يمكن مقارنة الأجواء السياسية في لبنان خلال الأيام القليلة الماضية بالهدوء النسبي الذي يسبق العاصفة. وكان التحريض على انعدام الأمن وخلق فراغ سياسي في هذا البلد، على جدول الأعمال كمشروع مشترك لبعض الأطراف المحلية والمنافسين السياسيين والتيارات الأجنبية المعادية للبنان، والذي لم ينجح في المرحلة الأولى.
کما أن توجيه الاحتجاجات الداخلية، التي كان الدافع وراءها الاقتصاد، على الرغم من أنه كان قادراً على جعل الداخل اللبناني متأزماً لبعض الوقت، ولكن كان له دور ضئيل في عرقلة عملية تشكيل الحكومة في لبنان.
من ناحية أخرى، كان وضع المقاومة بين خيارين هما الانضمام إلى المتظاهرين أو حذفه من الهيكل السياسي، هو المشروع التالي الذي تم تنفيذه.
لم يكن أمام حزب الله خيار. فإما أن يقف بجانب المتظاهرين، وهو ما يعني الانضمام إلى سيناريو جعل لبنان غير آمن، أو أن موقفه الشعبي بين المتظاهرين سيتضرر.
لم يكن الفشل في تشكيل الحكومة هو الهدف المثالي للمنافسين السياسيين للمقاومة والجماعات الأجنبية، ولكن لفترة من الوقت كان يمكن أن يمنح لهذا التيار فرصةً لإعادة الإحياء وإعادة بناء الساحة السياسية. تياراتٌ اعتمد قادتها منذ فترة طويلة على الدعم الأجنبي لتحويل الأزمات المحلية إلى فرص لتأمين حياتهم السياسية.
"شريك اللص ورفيق القافلة" هو أفضل وصف للتيارات السياسية اللبنانية، التي انحازت إلى المتظاهرين وتحالفت مع "حكومة البنوك"، وکانت السبب الرئيسي للانهيار الاقتصادي في البلاد. "حكومة البنوك" هي مصطلح سياسي مثير للاشمئزاز يحدد الطبقة السياسية الفاسدة والغنية في لبنان.
إن إلقاء نظرة على بعض الأحداث اللبنانية المهمة في الأيام الأخيرة، يمكن أن يكون علامات تحذيرية للتدخل الأجنبي المخطط له مسبقاً، لإدخال لبنان مجدداً في سيناريو جديد هدفه الرئيسي هو تأمين محيط الکيان الإسرائيلي والقضاء على قوة الردع للمقاومة والتعويض عن الهزيمة في سوريا. وبعض هذه العلامات لها قاسم مشترك مع الأحداث التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق "رفيق الحريري" عام 2005.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام العربية والأمريكية وجهت أصابع الاتهام إلى حزب الله في اللحظة الأولى، وحتى قبل أن يهدأ غبار ورماد انفجار بيروت، ولکن لا بد من القول إن هذا يشير إلى إمكانية التخريب أيضًا.
والسؤال حول ما إذا كان مقرراً حدوث سيناريو مثل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، الذي اغتيل عام 2005 والذي مهد اغتياله الطريق لخروج الجيش السوري من الحدود اللبنانية والأراضي المحتلة، سؤالٌ سيتم الرد عليه في الأيام القليلة القادمة من خلال السلوك الأمريكي.
بطبيعة الحال، إن نطاق هذا السيناريو الجديد أوسع وأعمق وأكثر خطورةً. وحتى لو قبلنا أن الإسرائيليين والولايات المتحدة لم يتدخلوا في انفجار بيروت ولا توجد إمكانية للتخريب، فإنهم بالتأكيد لن يتجاهلوا هذا الانفجار للاستغلال السياسي ولتمهيد الطريق لتشكيل جديد للهيكل السياسي اللبناني.
هذه المرة أيضاً، تقوم القنوات الفضائية مثل "الحدث" و"العربية" ووسائل الإعلام الغربية بتغطيات إعلامية علی مدار الساعة، لإذکاء النيران التي أشعلها الأمريكيون على الأرجح.
زيارة وزير الخارجية الفرنسي وضغوط هذا البلد علی لبنان، إلى جانب تدخلات السفيرة الأمريكية من حين لآخر في شؤون هذا البلد الداخلية، والتحركات الإسرائيلية على الحدود المحتلة، والدوريات التي قامت بها طائرات تجسس أمريكية فوق الساحل اللبناني-السوري قبل يوم واحد من انفجار بيروت، واجتماع الأسبوع الماضي بين رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريکية ونظيره الإسرائيلي، والاستقالة المفاجئة لـ "ناصيف حتي" وزير الخارجية اللبناني، والضغوط الخارجية والإقليمية للإطاحة بالحكومة اللبنانية، وتحديد المناطق المعرضة للخطر في لبنان من قبل الطائرات الصهيونية بدون طيار، هي من بين أهم الأحداث التي شهدها لبنان في الأسابيع الأخيرة، وهو ما يجب ملاحظته في العنصر الزماني والمكاني لانفجار بيروت وتداعياته.
ومع ذلك، فإن تخزين هذه الكمية من المواد الكيميائية في مرفأ بيروت ليس شيئًا لا يعرفه الإسرائيليون. وبالنظر إلى التحليلات بعد هذا الانفجار، من الممكن معرفة التيار الذي سيأخذ مسار تطورات انفجار بيروت لصالحه.
کما يجب أن نضع في الاعتبار أيضاً أن هذا الميناء هو الميناء الرئيسي في لبنان، حيث يتم من خلاله استيراد أكثر من 70٪ من واردات لبنان والاحتياجات الأساسية للناس، وفي مثل هذه الظروف، سيتضرر الاقتصاد اللبناني بشكل خطير. وهذا ما يرغب فيه معارضو المقاومة حتی يمارسوا أقصى ضغط على المقاومة في مثل هذه الظروف، أو يخففوا أو يحيدوا سلوكها الخارجي فيما يتعلق بالکيان الصهيوني على الأقل.
ولذلك، يبدو أن كل أجزاء اللغز أعدَّت لوضع لبنان في حالة من الاضطراب الاقتصادي والسياسي، من أجل تصميم سيناريو جديد.
أكثر من 70 في المائة من واردات لبنان والضروريات الأساسية لشعبه يأتي عبر هذا الميناء الذي انفجر. ومنذ الآن ستحاول وسائل الإعلام السعودية والأمريكية والمعسكر المرتبط بالصهيونية داخل وخارج البلاد، تحديد حزب الله وحلفاء المقاومة بصفتهم المتهم الرئيسي.
والأميركيون الذين لم يتخذوا موقفاً واضحاً في اللحظات الأولى للانفجار، سيحاولون بلا شك فرض شروطهم على الحكومة اللبنانية، بذريعة إعادة البناء أو تقديم المساعدة المالية، مستغلين الوضع الاقتصادي المضطرب في لبنان.
وبالتأكيد، إن أهم شرط بالنسبة لهم سيكون الإزالة التدريجية للمقاومة من المشهد السياسي اللبناني، وكذلك تطبيق قانون "قيصر" بشأن سوريا. والنتيجة الأقل التي ستترتب على هذا السيناريو بالنسبة للولايات المتحدة والکيان الصهيوني، هي أن الطاقات الداخلية للحكومة ستنصرف لفترة من الوقت لقضية انفجار بيروت.
يبدو أن سيناريو اغتيال رفيق الحريري عام 2005، والذي شهد بداية فصل جديد في التطورات والتدخلات الأجنبية في لبنان، سيُتابع على نطاق أوسع وأكثر خطورةً مع انفجار بيروت. ومع ذلك، لا ينبغي تجاهل دور تجارب حزب الله القيمة في إدارة الأحداث السياسية والميدانية وتغيير المعادلات.
المصدر:الوقت