زهرة فضلي
أخذ مسار تشكيل الحكومة في تونس منعطفاً حاداً وخطيراً، قد يدفع بالبلاد إلى أزمة دستورية وقانونية، خاصة وأنه لم يتبق أمام رئيس الحكومة المكلف الياس الفخفاخ سوى أيام قليلة قبل انتهاء الآجال الدستورية لعرض الحكومة على البرلمان، وهو أجل 20 شباط/ فبراير 2020.
- مناورات اللحظات الأخيرة: معركة لَيْ الذراع بين "النهضة" والفخفاخ
أمام الغموض الذي يلف مصير حكومة الفخفاخ المرتقبة، ارتفع منسوب الخطاب بين الأحزاب السياسية المعنية بالمشاورات، وانطلقت المساومات وصفقات اللحظات الأخيرة قبل انقضاء الآجال الدستورية.
حركة النهضة، وبعد انسحابها من المشاورات وسحب مرشحيها من التركيبة الحكومية التي كان من المفترض أن يسلمّها الفخفاخ إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد مساء السبت الماضي، صعّدت حدة خطابها، معلنة أنها ستنطلق في مشاورات لاختيار مرشح لتشكيل الحكومة وسحب الثقة من رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد، ما فتح الباب على مصراعيه أمام تأويلات متعددة للنص الدستوري.
الفصل 89 من الدستور ينص من بين نقاطه على أنه "إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، فإنه لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب، والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، في أجل أدناه 45 يوماً وأقصاه 90 يوماً".
حركة النهضة لوّحت بالاعتماد على الفصل 97 الذي ينص على أنه "يمكن التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل (....) ويشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يُصادَق على ترشيحه في نفس التصويت، ويتمّ تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة طبق أحكام الفصل 89".
"النهضة تتلاعب بالقانون"
واعتبر الخبير الدستوري الصادق بلعيد في تصريح بأن تفكير حركة النهضة باللجوء إلى الفصل 97 من الدستور، وسحب الثقة من حكومة الشاهد، وتكليف شخصية أخرى من الحزب الأغلبي بتشكيل الحكومة، "هو تلاعب قانوني، ذلك أن الشاهد عينه رئيس الجمهورية في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، للقيام بتصريف الأعمال وهو ما يعني وفق الدستور أن حكومة الشاهد لم تعد تحت رقابة البرلمان وإنما تحت رقابة رئاسة الجمهورية".
ودعا الخبير بلعيد حركة النهضة إلى الكف عن المراوغات وسياسية "لي الذراع" بين الأطراف السياسية، مشيراً إلى أن الوضع في البلاد لا يتحمل.
من جهته، أكّد القاضي المتقاعد أحمد صواب، أنّ تفكير حركة النهضة في اللجوء إلى الفصل 97 من الدستور هو "حلّ غير قانوني وانقلاب على صلاحيات رئيس الجمهورية".
وفسّر صواب بأن الفصل 97 من الدستور يطبق خلال السير العادي لمؤسسات الدولة وليس في مرحلة فاصلة بين فترتين نيابيتين.
كما لاحظ أن تجاوز الفصل 89 من الدستور، وتطبيق الفصل 97 غير ممكن نظراً إلى أن الفصل 97 فصل عام، والفصل 89 فصل خاص و"من بديهيات القانون أنه في حالة التعارض يقع إعلاء النص الخاص على النص العام".
قيس سعيّد يدخل على الخط
رئيس الجمهورية سعيد كان موقفه واضحاً إزاء مسألة سحب الثقة من حكومة الشاهد، وقال خلال لقائه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الفخفاخ، "إنّ أحكام الدستور واضحة وإن الفصل الذي يطبق هو الفصل 89 من الدستور"، مضيفاً ''من وضع النص عليه أن يحترمه، ومن قبل أن يدخل في العمل السياسي لا يدخله إلاّ في ظل الدستور ''.
وأوضح سعيّد أنّ حكومة تصريف الأعمال غير مسؤولة أمام المجلس النيابي الحالي، خاصة وأنّ الشاهد كان قد صرّح في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بأنّه تمّ تكليفه من طرف رئيس الجمهورية بتصريف الأعمال فقط .
رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري كان قد قال "إن اعتماد الفصل 97 من الدستور من شأنه أن يجنّب البلاد الفراغ الذي قد يتواصل لمدة 4 أشهر في حال فشلت حكومة الفخفاخ نيل ثقة البرلمان".
وأضاف: "رئيس الجمهورية الرافض لهذا الحلّ هو من أكثر الناس احتراماً للدستور،لكن يجب أن يخبرنا ماذا يمكننا أن نفعل خلال فترة الفراغ التي ستعيشها البلاد.. يجب أن يكون أحرص الناس على استنفاذ كل الفرص لوضع حل للفراغ واحترام الدستور".
"مناورات من أجل حكومة ترويكا جديدة"
القيادي في حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي اعتبر أن السيناريو الذي أعلنت عنه النهضة باعتماد الفصل 97 من الدستور "لا يتوافق مع روح الدستور" كما وصفه "بالاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية".
كما اعتبر أن "حركة النهضة تقوم بألاعيب ومناورات مخالفة للدستور، وتدفع بالبلاد نحو المجهول"، وفق تعبيره.
وقال الشواشي "إن الحديث عن سحب الثقة من حكومة الشاهد مرفوض قانونياً وسياسياً وأخلاقياً"، مشيراً إلى أن حركة النهضة تدفع في اتجاه تشكيل حكومة ترويكا جديدة تجمع بينها، وبين حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة. وشدد على أنها "ستكون حكومة دون تصور وبرنامج، وستزيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تعقيداً"، وفق الشواشي.
الشواشي كشف بأن "الفخفاخ أعطى حركة النهضة مساء اليوم كآخر مهلة لتوضيح موقفها النهائي من تركيبة الحكومة، وإن رفضت فسيذهب إلى البرلمان بتركيبة حكومية دون النهضة، وبالتالي سيضعها أمام الأمر الواقع وسيحملها المسؤولية السياسية.
المعركة اليوم هي معركة حكم
واعتبرت المحللة السياسية شيماء عيسى أن المعركة اليوم بين الأحزاب السياسية هي معركة حكم، حيث سيتشكل على أثرها المشهد السياسي في تونس خلال السنوات القادمة، وأن الرهان يتمثل في من هي القوى السياسية التي ستحكم تونس في السنوات القادمة، خاصة بعد تراجع أحزاب كحزب "نداء تونس"، وظهور قوى جديدة وتيارات جديدة، بما في ذلك ظهور الرئيس سعيّد الذي نال شرعية شعبية غير مسبوقة.
واعتبرت أن "الذهاب نحو حل البرلمان لا يخدم مصلحة الوطن، باعتبار أن القانون الانتخابي غير مناسب"، كما أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تشهد مشاكل ولم تستوف بعد شروطها القانونية (تجديد ثلث أعضائها) فضلاً عن أن المالية العمومية ليس بمقدورها تحمل تكلفة الانتخابات، إلى جانب مزاج التونسي الذي سئم تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وضبابية المشهد السياسي في البلاد.
ورجّحت المحللة السياسية إمكانية منح الثقة لحكومة الفخفاخ، نظراً لتعهدات تونس أمام الدول المانحة.
المصدر : الميادين نت