عقب الجدل الكبير الذي أثاره توقيع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإخوانيّ في المغرب، سعد الدين العثماني، على اتفاق تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيونيّ الغاصب، تحدثت مصادر قياديّة في الحزب المحسوب على جماعة "الإخوان المسلمين"، أن قياديين أحدهما جمد عضويته وآخر ترك الأمانة العامة للحزب، بعد الوضع الداخليّ المهزوز الذي وصل إليه الحزب (القائد الحاليّ للائتلاف الحكوميّ في المغرب)، منذ أن قررت الرباط، في ال 10 من كانون الأولالمنصرم، استئناف العلاقات مع تل أبيب.
تدبير سياسيّ
بسبب أسلوب حزب العدالة والتنمية المغربيّ في التدبير السياسيّ إضافة إلى قضية التطبيع، تحدثت مواقع إخباريّة أنّ وزير شؤون البرلمان، عبد العزيز العماري، والذي يشغل حالياً محافظ مدينة الدار البيضاء، قدم استقالته من الأمانة العامة للحزب، وأكدت المصادر أن البرلماني والقيادي البارز في صفوف العدالة والتنمية، المقرئ الإدريسي، قرر تجميد عضويته في الحزب احتجاجا على ضمور قضايا الهوية والمرجعيّة الإسلاميّة في خطاب الحزب ومواقفه وقراراته، ويُعرف البرلمانيّ المذكور بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية والمناهضة للتطبيع، ومن المتوقع أن يستمر قرار تجميد عضويته في الحزب إلى حين عقد دورة للمجلس الوطنيّ تتعلق بهذا الموضوع بالتحديد.
وتبرهن المعطيات الجديدة أن حزب العدالة والتنمية الإخوانيّ وقيادته في المغرب لم ينجحا حتى الآن في نزع فتيل الأزمة التي خلفها توقيع الأمين العام للحزب على اتفاق الخيانة مع الكيان الصهيونيّ ودعم الأمانة العامة له، فيما يعيش الحزب سجالاً داخلياً حاداً بعد إعلان المغرب عن التوصل إلى ما قالت إنه "اتفاق تاريخيّ" لاستئناف العلاقات مع العدو الصهيونيّ والمقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، حيث يعود تطبيع المغرب بشكل غير رسميّ إلى العام 1986، عندما زار رئيس وزراء العدو حينها، المجرم شمعون بيريز، المغرب والتقى بالملك الحسن الثانيّ.
كذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى الفجوة الكبيرة بين مواقف قواعد الحزب والتوجهات الرسميّة للحكومة التي يقودها العثماني فيما يخص رفض التطبيع، على الرغم من أن دعوة الأمين العام السابق للحزب ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران قد نجحت في وقف الذهاب إلى عقد اجتماع مجلس وطنيّ على خلفية هذه التطورات حفاظا على ما أسماها" وحدة الحزب".
وفي الوقت الذي يؤكّد فيه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإخوانيّ في المغرب، سعد الدين العثماني، ضمن الاجتماعات الداخليّة للحزب، أنّه وقع على اتفاقيات التطبيع بوصفه رئيساً للحكومة فقط وفق زعمه، تشدد حركة التوحيد والإصلاح، المعروفة بأنّها الذراع الدعويّة للحزب، على رفضها القاطع لكل أشكال التطبيع، الذي أعلنه الرئيس الأمريكيّ المنتهية ولايته، دونالد ترامب، مترافقاً مع اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربيّة، وهي منطقة مُتنازع عليها، تقع في شمال إفريقيا، ويُسيطر المغرب على أجزاء كبيرة منها ويدعي أن الإقليم تابع له بشكل رسميّ دون اعترافات محليّة أو أمميّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ حزب العدالة والتنميّة الإسلاميّ، يقود الحكومة في المغرب منذ العام 2012 بعد فوزه بالمرتبة الأولى في انتخابات عام 2011 للمرة الأولى في تاريخ المغرب، وقد اعتبر توقيع أمينه العام على اتفاقات التطبيع مع العدو الإجراميّ "خيانة" كبيرة، وأثارت تحركات بعض قيادات الحزب سخطاَ داخليّاً وشعبياً واسعاً، في ظل استمرار اغتصاب الكيان الإرهابيّ لأراضٍ عربية ورفضه قيام دولة فلسطينية مستقلة، ناهيك عن جرائمه المستمرة بحق الفلسطينيين والعرب.
استقالات متسارعة
لا يبدو أنّ توقيع الأمين العام سعد الدين العثماني على اتفاق الخيانة الثلاثيّ، سيمر مرور الكرام، حيث كشفت مواقع إخباريّة نقلاً عن مصادر مطلعة من داخل حزب العدالة والتنمية الإخوانيّ، أنه تتسارع الاستقالات في الحزب، على إثر استقالة بعض القيادات البارزة، حيث إنّ البرلمانيّ المقرئ الإدريسي، معروف بمناصرته لحركة الإخوان المسلمين" وعمدة الدار البيضاء، عبد العزيز العماري، إضافة إلى قيادات نسائيّة ورؤساء جماعات محليّة ومستشارين في عدة مدن مغربيّة وأعضاء في عدد من تنسيقيات الحزب، ما يفتح الباب أمام أحداث مستقبليّة ربما تكون صادمة بالنسبة للمطبعين.
وفي هذا الشأن، تتحدث بعض التحليلات أنّ المستقيلين من الحزب يستعدون لتأسيس حزب جديد لتوحيد جهودهم ضد رئيس الحكومة، وذلك قبيل الانتخابات التشريعيّة والجماعيّة المقبلة، بعد الشرخ الحاصل في الحزب الإخوانيّ كنتيجة مباشرة لتوقعيه على اتفاق تطبيع العلاقات مع أخطر عدو للعرب والمسلمين، وفق العدو نفسه الذي برهن على لسان وزير داخليّته قبل أشهر، بشكل قاطع أنّ عقائد الصهاينة تعادي بشدة العرب والمسلمين والأحرار، وتعتبر أنّ أرض فلسطين العربيّة هي العاصمة الأبديّة لدولتهم المزعومة، وأنّه لا يمكن تحقيق سلام استراتيجيّ بين اليهود والمسلمين، وأضاف إنّ الأمّة الإسلاميّة ستبقى عدواً لليهود ما دام القرآن كتابهم.
ومع أنّ الشعب العربيّ مؤمنٌ بالكامل بأنّ حدود دولة فلسطين العربيّة التاريخيّة هي من البحر إلى النهر، وأنّ ذلك حق مقدس لا يمكن التنازل عنه بأيّ شكل من الأشكال، ارتفعت حدة الخيانة والعمالة لدى بعض الحكومات الخائنة، رغم أنّ الوزير الصهيونيّ أظهر حقيقة كيانه الإجراميّ المُعتدي، بقوله: "إنّ العرب هم أبناء هاجر أَمَة إبراهيم لذلك يجب أن يكونوا عباداً لليهود"، واصفاً الشعب اليهوديّ بـ "شعب الله المختار" الذي لا يحق لغيره الحق في حمل الرسالة، وكل من يدعي ذلك يستحق "العذاب"، وفق ادعائه.
يشار إلى أنّ حزب العدالة والتنمية المغربيّ، يستعد لعقد مجلسه الوطنيّ نهاية الشهر الحالي ، بعد عدة تأجيلات لمحاولة رأب الصدع والدعوة لعقد مؤتمر استثنائيّ، فيما دعت جهات من داخل حركة التوحيد والإصلاح (الجناح الدعويّ للحزب)، إلى تجميد عضوية رئيس الحكومة المغربيّة الموقع على اتفاق التطبيع ووزير المعادن عبد العزيز رباح، بسبب اجرائه لمحادثات مع نظيره الصهيونيّ.
حزب صهيونيّ
أصبح واضحاً أنّ قيادات حزب العدالة والتنمية المغربيّ، مختلفة بشدة حول دعم الملك المغربيّ محمد السادس بشأن إقامة علاقات رسميّة مع تل أبيب إضافة إلى إعطاء الأولوية لما تسميه الرباط "مصالح داخليّة"، ولكن في الجانب الآخر نجد معارضة من الأحزاب الأخرى لا مثيل لها بوجه صفقات التطبيع مع العدو الصهيونيّ، وكلنا نتذكر تصريح رئيس حركة مجتمع السلم "حمس"، عبد الرزاق مقري، الذي وصف حزب العدالة والتنمية الإسلاميّ المغربي بـ"الصهيونيّ" ورئيس الحكومة المغربيّة سعد الدين العثماني بـ "الخائن"، بسبب انجرارهم نحو التطبيع.
واعتبر رئيس أكبر حزب إسلاميّ جزائريّ، في بيان قبل بضعة أسابيع، أنّ أكبر من يناله هذا الخزي والعار هو رئيس الحكومة المغربيّة باعتباره خان مبادئه وخطه السابق المعادي للتطبيع بأي شكل من الأشكال، وأكّد وجود أصلاء ومناضلين صادقين في مناصرة الفلسطينيين في الحزب ضد الكيان المعتدي، لكنه اعتبر أنّ موافقة مؤسسات هذا الحزب بمثابة خيانة واضحة وإعلان دخول رسميّ في دائرة التصهين، وفق وصفه.
وفي وقت سابق نقلت صحيفة "هسبريس" المغربيّة عن قيادي في حزب العدالة والتنميّة أنّ جميع أعضاء الأمانة العامة للحزب اتفقوا على شعار "القضية الوطنيّة أولاً والقضية الفلسطينيّة دائماً"، مع التأكيد على ضرورة التصدي لمواجهة المهرولين نحو التطبيع ووضع آليات لهذا الغرض، وبذلك اتخذ الحزب قرار إعطاء الأولوية لـ "القضية الوطنية" بمعنى آخر، الصحراء تأتي قبل قضية فلسطين، ما فسر على أنّه إعلان خيانة واضح لفلسطين ومواقف الشعب المغربيّ المُشرفة.
في الختام، امتدت المعارضة الشعبيّة في المغرب بشكل واضح إلى المجال الحزبيّ في البلاد، والتي بدأت منذ اليوم الأول لإعلان الخيانة مع الكيان الصهيونيّ، رغم أنّ أمريكا أرضت غرور عملائها في النظام المغربيّ وقدمت لهم الاعتراف بالصحراء الغربيّة التي تحتلها الرباط على طبق من خيانة، إلا أنّنا نجد أصحاب المواقف المشرفة في المغرب أينما يممنا الخُطا، ما يعني أنّ قضية فلسطين أكثر تجذراً وأهميّة من القضايا القائمة على لعب السياسة الخبيثة.
المصدر:الوقت