بعد مرور حوالي أربعة أشهر من بدء المظاهرات العراقية، ما زال النقاش حول هذه المظاهرات ساخنًا، ويبدو أنه لا تزال هناك أيادي خفية تدعو إلى استمرار الأزمة في العراق. في خضم كل هذا، واحدة من أهم القضايا التي أصبحت في الآونة الأخيرة محور الجدل هي الاغتيالات المشبوهة والغامضة التي تكثفت في الأسابيع القليلة الماضية. حيث تحدث معظم هذه الاغتيالات في اوساط الجماهير المتظاهرة، وفشلت قوات الأمن حتى الآن في تحديد هوية المجرمين.
في الواقع، وفقًا لتقارير لجنة حقوق البشر العراقية، حصلت منذ بداية شهر يناير، 33 محاولة اغتيال لشخصيات عراقية مهمة، أسفرت عن مقتل 14 ناشط عراقي واصابة 19 اخرون. وهذا يعني ان عمليات اغتيال الناشطين المدنيين ستستمر بجدية في العام الجديد. والآن السؤال هو، ما هي أهداف هذه الاغتيالات، ومن يقف وراءها؟ وفي هذا السياق، من الضروري أولاً الإشارة إلى فرضيتين حول العوامل الكامنة وراء هذه الاغتيالات.
الايادي الخفية وراء اغتيال المتظاهرين
يمكن افتراض افتراضين جديين فيما يتعلق بالعوامل الكامنة وراء اغتيال المواطنين العراقيين خلال الاحتجاجات. إحدى الفرضيات هي أن الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية لجأت إلى اغتيال قيادات ساحات التظاهر لإسكات صوت المحتجين ووضع حد للاحتجاجات. والفرضية الثانية هي أن القوات العميلة، أو ما يُسمون بالمندسين المدعومين خارجيا، تغتال قيادات المتظاهرين بدعم أجنبي.
وفي تقييم هاتين الفرضيتين، يمكن اعتبار الفرضية الأولى، وهي اليد الخفية للحكومة وراء الاحتجاجات، غير مرجحة إلى حد كبير لأن الاحتجاجات قد اشتدت الآن بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في الأشهر الماضية، ونتيجة لذلك، لن تستفيد الأجهزة الأمنية الحكومية من عمليات الاغتيال لأن اغتيال المحتجين والشخصيات السياسية في الوقت الحالي لن يؤدي إلا إلى استمرار وتكثيف الاحتجاجات في الشوارع. إذا كانت قوات الأمن العراقية قد فعلت ذلك في الأيام الأولى وخلال ذروة الاحتجاجات، فستبدو أكثر عقلانية، ولكن الآن بعد أن تقلص موجة الاحتجاجات بشكل حاد، لا يوجد مبرر منطقي للحكومة العراقية نفسها لتفاقم الأزمة. وبالتالي، يبدو أنه من المرجح أن تكون هناك أيادي أجنبية خفية وراء الكواليس. لكن السؤال الآن هو لماذا ولأي غرض.
قتل وتمهيد الطريق لتصاعد الاحتجاجات والأزمات
في أعقاب بيان السيد مقتدى الصدر، رجل الدين العراقي ذو النفوذ وزعيم تحالف سائرون في البرلمان العراقي، بأن على المحتجين تمييز صفوفهم عن المندسين، شهدت الساحات انخفاضًا في كمية ونوعية العنف في شوارع العراق. اذ تم رفع العديد من خيام الاعتصام والعديد من المحتجين ليسوا على استعداد لممارسات غير قانونية كما كان من قبل. في مثل هذه الظروف، يبدو أن القوات العميلة الأجنبية، المدعومة مباشرة من قبل الأجهزة الأمنية الأمريكية، والكيان الصهيوني، والمملكة العربية السعودية، تسعى لجر الاحتجاجات نحو العنف من خلال الاستمرار في الاحتجاج أو التصعيد غير السلمي وذلك عن طريق القتل أو بعبارة أخرى الاغتيالات المستهدفة. وهذا من شأنه ان يؤدي في النهاية إلى استمرار الأزمة السياسية في العراق وبقاء الوضع غير مستقر.
تمهيد الاجواء لبقاء القوات الأمريكية
في أعقاب استشهاد الجنرال قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس، القائدان الرئيسيان لمحور المقاومة، يدرك الأمريكيون بوضوح أنه لم يعد بإمكانهم البقاء بسهولة في العراق. خاصة وأن البرلمان العراقي أقر مشروع قانون يدعو إلى خروج القوات الأجنبية من البلاد وخروج ملايين من الناس دعما لهذا القرار.
في الواقع، فإن الأمريكيين وحلفائهم، وخاصة المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني، يدركون جيدًا أنه في حالة استقرار العراق وتجاوز أزمته، يجب عليهم الامتناع عن التدخل والمشاركة الفاعلة في المشهد السياسي العراقي. لذلك، فهم يسعون إلى مواصلة تفاقم الأزمة في العراق باللجوء إلى اغتيال المحتجين.
تمهيد الطريق للتدخل الأجنبي، بما في ذلك الأمم المتحدة في أزمة الاحتجاجات
يمكن أن يتمثل الهدف الآخر للأجهزة الأمنية الأجنبية من اغتيال المحتجين العراقيين، في تهئية الظروف للتدخل الأجنبي في العراق تحت ذريعة اجراء تقييمات وتحقيقات عن طريق مؤسسات دولية. في الواقع، فإن الاغتيالات الغامضة هي أساس الدعوة لإجراء تحقيق دولي مستقل وبالتالي الحفاظ على نفوذ الأجانب في العراق.