشعور بالخوف في المستقبل.
إحذروا ألاعيبهم، وكذلك احذروا ألاعيب الدولارات النفطية لعملاء الغرب وحلفائه من العرب، إذ سوف لا تخرجون بسلام في المستقبل من هذه الألاعيب. إسرائيل زائلة لا محالة ولا ينبغي أن تبقى وسوف لا تبقى بإذن الله تعالى. بدء الانحراف في الثورات الراهنة هو الرضوخ لبقاء الكيان الصهيوني، ومواصلة محادثات الاستسلام التي وضعت أساسها الأنظمة الساقطة.
المطلب الأساس لشعوبكم العودة إلى الإسلام، وهو لا يعني طبعاً العودة إلى الماضي. لو أنَّ الثورات حافظت بإذن الله على طابعها الحقيقي واستمرت ولم تتعرض للتآمر أو الاستحالة، فإنَّ المسألة الأساس لكم هي كيفية إقامة النظام وتدوين الدستور وإدارة شؤون البلاد والثورات. وهذه هي نفسها مسألة إعادة بناء الحضارة الإسلامية في العصر الحديث.
في هذا الجهاد الكبير، مهمتكم الأصلية ستكون جبران ما عاناه بلدكم في حقب التخلف، والاستبداد، والابتعاد عن الدين، والفقر، والتبعية، في أقصر مدّة بإذن الله، وستكون كيفية بناء مجتمعكم بتوجّه إسلامي وبأسلوب حاكمية الشعب مع مراعاة العقلانية والعلم، وتتجاوزوا التهديدات الخارجية واحدة بعد أخرى، وكيف تؤسسون «الحرية والحقوق الاجتماعية» بدون الليبرالية، و«المساواة» بدون «الماركسية»، و«النَّظم والانضباط» بدون «الفاشية الغربية». حافظوا على التزامكم بالشريعة الإسلامية التقدمية دون أن تقعوا في جمود وتحجّر، واعرفوا كيف تكونون مستقلين دون أن تنزووا، وكيف تتطورون دون أن تكونوا تابعين، وكيف تمارسون الإدارة العلمية دون أن تكونوا علمانيين ومحافظين.
الإسلام الأمريكي والبريطاني
تجب إعادة قراءة التعاريف وإصلاحها. الغرب يقترح عليكم نموذجين: «الإسلام التكفيري» و«الإسلام العلماني»، وسوف يواصل التلويح بذلك كي لا يستقوي الإسلام الأصولي المعتدل والعقلاني بين ثورات المنطقة. استعيدوا تعريف الكلمات مرة أخرى وبدقّة.
إذا كانت «الديمقراطية» بمعنى الشعبية والانتخابات الحرة في إطار أصول الثورات فلتكونوا جميعاً ديمقراطيين. وإذا كانت بمعنى السقوط في شراك الليبرالية الديمقراطية التقليدية ومن الدرجة الثانية فلا يكن أحد ديمقراطياً.
و«السلفية» إذا كانت تعني العودة إلى أصول القرآن والسنة والتمسك بالقيم الأصيلة ومكافحة الخرافات والانحرافات وإحياء الشريعة ورفض التغرّب فلتكونوا جميعًا سلفيين، وإذا كانت بمعنى التعصّب والتحجّر والعنف في العلاقة بين الأديان أو المذاهب الإسلامية فإنها لا تنسجم مع روح التجديد والسماحة والعقلانية التي هي من أركان الفكر والحضارة الإسلامية، بل ستكون داعية لرواج العلمانية والتخلّي عن الدين.
كونوا متشائمين من الإسلام الذي تطلبه واشنطن ولندن وباريس، سواء من النوع العَلماني المتغرّب، أو من نوعه المتحجّر والعنيف. لا تثقوا بإسلام يتحمّل الكيان الصهيوني لكنه يواجه المذاهب الإسلامية الأخرى دونما رحمة، ويمدّ يد الصلح تجاه أمريكا والناتو لكنه يعمد في الداخل إلى إشعال الحروب القبلية والمذهبية. وراء هذا الإسلام من هم أشداء على المؤمنين رحماء بالكافرين.
كونوا متشائمين من الإسلام الأمريكي والبريطاني إذ إنه يدفعكم إلى شَرَك الرأسمالية الغربية والروح الاستهلاكية والانحطاط الأخلاقي.
في العقود الماضية كانت النخب وكذلك الحكام يفخرون بمقدار قوة تبعيتهم لفرنسا وبريطانيا وامريكا أو الاتحاد السوفيتي السابق، وكانوا يفرون من النموذج الإسلامي، والأمر اليوم على عكس ذلك.
اعلموا أن الغرب سيكون في صدد الانتقام.. الانتقام الاقتصادي والعسكري والسياسي والإعلامي. ولو أنَّ شعوب مصر وتونس وليبيا وغيرها من الشعوب واصلت طريقها نحو الله بإذن الله فمن الممكن أن تتعرض لهذه التهديدات.
الجمهورية الإسلامية في خدمة المسلمين
إنَّ الثورة الإسلامية الإيرانية هي التجربة الإسلامية الأكثر نجاحًا في العصر الحديث على صعيد إعادة الثقة بالنفس إلى الجماهير، وإعادة الثقة إلى النخب بالجماهير، وعلى صعيد رفض أسطورة القوة التي لا تقهر للأنظمة الطاغوتية وأربابها، وفي ساحة كسر غرور الشيوعية والرأسمالية، وتقديم نماذج فاعلة للتطورات الكبرى في البلاد، مع حفظ سيادة الشعب والدفاع عن القيم الأساسية.
أيها الإخوة و الأخوات، لسنوات يوجهون إليكم أكاذيب بشأن إخوتکم الإيرانيين، والحقيقة بشأن إيران الإسلام هي هذه التي أبينها لكم:..... في الإعلام الرأسمالي وأبواق الصهيونية العالمية «إيران» متهمة بالإرهاب ،وما ذلك إلا لأنها رفضت أن تترك الإخوة العرب في فلسطين ولبنان والعراق لوحدهم وأن تعترف بالمحتلين، والحال أننا أكبر ضحية للإرهاب في العالم، وهذا الإرهاب لا يزال مستمرًا بحقنا.
لو أنَّ الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية قد تركت الإخوة المظلومين في أفغانستان والبوسنة ولبنان والعراق وفلسطين لشأنهم كما فعلت سائر الحكومات المتظاهرة بالإسلام، ولو كنا مثل أكثر الأنظمة العربية التي خانت القضية الفلسطينية، قد آثرنا السكوت وطعنّا من الخلف، لما وصمونا بمساندة الإرهاب والتدخل. نحن نفكر بتحرير القدس الشريف وكل الأرض الفلسطينية،هذه هي الجريمة الكبرى التي يرتكبها الشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية!!
إنَّهم يتحدثون عن التمدد الإيراني والشيعي، بينما لم نعتبر الثورة الإسلامية إطلاقًا شيعية صرفة أو قومية وإيرانية، ولن نعتبرها كذلك أبداً. خلال العقود الثلاثة ما دفعنا ثمنه وتعرضنا من أجله للتهديد إنَّما هو توجهنا الإسلامي وانتماؤنا إلى الأمة الإسلامية وشعار الوحدة والتقريب المذهبي والحرية والعزّة للمسلمين جميعاَ من شرق آسيا حتَّى عمق أفريقيا وأوربا.
إيران الإسلام قطعت خطوات رحبة فريدة في ساحة العلم والتقانة والحقوق الاجتماعية والعدالة الاجتماعية والتنمية والصحة وتأمين كرامة المرأة وحقوق الأقليات الدينية وغيرها من الساحات. ونحن نعرف أيضاً مواضع ضعفنا وبعون الله وقوته نعمل على علاجها إن شاء الله.
معادلة المقاومة في المنطقة قد تغيرت بمساعدة الجمهورية الإسلامية، وارتقاء الحجر في يد الفلسطينيين إلى «صاروخ في جواب الصاروخ» في غزة وسائر فصائل المقاومة الإسلامية أمام المحتلين.
إيران لا تستهدف نشر التوجّه الإيراني أو الشيعي بين المسلمين. إيران تنهج طريق الدفاع عن القرآن والسنة وإحياء الأمة الإسلامية. الثورة الإسلامية تعتقد أنَّ مساعدة المجاهدين من أهل السنّة في منظمات حماس والجهاد، والمجاهدين الشيعة في حزب الله و أمل واجباً شرعياً وتكليفاً إلهياً دونما تمييز بين هذا وذاك. وحكومة إيران تعلن بصوت مرتفع قاطع أنها تؤمن بنهضة الشعوب (لا بالإرهاب)، وبوحدة المسلمين (لا بالغلبة والتناحر المذهبي)، وبالأخوة الإسلامية (لا بالتعالي القومي والعنصري)، وبالجهاد الإسلامي (لا بالعنف تجاه الآخر)، وهي ملتزمة بذلك إن شاء الله.....
مسک الختام
وفي مسک الختام نسأل الله تعالى علوِّ الدَّرجات لإمامنا الراحل ، کما نسأله أن يحفظ خليفته بالحق ، الإمام الخامنئي، رجل الجهاد والاجتهاد، لكي يشهد العالم في عهد زعامته حاكمية الإسلام ويستأنف دورة جديدة من الحضارة والرقي على نهج المعصومين من أئمة أهل البيت إنَّه علی کلِّ شئ قدير.
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ،وصحبه الأخيار المنتجبين.
قم المقدَّسة- أيوب الحائري
* * *
[1]- صحيفة الإمام.
[2] مقتطفات من خطبة الإمام الخامنئي التي القاها يوم الجمعة في العاشرمن شهرربيع الأول عام 1433هـ ،ذکری اقتراب المولد النبوي، وإسبوع الوحدة الإسلامية ،والتي تصادف شهرفبراير عام 2012م ، الذكرى الأولى لربيع الصحوة الإسلامية، ونهضة بعض الشعوب العربية في العالم الإسلامي .