_ في ظل المتغيرات الأخيرة في منطقة المغرب العربيّ عقب تطبيع الرباط مع الكيان الصهيونيّ الغاصب مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الإقليم الصحراويّ المتنازع عليه أو ما يعرف بـ "الصحراء الغربيّة"، أجرت الجزائر مناورات عسكريّة الاثنين المنصرم، حملت اسم "الحزم 2021"، عقب زيارة لقائد الأركان الجزائريّ إلى المنطقة لتفقد جاهزية الوحدات العسكريّة، ورفع مستوى القدرات القتاليّة للقوات المرابطة على الحدود الغربيّة للبلاد، وأشار قائد القوات المسلّحة الجزائريّة، السعيد شنقريحة، أنّ بلاده تستحق من الجيش الجزائريّ بأن يكون دوماً في مستوى الرهانات المطروحة، وذلك بعد إتمام المناورات العسكريّة الضخمة التي جرت في محافظة "تندوف" الحدوديّة مع المغرب والصحراء الغربيّة.
رسالة مهمة
لم تكن المناورات البريّة والجويّة التي نفذها الجيش الجزائريّ عادية من حيث الزمان والمكان، والتي أشرف عليها قائد القوات المسلّحة الجزائريّة، السعيد شنقريحة، رغم أنّ وزارة الدفاع الوطنيّ الجزائريّة، قالت إنّ هذه النشاطات العسكريّة التي نفذّت "بالذخيرة الحية"، والتي بثت بعض مشاهدها لمدة 15 دقيقة في التلفزيون الرسميّ الجزائري، تندرج في إطار تقييم المرحلة الأولى لبرنامج التحضير القتاليّ لعام 2021، بغرض ضمان تحسين وترقية الأداء العملياتيّ والقتاليّ لكل تشكيلاته ومكوناته حتى يكون قادراً على رفع كل التحديات، بيد أنّ الأوضاع الإقليميّة تشير إلى أنّ الجزائر باتت تشعر بالتهديد الفعليّ في ظل التطورات السياسيّة الأخيرة.
وهنا لابد من الإشارة إلى تصريحات رئيس الوزراء الجزائريّ، عبد العزيز جراد، الذي أوضح قبل شهر تقريباً أنّ الكيان الصهيوني بات على حدود بلاده في إطار مخطط خارجيّ لاستهدافها، بعد إدخال المغرب في حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع تل أبيب، وشدد وقتها على ضرورة تكثيف جهود الجزائريين لحل المشاكل الداخليّة، ودعا المواطنين والطبقة السياسيّة والنخبة الثقافيّة لأن يكونوا بالمرصاد للحفاظ على استقرار الوطن المهدد في خاصرته اليساريّة مع المغرب.
وبالعودة إلى المناورة العسكريّة الجزائريّة، التي جرت بحرفيّة عاليّة في جميع المراحل والمستويات التكتيكيّة والعملياتيّة، وفق وزارة الدفاع الجزائريّ، أوضح قائد أركان القوات المسلّحة الجزائريّة أنّ بلاده تستحق أن تبقى إلى أبد الدهر، حرة، سيدة وعصية على أعداء الأمس واليوم، وقد اعتبر هذا الكلام موجهاً للمغرب، التي كانت ومازالت تُتهم من قبل الجزائريين بالانخراط في تحالفات استخباراتية مع كل من فرنسا والكيان الصهيوني، لاستهداف البلاد، وإشغالها عن الأمور المصيرية وإبقائها بعيدة عن القضايا العربية والإفريقية، وثنيها عن مواقفها العادلة المناهضة للاستعمار والمؤيدة لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
ومن الجدير بالذكر أنّ إعلان نمرود العصر الحديث، دونالد ترامب، عن التوصل إلى ما أسماه "اتفاقاً تاريخيّاً" لاستئناف العلاقات بين العدو الصهيونيّ والمغرب مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، أغضب الجزائر التي كانت أول دولة تعترف بدولة فلسطين، وافتتحت معسكرات تدريبيّة للمقاتلين الفلسطينيين في ستينيات وسبعينيات القرن الفائت، إضافة إلى ذلك فإنّ اعتراف واشنطن غير الشرعيّ بالصحراء الغربيّة أثار حفيظة الجزائر، التي تؤيّد موقف الأمم المتحدة وتعتبر جبهة "البوليساريو" الممثل الشرعيّ للشعب الصحراويّ، وتؤكّد أنّ الأراضي التابعة للإقليم وتسيطر عليها المغرب "أراض محتلة"، وفق تعبير الرئيس الجزائريّ، عبد المجيد تبون، الذي دعا خلال ترؤسه مجلس الأمن الأعلى إلى استمرار اليقظة والحذر على جميع المستويات لمواجهة ما وصفها بـ"التطورات غير المسبوقة" في المجال الإقليميّ المجاور.
الصحراء الغربيّة
في وقت سابق، أجرى مساعد وزير الخارجيّة الأمريكيّ لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ديفيد شينكر، زيارة إلى مدينة العيون كبرى مناطق الإقليم الصحراويّ، في إطار إعلان التطبيع الثلاثيّ بين واشنطن والرباط وتل أبيب الذي تم توقيعه بالعاصمة المغربيّة يوم 22 كانون الأول عام 2020، في زيارة تاريخيّة وفق وصف السفارة الأمريكية في الرباط إلى منطقة الصحراء الغربيّة المتنازع عليها.
وقد خالفت الزيارة الأولى "غير الشرعيّة" لمسؤول أمريكيّ رفيع بعد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب عليها، قرارات ومواقف الأمم المتحدة التي تعتبر جبهة "البوليساريو "الممثل الشرعيّ للشعب الصحراويّ، وتطالب السلطات المغربيّة بضرورة ترك حق تقرير المصير للصحراويين أنفسهم، ومنذ عقود تجري الأمم المتحدة مفاوضات سياسيّة حول مصير هذه المنطقة دون تحقيق أيّ تقدم يذكر.
ووفق وكالة المغرب العربيّ، فإنّ شينكر زار مقر بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربيّة "مينورسو" لدى وصوله إلى مدينة العيون، في جولة إقليميّة قادته إلى الجزائر والأردن، ولم تتدخل البعثة حين عمد المغرب في منتصف تشرين الثاني الماضي، إلى نشر قوات في منطقة عازلة كانت تسيطر عليها الأمم المتحدة، بهدف تأمين الطريق الوحيد إلى غرب إفريقيا في أقصى الجنوب، ما دفع جبهة البوليساريو إلى التخلي عن وقف إطلاق النار الموقع عام 1991 برعاية الأمم المتحدة، كما أدى إلى إشعال التوترات من جديد مع الجزائر، دون أن يستدعي الأمر قراراً من مجلس الأمن الدوليّ.
وترى الجزائر أنّ ملف الصحراء الغربيّة أمميّ بامتياز، حيث تنطلق من مبادئها الراسخة في مساندة الشعوب المناهضة للاستعمار، وتصر على ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولياتهما الكاملة بما يخص هذا الموضوع، وخاصة أنّ هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبيّ والاتحاد الإفريقيّ لا يعترفون بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة.
وتؤكّد الجزائر أنّها ماضية في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال، رافضة كل ما يمكن أن يثنيها عن مواقفها وخياراتها، وتعتبر قضية "الصحراء الغربية" من أولوياتها، وتشدد على ضرورة تحمل المسؤوليّة القانونيّة الكاملة في تطبيق الشرعيّة الدوليّة، وإعطاء الشعب الصحراويّ حقه في تقرير مصيره، بعد خيانة فلسطين والجرائم البشعة التي ارتكبتها المغرب بحق هذا الشعب لتحقيق أهدافها التوسعيّة.
وفي هذا الخصوص، أثار البيان الختاميّ للمؤتمر الوزاريّ الذي نظمته الرباط وواشنطن عبر تقنية الفيديو الجمعة الفائت، لدعم مبادرة الحكم الذاتيّ للإقليم الصحراويّ تحت السيادة المغربيّة، الكثير من التساؤلات، على رأسها ما إذا كانت جبهة البوليساريو ستغير موقفها من مسألة الحكم الذاتيّ أم ستصر على الرفض، في الوقت الذي بات فيه الحكم الذاتيّ المقترح الوحيد من المغرب، مع استبعاد عمليّة الاستفتاء التي تطالب بها الجبهة والتي ترى أنّه السيناريو الأمثل لحل الأزمة التاريخيّة.
وما ينبغي ذكره، أنّ "الصحراء الغربية" هي منطقة مُتنازع عليها، تقع في شمال إفريقيا، ويُسيطر المغرب على أجزاء كبيرة منها ويدعي أن الإقليم تابع له بشكل رسميّ، ويصنف ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتياً، وقد اندلعت حرب بين البلدان حول ملكية المنطقة، فتأسست حركة قومية صحراويّة عُرفت بجبهة "البوليساريو" والتي أعلنت في وقت لاحق عن تأسيسها "الجمهوريّة العربيّة الصحراويّة الديمقراطيّة" وشكلت حكومتها في "تندوف" بالجزائر، وهي المنطقة التي أجرى فيها الجيش الجزائريّ مناوراته مؤخراً.
وكانت موريتانيا قد انسحبت من الصحراء الغربية عام 1979، ليُسيطر المغرب فعلياً على معظم مساحة الإقليم الصحراويّ، ويقترح منحها حكما ذاتياً موسعا تحت سيادته، في حين تطالب الحركة القوميّة الصحراويّة "بوليساريو" منذ سنوات بإجراء استفتاء لتقرير مصير المنطقة بموجب اتفاق وقف إطلاق نار وُقّع عام 1991 برعاية الأمم المتحدة بعد حرب استمرت 16 عاماً.
كذلك أعلن الاتحاد الأوروبي عام 2016، أنّ "الصحراء الغربيّة" ليست من الأراضي المغربيّة، وفي آذار 2016 طرد المغرب حوالي 70 عاملاً في منظمة الأمم المتحدة بعد أن صرح "بان كي مون" أن ضم المغرب للصحراء الغربية يعد احتلالاً لدولة ذات سيادة، إضافة إلى أنه لا يوجد أي دولة عضو في الأمم المتحدة (باستثناء أمريكا) تعترف بشكل رسميّ بسيادة المغرب على كل أجزاء الصحراء الغربية منذ العام 2017، وقد تعرض المغرب لانتقادات لاذعة من منظمات حقوق الإنسان الدوليّة بسبب أعمال العنف في الصحراء الغربيّة.